
محمد الغربللي:
وفق ما نشرته الزميلة «الجريدة» في عددها يوم الأربعاء الماضي، ووفقاً لمصادر وزارية وصفتها بـ»المطلعة»، فقد «شدد سمو رئيس مجلس الوزراء على جميع وزرائه عبر خطابات رسمية، بضرورة إحالة أية تجاوزات مالية أو مخالفات أو فساد أو شبهات بالتعدي على أملاك الدولة والمال العام إلى النيابة العامة مباشرة، دون العودة إلى مجلس الوزراء، وإحالة جميع القيادات والوكلاء وصغار الموظفين الذين وردت أسماؤهم أو مناصبهم في تقارير ديوان المحاسبة إلى الجهات القضائية للفصل في القضايا التي رصدها الديوان، كما طالب بالتعامل مع تلك القضايا بجدية، وترك الكلمة الفصل للقضاء، سواء بإدانتهم أو تبرئتهم»، وأضافت «الجريدة» أن ديوان المحاسبة رصد في تقريره الأخير وجود 383 مخالفة في أداء الجهات الحكومية والهيئات المستقلة، وتشمل المخالفات المرصودة المصروفات غير المبررة للعلاج في الخارج والامتيازات المالية لبعض القيادات الحكومية غير المؤهلة لها».
هذا الخبر الذي أوردته «الجريدة» لم يصدر ضمن بيان رسمي لرئيس مجلس الوزراء بل استنادا إلى «مصادر مطلعة» كما وصفتها «الجريدة».. وبداية القول إنه على افتراض صدقية الخبر وصحته، فإن ما اتخذه رئيس مجلس الوزراء إجراء طبيعي ومنطقي وصحيح، ويُفترض أن يتم بصورة اعتيادية، وبالتالي كان يُفترض أن يصدر تصريح رسمي بذلك وليس بشكل موارب كما نُشر، وكأنه أمر يستحي منه أو يخشى من إعلانه!
من ناحية أخرى على خلاف البيان الوزاري الصادر من مجلس الوزراء، الذي نشر في اجتماعه الأسبوع الماضي عند بحث تقرير ديوان المحاسبة «بدعوة كل الجهات المعنية إلى العمل على تلافي الملاحظات التي وردت في التقرير، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تكرارها»، أتى هذا الخبر كما أتت عبارة مجلس الوزراء في اجتماعه فيها بقدر من التلطف والحنان.. إذ ورد «منع تكرار المخالفات مرة أخرى» فقط، وذلك بخلاف الخبر الذي أوردته «الجريدة».
بكل الأحوال، فالخبر والبيان يأتيان على ضوء صدور تقرير ديوان المحاسبة، الذي عبّر فيه رئيس الديوان بتصريح له عن عدم رضاه عن الجهد الذي يتم بذله، وما يلاقيه من إهمال بالمتابعة لدى الدوائر الحكومية لمعالجة تلك التجاوزات التي تُرتكب سنوياً.. وكأنه يحاكي أسطورة سيزيف بالجهد المبذول دون الوصول إلى الهدف.. نوع من العبث المتواصل الذي لا يؤدي –بالقطع- إلى نتيجة ملموسة أو اكتراث الجهات، بما يوضحه الديوان من مخالفات.
هذه المخالفات لا تنزل علينا من السماء، وهي أياً كان مصدرها ليست فيروسات مرضية، بل قام بها أشخاص يحتلون السلم الوظيفي بدرجات متفاوتة.. من أعلى السلم الوظيفي إلى أدناه – يحكي التقرير حصول أحد القياديين على ستين ألف دينار مكافآت في لجان وأعمال من صميم عمله، هذا بخلاف الراتب الشهري الذي يتقاضاه، وخلاف المهمات الرسمية التي يقوم بها، وأحيانا بشكل مفتعَل.. قيادات ما إن انتهوا من مهمة عمل في الخارج حتى يخططوا لمهمة أخرى.. مخالفات كثيرة ومتعددة أوردها تقرير ديوان المحاسبة الأخير يفترض أن يكون لها صدى مزدوج، الأول لدى مجلس الأمة كجهة رقابية على أداء الحكومة، إلا أنه تحوّل إلى مجلس «ارقد وآمن»، وفقد فعاليته الرقابية بشكل واضح، أما الجهة الأخرى المعنية بالأمر فهي هيئة مكافحة الفساد التي يفترض أن يكون لها دور ملموس في تتبع تقارير ديوان المحاسبة.
إجراء روتيني
إن عملية مراقبة المال العام من العبث والتجاوزات تتوزَّع لدى عدة جهات، ولعل أولى تلك الجهات هي مجلس الوزراء، المفترض فيه معالجة أوضاع الوزارات أو المؤسسات الحكومية في جميع مناحي الأداء الإداري والمالي، وإن كان هناك تراخٍ في ذلك، فيفترض أن يقوم مجلس الأمة بدوره الرقابي شبه المفقود حالياً.
تقرير ديوان المحاسبة السنوي أصبح يشبه الإجراء الروتيني، ما إن تم إنجازه حتى يُركن على الرف دون متابعة أو معالجة جادة، لتستمر حالات التجاوزات بمختلف أشكالها.. وإذا كانت الرسالة التي تحدثت عنها «الجريدة» صحيحة، فهذا تعبير عن الواقع المؤلم الذي يتلمسه رئيس مجلس الوزراء، والذي عبّر عنه في أول مؤتمر صحفي عقده منذ سنتين، متحدثا عن تردي الأوضاع الإدارية في الجهاز الحكومي.. تعبير مقبول من شخص متابع ليست بيديه أية سلطة، ولكن امتلاك السلطة دون تفعيل يخلق تراخياً في الأداء.. تراخياً يقترب من التهاون.