
كتبت حنين أحمد:
أقامت الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية في الخالدية ندوة تحت عنوان «الموروث الديني وأزمة الثقافة العربية»، حاضر فيها المفكر المصري د. حسن حنفي، ونظّمها مركز تنوير للثقافة، وقدّم لها أستاذ الفلسفة بجامعة الكويت د. محمد الوهيب.
أكد د. حسن حنفي أن أزمة الثقافة تتلخّص في «أزمة الوجود العربي في الزمان»، وتتمثل في أزمته الحاضرة المتمثلة في هزائم سياسية واعتماد على الآخر وتفكك للوحدة، وأخيراً ما آلت إليه الثورات العربية من صراع مسلّح، توّجه «داعش» وجرائمه.
وبيّن حنفي رؤيته للأزمة وحصرها في محاور، منها ما أسماه بـ»الماضي الذي يعيش فينا ومازلنا نعيشه»، مشيراً إلى أننا «نتكلم عن الفقهاء الأربعة وعن الغزالي وكأنهم بيننا الآن، مع أن الواقع قد تغير».
الكويت.. بؤرة الثقافة
وقال:» الكويت هي مصر في جناحها الشرقي, وهي بؤرة الثقافة البارزة في شرق الوطن العربي, لما تزخر به من جامعات ومدارس ومراكز أدبية وفكرية وعلمية».
وبيّن أن العالمين العربي والإسلامي يعيشان أزمات متتالية, تؤرقنا وتجعل أحلامنا بالوحدة والتقدّم أمراً مستحيلاً, خصوصاً مع ما نشهده ونعيشه من التجزئة والتفتيت لشعوبنا ومجتمعاتنا والأحداث المؤلمة المتلاحقة التي صاحبت كل ثورات الربيع العربي, مشيراً إلى أن الثقافة لفظ شامل وجامع، ولا يقتصر على مجال بذاته.
ماضٍ يعيش في الحاضر
وأكد أن البعد الأول لأزمة الثقافة العربية يتلخص في أنها ماض يعيش في الحاضر, وهي أزمة الوجود العربي في التاريخ, فالزمن ماضٍ وحاضر ومستقبل, ونحن العرب نسير في هذا المسار، لكن لا نشعر بالحاضر فيه أو بالمستقبل، بسبب الفراغ الثقافي الذي نعاني منه، والذي يعيدنا دائماً إلى الماضي, لنردد ثقافة المنتصرين ونحن مهزومون.
ولفت إلى أننا بحاجة إلى بناء ثقافة تعبّر عن حاضرنا وعن الجيل الحالي والواقع الذي نعيشه, بناء يعتمد على العقل وليس النقل, وهو يختلف تماماً عن واقع الآباء والأجداد وأجيالهم وثقافتهم التي لا نكتفي بالاستفادة منها، وإنما نكررها ونتمسّك بها ونرفض، بسبب ولائنا العقيم لها، كل دعوات التجديد للخطاب الثقافي والإبداعي في شتى مجالات العلم, ويتجاوز الأمر الرفض ليصل إلى حد توجيه الاتهامات بالكفر والعلمانية وغيرها لكل من يجرؤ على وضع الماضي جانباً والتحدّث عن الحاضر ومحاولة تحليله لتطويره.
وأضاف: ثم لننظر إلى الأمم الأخرى من حولنا, وكيف استغلوا ماضيهم لبناء حاضرهم، ولنأخذ -على سبيل المثال- ما فعلته الحركة الصهيونية لتجمع يهود العالم في فلسطين أرض الميعاد, فقد قال فقهاء اليهود إن أعظم فعل يعبّر عن الإيمان الصهيوني هو قراءة التوراة في أي مكان, ثم استحدثوا علماً جديداً أسموه لاهوت الأرض، يرسخ لفكرة أن الله لا يمكن أن يُعبد إلا في فلسطين أو في القدس أو بالقرب من هيكل سليمان, وبالمقابل يكرّس الفكر السلفي لاعتبار الحياة دار فناء، أما الموت فهو بداية للبقاء الأبدي, وكأن الإنسان يجب أن يكون خارج عالمه دائماً, ولا أدري ما الضرر من إيجاد منظور ثقافي إسلامي جديد، ندافع من خلاله عن حقوق الإنسان الأساسية، بدلاً من أن نقتل باسم الشريعة كما يفعل تنظيم داعش وغيره من الحركات الدينية المتشددة، التي تدعي الإسلام، وهي أبعد ما تكون عنه.
النصُّ يغلب الواقع
وشدَّد حنفي على حاجتنا إلى التحرر من حضور الماضي فينا, مشيراً إلى إمكانية تحقيق ذلك, إذا استطعنا التعامل مع الماضي على أنه إجابات لأسئلة محددة بعصر وزمن معين, فإذا تغيّر الواقع تغيّرت الأسئلة وإجاباتها.
وأشار إلى أنه في علم الفقه مازالت الغلبة للنص على الواقع، كما أن هناك تركيزاً على فتاوى التحريم، متسائلاً: «وماذا عن حقوق الإنسان، أليست مقاصد الشريعة هي الحفاظ على الإنسان؟». وتابع: «الحكم الشرعي كان يتغيّر بتغيّر الواقع.. ونحن نخرج الأحكام الشرعية خارج الزمان والمكان، وندرس لأولادنا الرق والغنائم والسبايا.. لا أحد يتجرأ على الماضي، وهو لا قدسية فيه، فهو إنتاج جيل في لحظة تاريخية معينة».
ولفت إلى ما اعتبره استعجالاً للمستقبل بالنقل عن الغرب، وهنا استعاد فكرته عن «الاستغراب»، أي قلب علم الاستشراق بجعل الغرب موضوعاً للبحث، منتقداً الاهتمام المتواتر بحركة الترجمة وخالطاً بينها وبين النقل عن «الآخر»، متسائلاً مجدداً عن حركة تأليف كالتي بدأت في أعقاب حركة الترجمة في العصر العباسي. واعتبر حنفي أن خطأ العلمانيين مساوٍ لما وقع الأصوليون فيه من خطأ، وكلاهما يسعى إلى السلطة، مؤكداً أن أزمتنا تتلخص في النقل وعدم التعاطي مباشرة مع أسئلة الواقع.
الحرية والتنمية والوحدة
وتطرق حنفي إلى مجموعة من الإشكاليات التي يجب البحث عن حلول لها، أولها مشكلة الحرية، فكلنا، وفق قوله، نعاني من الاستبداد بطريقة أو بأخرى، كما تناول قضية التنمية، باعتبار أننا مازلنا نعتمد على الغرب في استيراد السلاح والغذاء.
كذلك تعرّض لقضية الوحدة، مقارناً بين حال المواطن المسلم اليوم، الذي يحتاج إلى تأشيرة لاجتيازه حدود بلاد، كان يقطعها المسلمون من قبل من المغرب إلى الصين.
واعتبر أن الإشكالية الثانية في أزمة الثقافة العربية، تتمثل في النقل عن المحدثين, حيث يلجأ بعض النخبة إلى قطع العلاقة مع الماضي واستبدالها بثقافة جديدة ونماذج متطورة من الثقافات الغربية الأخرى التي جذبت الأنظار إليها عبر ترجمة مؤلفاتها وكتبها, وفي هذه الحال يقتصر التغيير على مصدر النقل فقط وليس منهجه, فسواء كان العربي ناقلاً ومترجماً لعلوم الغرب، أو متمسكاً بماضيه، فهو لايزال مستهلكاً للثقافة وليس مساهماً في إبداعها.
وأوضح أن الخروج من هذه الإشكالية المتعلقة بالاستهلاك لثقافة الآخرين يمكن من خلال تحويلها من مصادر للعلم إلى موضوع للعلم والتعلم، نجدد من خلاله مناهج البحث والتحليل، ونرتقي من خلاله بقدراتنا على الإبداع والخلق لثقافة جديدة تهضم وتستوعب ثقافة الماضي والحاضر الآخر.
أما الإشكالية الثالثة، الأخيرة، التي تعاني منها الثقافة العربية وفق حنفي، فهي عدم قدرة القائمين عليها التفكير في الحاضر بشكل مباشر من دون النظر إلى الماضي والاستعانة به, أو ذكر الآخر, وهو ما يحول دون انتقالها من النقل والاستهلاك إلى الإبداع والمشاركة في صنع العلم دون الاعتماد على القدماء أو المحدثين، مبيناً أن الثقافة العربية سلوك ومواقف، وليست أشعاراً وقصصاً، وأزماتنا سببها التصاقنا بالماضي، وعدم قدرة حاضرنا على إزاحته, ووقوفنا عاجزين وحائرين أمام التحليل المجرَّد والمباشر لواقعنا, والحل لكل ذلك لا يأتي إلا من خلال مرحلة كاملة، تصنع صفحاتها أجيال متعاقبة، يضع كل جيل فيها بصمته ورؤيته وفق حاضره الخاص.
