سياستنا بين الازدواجية والمعزوفة النشاز

الكويت وروسيا

كتب محرر الشؤون المحلية:

نادرة جداً، إن لم تكن شبه معدومة، الإشارة إلى ضلوع الدوائر الرسمية الكويتية في صبّ النفط الخليجي على أطراف الحرب الأهلية في سوريا، في حين يبدو خلاف ذلك ما نسمعه من حديث متكرر حول التدخل القطري أو السعودي في الشأن السوري، تسليحا أو دفعا لأموال طائلة، أو عمليات لوجستية، لزيادة لهيب الحرب المشتعلة هناك منذ أكثر من سنتين، وقاربت دخولها أو إنهاءها السنة الثالثة بعد أشهر.

المأخذ على السلطة

لا نتحدَّث هنا عن قيام بعض الجماعات الإسلاموية بجمع الأموال لفرق من المسلحين، وهذا ما نشر بشكل علني عندما أقدم البعض على فتح بعض الدواوين لتلقي أموال التبرُّعات بصورة غير رسمية ومن دون معرفة توجهها أو لمن تذهب، فهذا شأن آخر، ولكن يبقى المأخذ على السلطة الكويتية وقوفها في وضع المشاهد لعملية جمع تلك التبرعات، وكأنها غير معنية بالأمر، أو عدم إصدارها قوانين تحدد عمليات التبرعات وجمع الأموال، ولا نتحدَّث هنا أيضا عن البعض من المفتونين بالصور والأفلام، بظهورهم على ظهور سيارات عسكرية وأمامهم الأسلحة القاذفة أو الصواريخ، لإطلاقها على بعض المدن السورية، غير مكترثين للضحايا، من مدنيين أو أطفال، فهؤلاء عشقوا الظهور الإعلامي، بمناسبة أو غيرها، وهذا أيضا ليس أمراً رسمياً، ولكن هذا الظهور العلني بالصوت والصورة يستحق المساءلة، ليس من باب التجريم، ولكن على أقل تقدير من باب معرفة الخلفيات بتفاصيلها، فقد تؤدي إن لم يكن قد أدَّت فعلاً من دون علم الجميع، إلى تجنيد شباب متحمّس محشو عقله بأفكار تكفيرية، كحال المقاتلين الذين سيطروا على الساحة السورية بجميع أشكالهم وتلاوينهم.

تمويل لأهداف أخرى

إن دوافع وأهداف هؤلاء من جامعي الأموال أو مشجعي ومروجي الحالة الجهادية في سوريا ليست الديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة الوطنية، بل انطلاقاً من أفكار إرهابية قائمة على المذهبية والتمترس المذهبي، لا غير، وكما كانت هناك أيادٍ خفية تلعب دورها، تحريضا وتمويلا، فيما كان يسمى بالجهاد في أفغانستان في نهاية السبيعنات، بترتيب من المخابرات الأميركية وأطراف عربية أيضا.. هذه الأيادي غير بعيدة عن حملة التجييش المذهبية في ما يجري اليوم في سوريا.

منذ أيام، وعن طريق الصدفة المحضة في اعتقادنا، وليس من طريق التدقيق والمتابعة، تم إيقاف أحد السوريين في مطار الكويت، مغادراً وبحوزته مبلغ نصف مليون يورو، أي ما يعادل 190 ألف دينار نقداً، ولم يشر الخبر إلى مصدرها، أو من أي طريق جمعها.

هي بالفعل ليست الحالة الأولى، ولا يعرف مصير تلك الأموال، هل كانت ستذهب إلى أعمال الإغاثة الانسانية للاجئين في المخيمات في الأردن ولبنان وغيرها من الدول، أم لشراء أسلحة وذخائر؟

مصدر تلك الأموال مجهول، والتوجيه ايضا مجهول، وكأنه لا توجد مؤسسات في الكويت، وعلى رأسها جمعية الهلال الأحمر الكويتية، الجهة المعنية والخبيرة بالمساعدات الإنسانية منذ أمد طويل، من دون تدخل سياسي أو توجيه عملها من خلف الستار أو حتى من أمامه.

ليس تقاعساً من «الهلال الأحمر» قيامها بهذا الدور، لكن الجهات الإسلاموية هي التي دخلت على الخط، انطلاقاً من أسس مذهبية بحتة، لذا ليس مستغرباً قيام وسائل الإعلام بالإشارة أخيراً، وبموجب تقارير منظمة العفو الدولية (امنستي انترناشيونال) إلى المذبحة التي جرت في بعض القرى المحيطة في مدينة اللاذقية، حيث قامت الجماعات الإرهابية من دولة العراق والشام، أو جبهة النصرة، بقتل الأطفال والنساء والمدنيين، وأخذ آخرين رهائن لديهم من دون معرفة مصيرهم، وقد تمَّت الإشارة في هذا التقرير إلى عملية التمويل المالي، لإتمام تلك العملية البشعة، وجانب من هذا التمويل مصدره أموال كويتية، كما ورد في التقرير الذي تناقلته وسائل الإعلام.

الموقف الرسمي الكويتي

نعود للبداية بالقول إن الجانب الرسمي الكويتي أخذ منحى آخر عن بلدان خليجية أخرى بشأن الأزمة في سوريا، وكانت مبادرة مميزة عقد المؤتمر الأول للمانحين لمعالجة أوضاع اللاجئين والوضع الإنساني في سوريا ذاتها في مطلع العام الماضي.

كما أن هذا المؤتمر سيتم تكراره مرة أخرى، وفق ما أشارت إليه المصادر الرسمية، وحتى أمين عام الأمم المتحدة أشار إلى عقد هذا المؤتمر خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الإشارة الإعلامية الوحيدة في وسائل الإعلام تتحدث عن دور الكويت هذا، بعيداً عن صب النفط الخليجي على النار السورية، كما تنتهجه بعض الدول الأخرى منذ مارس 2011.

هذا الموقف يُحسب للإدارة الرسمية الكويتية، وكم كان لافتاً الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الكويتي إلى روسيا، وعقد مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، والتصريحات الرسمية الكويتية التي صدرت خلال تلك الزيارة، بالإعلان عن وجود توافق في وجهات النظر بين البلدين تجاه القضايا الإقليمية، وأهمية دعم الأمن والاستقرار في المنطقة، وقد أشاد وزير الخارجية بالدور الذي قامت به روسيا لإخضاع الأسلحة الكيماوية في سوريا للرقابة الدولية وتدميرها بإشراف دولي، وعندما سُئل وزير الخارجية في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع لافروف، أشار إلى التقارب الأميركي- الإيراني، باعتباره أمرا يساهم بتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

وإذا كانت اتفاقية نزع السلاح الكيماوي السوري بموجب الاتفاق الأميركي- الروسي والموافقة السورية الرسمية قد «زعلت» البعض، لكن الترحيب الكويتي كما أتى في تصريح وزير الخارجية كان لافتا، بتعزيز وجهة النظر الكويتية، ببذل جميع المساعي لإنهاء الحرب الدائرة المدمرة للإنسان والبنى التحتية في سوريا، والقضاء على الدولة السورية بشكل لا يمكن معالجته في المستقبل، كما كان ملفتا في التصريح الترحيب بالتقارب الإيراني- الأميركي، الذي أربك دوائر عربية، وقاد إلى اللقاء حتى مع نتنياهو لإفشال هذا التقارب.

والملفت أيضا في اللقاء الصحافي الذي عقده الوزيران، ما أعلنه وزير الخارجية الروسي حول وجود معسكرات في أفغانستان تقوم بتدريب معارضين سوريين، وقيام جبهة النصرة بمحاولات لنقل أسلحة كيماوية إلى العراق، لنشر الفوضى، وحديثه عن أن أطرافا من المعارضة السورية ودولا أخرى تسعى لاستخدام الكيماوي في سوريا، وبالطبع لم يحدد الوزير هذه الدول الأخرى في مؤتمره الصحافي، مطبقا المثل المعروف القائل «اللي على راسه بطحة يحسس عليها».

تداعيات التوجه الخليجي

الزيارة كانت مهمة، والتصريحات الرسمية الكويتية أو الروسية بشأن الأوضاع في المنطقة، وعلى رأسها الوضع في سوريا، تكتسب أهمية أكثر، كما أن توقيت الزيارة مهم جداً، بعد أن أخذت روسيا دور اللاعب الرئيسي في الإقليم، بعد أن ابتعدت عنه في سنوات سابقة، وهذا الأمر يعزز الدور الكويتي، الساعي إلى الوصول إلى حل للأزمة في سوريا وإيقاف الحرب المؤلمة هناك.

لكن دائما في أوضاعنا العربية عامة، والخليجية بشكل خاص، الخشية أن تأتي التحركات الكويتية في خضم التحرك الخليجي الذي تقوده بعض الدول، كالمعزوفة النشاز، وبعيدا عن التوجه الخليجي العام أو بعضه السائر إلى صب المزيد من الزيت على النار السورية، حيث ما فتئت بعض الأطراف العمل على المزيد من مثل هذه التوجهات من دون توقف أو مراجعة للأمر.

فالوضع في سوريا حاليا، وعلى افتراض استمرار سيناريو هذا التضامن، من شأنه إضعاف الوضع العربي عامة، فوق ضعفه الحالي، وسط هيمنة إسرائيلية بحتة تفعل ما تشاء، وكما يحلو لها، ما دامت الأطراف العربية بهذا الضعف والتشتت وحالات الاقتتال والتآمر الدائر والعبث تصبح بسببها خارج نطاق الجغرافيا، ومجرد دويلات مفككة، مذهبيا وطائفيا.

إن تحويل أي دولة عربية إلى دولة فاشلة من شأنه إضعاف الدول العربية الأخرى، وهذا ما لا تريده أو تسعى إليه منذ عقود الشعوب العربية قاطبة.

نخشى على هذا النهج الكويتي أن يضيع وسط التحركات الخليجية الأخرى، بعد أن غدت هذه «الكتلة» تسير في ركب الدول الكبرى تارة، أو الصغرى المتكبرة تارة أخرى.

لذا، تطابقا وتلازما مع هذا النهج الرسمي، يفترض أن يتم اتخاذ خطوات جادة في عملية جمع التبرعات، وخاصة بعد اكتشاف حالات كثيرة في السعودية ذهبت أموال التبرعات فيها لجيوب خاصة، وكانت مثار تعليقات وأحاديث هناك، وما على الجهات الرسمية إلا تعزيز دور الهلال الأحمر، بشأن المساعدات الإنسانية، وهي قادرة على ذلك، وكبح جماح التبرعات ذات الأهداف والمرتكزات المذهبية، أيا كان مصدرها، كما يجب عليها أن تتابع موضوع ما يسمى بالجهاديين، فوباء الإرهاب لا تحده حدود، وخاصة مع تقارب الدول وتداخلها.. الموقف الرسمي الذي عبَّر عنه وزير الخارجية الكويتي يفترض أن تكون له انعكاسات داخلية في الشأن المحلي، حتى لا تصبح سياستنا بوجهين، واحدة معلنة وثابتة، والأخرى مخالفة لها.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.