رامي مهداوي : هذا الميدان يا حميدان

رامي مهداوي
رامي مهداوي

هذا هو حالنا نحن العرب بشكل عام، والفلسطينيين بشكل خاص، التيه فيما نريد! كيف؟ متى؟ لماذا؟ وأثناء التيه نذبح ذاتنا بذاتنا باسم المزايدات الوطنية وبيع الشعارات الفارغة؛ لتصبح «أنا» كل شخص منّا عبارة عن ظل الله على الأرض، بالتالي تتحوّل ذات كل شخص منّا إلى الحاكم دون أي مناقشة لقراراته وتعليماته السماوية، فيتم إطلاق النيران الذاتية على الذات، ونترك ما يجب أن ننظر إليه ونتابعه بالعمل الفوري، دون الخوض في تفاصيل تعجِّل بقتل ضحيتنا التي تذبح بيد المغتصب «الآخر».

منذ اغتصاب فلسطين على مر السنوات؛ تجد أن انشغالنا بالترف والرومانسية الفكرية على صعيد بعض النخب السياسية، الثقافية، الاقتصادية، الاجتماعية يضعف عملية الفعل لما يجب أن نقوم به لنتحول إلى ناقدين لأي فكر جديد يتعامل مع الحدث بأدوات ورؤية مختلفة لما هو تقليدي، أو نتحوّل إلى جنود رد الفعل من الفعل القادم من «الآخر»، الذي يغتصبنا بشكل يومي وممنهَج، من خلال استخدام أدوات متطورة عصرية، وانفتاحه التام على الثقافات المختلفة، مما جعله ينصهر مع الثقافات والأديان للحفاظ على هويته، حتى استطاع أن يقتحم بعض الأسواق العربية بكل شجاعة، وتبني بعض من الثقافات العربية كأنها تعتبر من جذوره، فقام بتحويل الثوب الفلاحي الفلسطيني كجزء من تاريخه، تلبسه مضيفات الطائرات المدينة في مختلف عواصم العالم، ويكون صحن الحمص والفلافل وخبز الطابون كمكون من مكونات مطبخه، فيتفاخر بذلك في المجلات الدولية التي تشجّع السياحة إلى تاريخنا الذي نبكيه.

إننا نجيد البكاء على الماضي، كذلك نجيد جلد أنفسنا إذا ما ولدت أي محاولة لفعل ما خارج ما يسمى «الإطار الوطني» «المصلحة الوطنية»، وكأن أي فعل يجب أن تتم مصادقته من بعض القيادات الفكرية حتى تتم مباركته من السماء، ولكل قائد فكري مدرسة تقوم بتدريس مذهب خاص به يتلاءم مع مصالحه الشخصية أولاً وأخيراً تحافظ على ذاته أو /ومؤسسته أو /وحزبه دون الاكتراث بالفعل ذاته والمصلحة العامة. بالتالي تتم محاسبة من يعمل قبل وقوع الفعل وخوض التجربة، فيقوم البعض بإجهاض الحمل خوفاً من المولود الجديد، قبل أن نتعرف عليه. وأسهل وأسرع تدمير هو وصف الفعل والفاعل تطبيع ومطبع.

ما بين نفي وتأكيد شركة الخطوط الجوية الكويتية، بما تم تداوله حول تسيير رحلات للمسجد الأقصى، تضيع القدس والقضية الفلسطينية، ينقسم المجتمع الكويتي، وكذلك المجتمع الفلسطيني ما بين مؤيد ومعارض؛ معسكر يصف هذا الفعل بأنه تطبيع في العلاقات مع إسرائيل، وآخر لا يراه تطبيعاً. أعتقد -ربما أكون مخطئاً- يفترض أن هذا الموضوع قد انتهى النقاش حوله منذ عقود، ومثل هذه النقاشات يجب أن يتم توجيهها إلى ما يحدث في القدس من عمليات تهويد، وما يحدث بكل فلسطين من عمليات استيطان دائم.

المضحك المبكي أن خبر الخطوط الجوية الكويتية تسيير رحلات إلى القدس؛ أخذ صدى إعلامياً عربياً أكثر من ما يحدث بالقدس ذاتها، وخصوصاً المسجد الأقصى، من اقتحامات يومية من قبل المتطرفين المستوطنين والاعتداء اليومي من قبل جيش الاحتلال على المصلين، لدرجة أن العرب لم يسمعوا صوت المرأة (عبير زياد)، التي قام جيش الاحتلال بتمزيق حجابها والتنكيل بها.
علينا الخروج من هذه الدوامة التي تقتل الضحية أولاً وأخيراً قبل كل شيء، فلسطين والقدس بحاجة إلى فعل بكل الاتجاهات، يكفينا مزايدات بعضنا على بعض، فنحن بحاجة الى أدوات جديدة، سفراء جدد للقضية، يجب أن نشتبك مع الآخر في كل المحافل الدولية، ونقوم بتعريته، كونه محتلاً «كولونيالي» لا إنساني. بالتالي خوفي منه يجب ألا يحرمني أيضاً من إعلاء صوتي أينما تواجد في المؤتمرات والورش الدولية بطرح حقيقة الضحية كما هي، دون أي تضخيم للحقيقة، فالحقيقة على الأرض والوقائع اليومية بحاجة إلى من أن يكون خير سفير لها ليحملها إلى العالم.

بالتأكيد العالم ليس أعمى، لكنه سيصدق جاسم ابن مدينة السالمية وباولو ابن روما وأسماء بنت الفروانية ومارلين بنت لندن أكثر من أبناء الضحية أنفسهم. إذن السؤال هو ليس الزيارة بحد ذاتها، بقدر كيف يمكن أن نستفيد كفلسطينيين وعرب من مثل هكذا زيارات؟ هل سنجعل هذه الزيارات فقط للصلاة في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والحرم الإبراهيمي وكنيسة المهد؟ ثم البكاء علينا كضحية تخضع تحت الاحتلال؟ وبعد ذلك يتم التقاط صور تذكارية هنا وهناك، ثم التسوق من المنتجات الحرفية الفلسطينية وأكل الكنافة النابلسية، وأخيراً التبرع ببعض المال لمؤسسة خيرية ما.

على الفلسطيني أن يقوم بإعداد وظيفته المنزلية أولاً، وذلك بخلق برنامج وطني منوّع لزيارة الإخوة والأخوات الكويتيين والعرب والأجانب أيضاً. هذا البرنامج يشمل جميع جوانب الحياة الفلسطينية من السياسية حتى الاجتماعية. وبعد ذلك إعداد دبلوماسيين من خلال الدبلوماسية الشعبية بخلق سفراء لقضيتنا، وما أحوج قضيتنا بهذا الوقت إلى ضخ دماء جديدة بكل المستويات لنقل الحقيقة التي بدأت وسائل الإعلام العربية وغير العربية بتغيبها.

القضية الفلسطينية مصابة بتخمة المزايدات على الصعيدين، الداخلي والخارجي، علينا أن نشمّر عن سواعدنا والعمل يداً بيد حتى لا نقوم بطحن الماء، يكفينا مزايدات بعضنا على بعض؛ وإلاً كما نقول بالعامية «هذا الميدان يا حميدان».

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.