
كتبت حنين أحمد:
توقع رئيس قسم الجراحة الترميمية والتجميلية بالجامعة الأميركية في بيروت، د. غسان أبوستة، قيام حرب أخرى على قطاع غزة قبل قدوم الصيف المقبل، أو خلال عامين على أقصى تقدير، لأن كل الظروف المحيطة تنذر بذلك، لاسيما بوجود 3 حروب على غزة في 6 سنوات فقط.
وكشف أبو ستة في ندوة «الحرب على غزة.. رؤية شخصية»، التي عقدتها الجمعية الثقافية النسائية حول شهادته على المجازر التي ارتكبها العدوان الإسرائيلي في حربه الأخيرة على قطاع غزة، أن الأسلحة التي استخدمها العدو الصهيوني الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة تُستخدَم في الأصل ضدّ العسكر والمعسكرات، كون القذائف والصواريخ التي دكت المنازل مصمّمة لضرب جبال وملاجئ عسكريّة في داخلها، لا منازل المدنيين، وقال إن العدو قذف خلال 51 يوماً ما بين 18 و20 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة.
على هامش الندوة، أجرت «الطليعة» لقاء مع د. غسان أبوستة، جاء فيه:
● ما ظروف انتقالك إلى غزة في فترة العدوان عليها؟
– كان لي تجربة سابقة في هذا المجال بقطاع غزة في حرب 2008 و2012، حيث ذهبت مع جمعية العون الطبي البريطانية، وكان الوصول عن طريق معبر رفح مسهلاً.
في بداية هذه الحرب، تبين أنها ستكون أقسى، وستكون الحاجة أكبر مع إغلاق معبر رفح، ونتج عن ذلك أننا تأخرنا في الوصول 10 أيام، وبعد ذلك خاطبت وزارة الصحة في غزة منظمة الصحة العالمية عبر قائمة توضح نسبة الأطباء الذين تحتاج إلى وجودهم بالقطاع، وكانت منظمة الصحة العالمية هي التي أصدرت لي تصريح دخول إلى غزة عن طريق معبر أريتز.
● كيف تصف لنا الوضع على الأرض؟ وهل كان أقسى مما شاهدناه على شاشات التلفزيون؟
– كان الوضع أسوأ بكثير من الحروب التي رأيتموها من قبل، لناحية كمية الموت وكان الاستهداف المباشر لبيوت الناس هو ما ميّز هذه الحرب عن سابقاتها، وكانت عشوائية القصف مذهلة، وما زادها سوءاً هذه المرة الاستهداف المباشر للمستشفيات، كقصف مستشفى الشفا وأبو يوسف النجار ومستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، حيث تم استهداف مكان العمليات، ما أدى إلى استشهاد طبيب ومريض وممرضة.
● كم طبيباً كنتم من خارج قطاع غزة؟
– كنا 3 أطباء لأنه لم يُسمح بأكبر من هذا العدد لأطباء من خارج قطاع غزة. وكنت أنا من لبنان و2 من النرويج.
● ما الحالات التي لاتزال راسخة بذهنك ولا يمكن أن تنساها؟
– كان هناك طفل اسمه محمد بدران، انتشل من تحت الأنقاض، وكانت إصابته في الوجه بليغة لدرجة أن نصف وجه قد شلّ، وبعد أن أجريت العمليات الجراحية له كان يسأل الممرضين من أطفأ الضوء، وهذا يمثل عينة من الكم الهائل من الأطفال الذين استهدفوا وبلغ عددهم 70 جريحاً.
من الحالات التي أريد التحدث عنها أيضاً حالة لطفل رجله مهشمة، يبلغ من العمر 11 سنة، واحتاج لعملية ترميم وقبل العملية سألته عن اسمه، فقال فارس عودة، ولم أصدقه، فأعدت تكرار السؤال، فأجاب بالاسم نفسه لأكتشف بعدها أنه ابن أخ الشهيد فارس عودة صاحب الصورة الشهيرة أمام الدبابات الإسرائيلية، وشقيق فارس والد الطفل كان قد نذر تسميه ابنه على اسم شقيقه فارس.
معجزة الشجاعية
● هل كان الكادر الطبي كافياً بالنظر إلى حجم العدوان؟
– معجزة، كيف أن القطاع الصحي الفلسطيني استطاع القيام بهذه المهمة الهائلة، فهناك 14 ألف جريح.
ويوم مجزرة سوق الشجاعية عندما أعلن الإسرائيليون هدنة من طرف واحد، واستدرجوا الناس إلى السوق، ثم قصفوه بعدها، توقفوا قليلاً حتى يتجمع الناس مجدداً ويستهدفوه، كما بدأ الإسرائيليون باستهداف سيارات الإسعاف، ووصل إلى المستشفى خلال 5 دقائق 240 جريحاً، وكان هذا اليوم من أقسى الأيام التي رأيتها.
● لماذا لم نر أطباء عرباً من بين الأطباء الذين دخلوا غزة؟
– كان تجاوب الأطباء العرب رائعاً، لكن الحصار منعهم من الدخول، وكانت تصلني رسائل بريدية من زملاء وأصدقاء درسنا معاً للبحث عن أي وسيلة تمكّنهم من الدخول، والكثير منهم ظلوا في القاهرة، ولم يتمكنوا من الدخول عبر معبر رفح.
زيادة التوعية
● ما الهدف من الندوة التي تحدثت فيها؟
– زيادة التوعية حول ما جرى في قطاع غزة، والاستنتاجات التي يمكن أن نخرج منها من هذه الحرب، وتشجيع الناس على مواصلة دعم قطاع غزة، والتحضير للحرب المقبلة، لأنه إن اعتقدنا أن هذه الحرب ستكون الأخيرة على قطاع غزة، فهذا يعني أننا لم نتعلم شيئاً، فدعم القطاع الصحي في غزة ليقف مجدداً على رجليه ستكون مهمة ضرورية وحاجة ماسة، ومع منع الفرق الطبية الأجنبية والعربية من الدخول إليه، فكل المهمة ستكون على عاتقه، لذلك لا بد من دعمه وتقديم يد المساعدة له.
● من أي منطقة من فلسطين أنت؟ وهل اندفاعك كونك فلسطينياً أم لأنك طبيب؟
– أنا من بئر السبع، وكوني طبيباً فهذا يعطيني حافزاً لعمل شيء لهذا الشعب، كوني جزءاً منه وجزءاً من صراعه، ولو لم أكن طبيباً لما تمكنت من الذهاب إلى هناك. وأحمد الله كثيراً أنني اخترت مجال الطب حتى أتمكن من مد يد العون والمساعدة ولو بجزء بسيط من كفاح وجهاد هذا الشعب لأنه على الأقل الطب لا يعطينا إحساساً بالعجز.
● بعد محاضرتك في بيروت، لماذا اخترت الكويت لتكون أول محطة خليجية في سلسلة ندواتك؟
– أنا من مواليد الكويت وتربيت فيها، فالعلاقة بيني وبينها قوية جداً، وقبل العام 48 علاقة الكويت بالقضية الفلسطينية متينة، وهي القضية الأولى للشعب الكويتي، فكان من الطبيعي أن تكون من أول المحطات لي.
● هل هناك من تواصل بينك وبين أطباء وحالات قمت بمعالجتها في غزة؟
– نعم، هناك تواصل مع الزملاء في قطاع غزة، الذين يقوم على أكتافهم كل القطاع الصحي، وكوني رئيس قسم جراحة التجميل في الجامعة الأميركية ببيروت، فهناك نية بجلب أطباء جراحين من فلسطين وعمل دورات تدريبية لهم لزيادة خبراتهم وتعاملهم مع الحالات الكبيرة والمستعصية.