
مهما بلغت من العلاقات الاجتماعية، ومهما وصلت إلى درجة ما، ومهما حققت ما حققت فستبقى وحيداً؛ لا أقول ذلك كي ابتدئ بالبؤس، ولكني أحب الحديث بجوهر الحقيقة، فالدراسات تشير إلى أن الأصدقاء يتغيرون كل 7 سنوات، فبكم يتغير الأحباب والأقارب؟
باعتقادي أن الأحباب إن بلغوا معك الـ 14 عاماً، فقد حققت إنجازاً عظيماً؛ لأن قلوب الناس وأهدافهم تتغير مع تغير الوقت، فللوقت ضريبة اسمها «الثمن»، وللأيام أحاديث كثيرة، أما الأقارب فهم بداية الشرارة، فكم من منطلق انطلق في رسالة خالدة، وقد خذله أقاربه وأولهم نبي الله محمد ـ صلى الله عليه وسلم. عن نفسي، وبعد خذلان كثير، أسست في نفسي قاعدة مضمونها «أتعامل مع الناس وكأني أراهم للمرة الأخيرة، وأكسب أخلاقي، ولا أهتم بما يدور من خلفي؛ لأن النبلاء لا يحبون المؤامرات المشبوهة في الغرف المظلمة؛ ولأن النهاية حتمية، فلابد أن تكسب دنياك وآخرتك»، فباعتقادي أن الذي يكسب الاثنين معاً شديد الدهاء وعظيم الحنكة، أما أنت أيها القارئ فتأكد أن الجميع راحلون، القائل والمستمع، والفاعل والمتابع، وأن الظلم ساعة وأن الحق أبد، وأن الساعة قائمة، وأن الأخلاق هي الدين، وأن الدين ليس رياءً، وأن الوحدة حقيقة، فنحن ما خُلقنا لنبقى؛ بل خُلقنا لنرحل للبقاء، وكل الأمل في رب السماء.
**
عندما يرحل الجميع تأكد أنك لست وحدك، فمعك أنت، وأنت تكفي بوحدتك.. كنت وما زلت أؤكد في أعماقي أن الحياة ذات مصالح مشتركة، ولهذا سقطت المدرسة الاشتراكية ذات الصورة المثالية غير المتناسبة مع ماهية الإنسان، ونجحت الرأسمالية رغم وعكاتها الصحية. النظرية الرأسمالية هي جوهر البقاء؛ البقاء للأقوى والأفضل، ولو كان مؤقتاً، لذا فالفرد هو أساس الرأسمالية، والجماعة هي أساس الاشتراكية، ونجح الفرد وسقطت الجماعة.
كل العلاقات عابرة إلا علاقتك بخالقك، وكل الأيام ماضية، وللأبد بقية لا تنتهي، وللوحدة مدرسة تصنع القادة، والخذلان لا يصنعه إلا أحباؤك لكي تثور على نفسك، فشكراً لكل من خذلني وتركني وحيداً، وشكراً لثورتي الداخلية التي باتت قريبة.. وحيدٌ يمضي كأي شجرة شامخة حتى عند الرحيل.