
محمد الغربللي:
لكل قرار يتم اتخاذه سلبيات وإيجابيات، كما يعتقد أنه لا يوجد قرار ما يحمل إيجابيات مئة بالمئة، فلابد أن يحتوي على قدر ولو بسيطاً من السلبيات لابد من إيضاحها بغرض معالجتها أو إزالتها إن كان لها تأثير مادي أو معنوي باهظ الثمن أو مثبت الخسائر.. لا نتحدث عن القرارات التي يتخذها الفرد، فهي محصورة ولا تشمل إلا من اتخذها من تأثيرات إن كانت إيجابية أو سلبية، وعلى الفرد الناضج أن يدرس قراراته برويّة وهدوء وعقل راجح، ولهذا السبب تم تحديد سن الرشد بثماني عشرة سنة، وبعض الدول تحدد سن الرشد بواحد وعشرين عاماً، وهي الأعمار المفترض أن يكون فيها العقل راشداً في المتوسط العام، لا الحالات الاستثنائية.
بعيداً عن الأفراد، على صعيد الدول والقرارات التي تتخذها، يفترض أن تكون محل دراسة عميقة، لأنها سوف تطبق على المستوى الوطني بما يحتويه من أفراد مواطنين أو مقيمين.. دراسة تبحث عن إيجابيات القرار في الوقت ذاته، الذي تبحث فيه عن سلبياته لخفض تداعياته عند التطبيق.. أما أن تخرج قرارات غير مدروسة أو بموجب أوامر فردية بحتة من سلطة تنفيذية عليا، فلابد أن يؤدي ذلك إلى نوع من الكوارث الرهيبة، وأبلغ مثل على ذلك، هو القرار الذي اتخذه المقبور صدام حسين بغزو الكويت.. حيث لم يصدر من إدارة ما أو وزارة الدفاع، بل من شخصه مباشرة وسارع إلى تنفيذه، ثم قاد هذا القرار الفردي إلى كارثة على العراق أولاً والكويت ما زلنا نتحمّل تبعاتها.
زيادة سعر الديزل
بعيداً عن هذا المثل، ولنكن أكثر تحديداً وأقل مستوى بشأن القرارات، ولنتحدث عن القرارات أو القرار الذي اتخذته الحكومة منذ أيام على أن يطبق لاحقاً، أو كما قيل في بدايات العام المقبل بشأن رفع أسعار الديزل والكيروسين ووقود الطائرات.. وحدد القرار رفع سعر الديزل من 55 فلساً لليتر إلى 175 بنسبة زيادة تبلغ أكثر من 200 في المئة!
هذه المادة تستخدم وقوداً لشاحنات النقل الداخلي والخارجي لكل المواد، غذائية أو استهلاكية مختلفة، كما أنها تستخدم في مراكب صيد الأسماك العاملة في الكويت.
الدولة ستحصل على إيرادات أعلى عند بيعها للديزل بالسعر الجديد، وهذا جانب إيجابي يعزز إيراداتها، في الوقت ذاته الذي ستزيد فيه تكاليف النقل بنسبة لا تقل عن 200 في المئة، وهي تكاليف سيتحملها المستورد وسيعكسها على أسعار السلع التي يبيعها، جميع أنواع السلع، غذائية أو استهلاكية، بل سيصل الأمر إلى أنه حتى التجار الذين لا يستخدمون الشحن في نقل بضائعهم، سيتذرعون بزيادة أجور الشحن جراء زيادة الوقود على الشاحنات، وذات الأمر ينطبق على سفن الصيد التي تستخدم الديزل، لن يتحمّل أصحابها الزيادة من جيوبهم، بل سينعكس ذلك على أسعار السمك المرتفع أصلا، ولا يمكن تصوّر أن تنزل قوارب الصيد إلى البحر وتتحمّل التكاليف المستجدة للوقود كواجب وطني، فلهم الحق أيضاً بتحقيق الربح في هذه المهنة الصعبة والمكلفة في الوقت ذاته.
نوع من الإفقار
من يتحمّل تبعات رفع السعر هو المواطن والمقيم في نهاية المطاف، وهنا نذهب إلى إجابة وزير المالية لأحد نواب المجلس بإيضاحه أن عدد المتقاعدين من الكويتيين الذين يتقاضون ما دون الألف دينار بلغ 34827 متقاعداً عام 2013، وهنا لا نتكلم عن أفراد بل عن أرباب أسر قد تكون أعدادها كبيرة، وراتب تقاعدي ما دون الألف، فتطبيق هكذا قرار وما سيتبعه من غلاء، نوع من الإفقار وزيادة الأعباء الاستهلاكية الضرورية على هذا العدد الكبير من المتقاعدين.
وبذات الوقت نتساءل: عندما اتخذ مجلس الوزراء قراره برفع الدعم، هل اطلع على هذه البيانات أم اتخذه ضمن دائرة ضيقة جداً من المعلومات والبيانات الإحصائية، بحيث لم يفكر بتأثيراته السلبية على المستهلك؟
مثال حي
لا أرجّح أنه قام ببحث قراراته بمثل هذه الشمولية والاتساع، ولدينا مثل على ذلك، فمنذ أكثر من عامين قامت وزارة المالية بتعديل عقود الإيجارات التي أبرمتها مع عدد من الشركات العقارية، وتم رفع سعر إيجار المباني على تلك الشركات بعد مرور أكثر من 25 سنة، وهذا يعني استهلاك تكاليف المبنى من الناحية المحاسبية، بعد إبرام العقود الإيجارية الجديدة مع الشركات العقارية، بادرت تلك الشركات مباشرة إلى رفع إيجاراتها على مستأجري عقاراتها من المحال التجارية أصحاب المحال التجارية، بدورهم عكسوا مباشرة هذا الارتفاع في الإيجار على أسعار المواد الاستهلاكية المعروضة لديهم، وفي النهاية من تحمل الزيادة في الإيجارات هو المستهلك.. ولم يسلم حتى رسم إيقاف السيارات في مواقف تلك الشركات، فزاد من 100 فلس للساعة إلى 250 فلساً للساعة بزيادة 150 في المئة..!
تبعات مالية
لا نعتقد أن وزارة المالية بحثت تداعيات قرارها هذا بقدر من الاتساع والشمولية عند اتخاذها له ليتحمل المستهلك تبعات مالية ليس له يد فيها.
هل درست الجهة التنفيذية تبعات اتخاذ رفع أسعار الوقود، وبالذات الديزل، وتأثيرها على المواد الغذائية الضرورية وارتفاعها المستمر جراء الشح في المعروض بعد توقف المنتجات الغذائية من سوريا؟ الأسبوع الماضي زادت أسعار الطماطم في سوق الجملة المركزي في محافظة الاحساء جراء شح المعروض المستورد أصلا من الاردن، مع أن السعودية تحظى بإنتاج كبير من المنتجات الغذائية إلا أن توقف السوق السوري عن التصدير كانت له آثار كبيرة على المستهلك جراء ارتفاع الأسعار على المنتجات الزراعية.
الشعارات الثلاثة والواقع
أعجبني ما أدلى به نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التجارة والصناعة وزير التربية وزير التعليم العالي بالوكالة د. عبدالمحسن المدعج في المؤتمر الصحفي الذي عقد الأسبوع الماضي بعد اجتماع اللجنة الوطنية لحماية المستهلك، ورفعه الشعارات الثلاثة، المتمثلة في رفض الاحتكار والغش التجاري والتلاعب بالأسعار.. ونتفق معه على مثل هذه الشعارات ونتوقف عند موضوع التلاعب بالأسعار، فهي مفردة تحتاج إلى تدقيق وبيانات مالية قبل الحكم لمعرفة ما إذا كان هناك تلاعب في الأسعار من عدمه.. فهدف اللجنة بالنهاية هو حماية المستهلك من ارتفاع الأسعار، كما أشار أيضا إلى أنه «ما يحكم الأسعار في الاقتصاد الحر هو العرض والطلب، ووعي المستهلك من شأنه تحديد أسعار السلع من خلال شرائه المنتجات البديلة عن السلع المرتفعة السعر».. كلام جيد، ولكن واقع الإجراءات أو القرارات الحكومية تأتي خلاف ذلك، فزيادة أسعار الوقود، شئنا أم أبينا، ستزيد أسعار العديد من السلع الغذائية، كما أننا لا نعرف إن كان هناك بديل لفاكهة الطماطم التي وصل سعرها الأسبوع الماضي إلى 2.500 دينار في سوق الجملة.. ومنتجات أخرى استهلاكية وضرورية وصل سعرها في وقت ما إلى 11 ديناراً للصندوق، والأمر ذاته بالنسبة «للخس البلدي» كما يسمى.
المستهلك واعٍ لكنه يعجز عن إيجاد بديل للطماطم أو الخس والمنتجات اليومية الضرورية الأخرى.. فلا يمكن الاستغناء عن السمك الطازج بعلبة تونة مثلاً..!
الخلاصة: زيادة أسعار السلع الضرورية على المستهلك ستزداد أوتوماتيكياً بعد زيادة أسعار المحروقات، وما نطلبه هو أن يدرس مجلس الوزراء قراراته بشمولية واتساع، بالاستناد إلى البيانات المالية والإحصائية، وألا تأتي التصريحات متناقضة مع الفعل.. وكم من قرار اتخذ، وقوانين تم إقرارها، ولكنها بعيدة عن الواقع في إمكانية تطبيقها، وليس لنا في هذا المقام تعدادها وذكرها، فقط تابعوا التعديلات التي تمت على بعض القوانين التي صدرت حديثاً منذ سنوات، ومع أنها مرت بقنوات تنفيذية، وقبلها لدى السلطة التشريعية، إلا أنه وجد من الضروري تعديلها جراء عدم دراستها بعمق وشمولية.