كتب محرر الشؤون المحلية:
كم مرة تطالعنا الصحف المحلية بأخبار وتقارير بأن عمال بعض الشركات يقفون محتجين أمام مبنى وزاري، جراء عدم دفع رواتبهم من الشركة التي يعملون لديها منذ أشهر قد تتجاوز الستة أو أكثر؟!
أفراد شركات حراسة، أو عمال نظافة أو غيرها من المهن الأخرى يجدون أنفسهم مثقلين بالديون والعوز والفاقة بالمعيشة، جراء إحجام الشركة التي يعملون لديها عن دفع رواتبهم الشهرية.. آخر هذه الأخبار ما نشرته صحيفة الراي في عددها الصادر 13 أكتوبر عن اعتصام عمال إحدى شركات المقاولات أمام مبنى وزارة الأشغال العامة، احتجاجا على عدم تقاضيهم رواتبهم منذ سنة! نكرر «منذ سنة»، كما ورد في الخبر الصحفي، وتم منع المعتصمين من دخول وزارة الأشغال لمقابلة أحد المسؤولين لشرح مشكلتهم، وأن اعتصامهم هذا ليس للمرة الأولى، بل قاموا به عدة مرات للسبب نفسه، وهو عدم تسلمهم رواتبهم الشهرية، وأنهم توجّهوا لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لحل هذه المشكلة، إلا أنهم لم يجدوا أية فائدة، وذكرت الصحيفة أن عدد المعتصمين تجاوز الخمسين عاملا، بينهم فنيون ومهندسون لم يتلقوا رواتبهم منذ سنة، علماً بأن الشركة التي يعملون فيها عليها شرط إيفاء رواتبهم بموجب العقد المبرم مع وزارة الأشغال العامة، إلا أنها (الشركة) لم تلتزم بالإيفاء بشروط العقد المتعلق بدفع رواتب من يعملون لديها من عمال وفنيين، وفي نهاية الخبر الصحفي طالب العمال المعتصمون بأن يقوم وزير الأشغال وزير الكهرباء م.عبدالعزيز الإبراهيم بالتحقيق في شكوى تظلمهم لتقوم الشركة بدفع مستحقاتهم المتأخرة من رواتب.

حالات متكررة
كما قلنا هذا الاعتصام ليس الأول من نوعه، كما أنها ليست حالة نادرة الحدوث، بل حالات متكررة، بعضها يُنشر في الإعلام اليومي، والآخر قد لا يلقى أي تسليط إعلامي عليه. ويُستفاد تلخيصاً لهذا الخبر: مجموعة من العاملين في إحدى شركات المقاولات -التي لم يذكر اسمها بالخبر الصحفي- لديها أعمال مع وزارة، وأحجمت عن دفع رواتب عدد من العاملين لديها لما يقارب السنة، فطرق هؤلاء العمال باب وزارة الشؤون باعتبارها الجهة المعنية بالعمالة والحفاظ على حقوقها، إلا أنهم لم يجدوا أي رد إيجابي من قبلها، رغم أنها الوزارة المعنية بشؤون العمل والعمال، كما أن من أحد الشروط التعاقدية بين وزارة الاشغال وشركة المقاولات هذه أن تلتزم بدفع مستحقات العاملين لديها، علماً بأن هذا الشرط يعتبر من الشروط المتعارَف عليها في العقود التعاقدية الإنشائية.
مسؤولية مباشرة
بداية، فإن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والآن هيئة العمل، التي جرى إنشاؤها مؤخراً، هما المسؤولتان عن هذا الموضوع بشكل أساسي ومباشر وواضح، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السيدة هند الصبيح، التي هالها ما رأته في اليابان من تطور (أكثر من الكويت..!) ودعت الشركات والجهات اليابانية للإسهام في تطوير الخطة الإنمائية التي سيتم اعتمادها للسنوات المقبلة، تقع عليها مسؤولية أدبية وسياسية لتطبيق القانون المشرفة هي على تطبيقه، فبموجب نص المادة 57 من قانون العمل في القطاع الخاص، الصادر بتاريخ 10 فبراير 2010: «يتعين على صاحب العمل الذي يستخدم عماله وفقاً لأحكام هذا القانون أن يدفع مستحقات العاملين لديه في حساباتهم لدى المؤسسات المالية المحلية، وأن ترسل صورة من الكشوف المرسلة لتلك المؤسسات بهذا الشأن إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ويصدر قرار من مجلس الوزراء بناء على عرض وزيري الشؤون الاجتماعية والعمل والمالية بتحديد تلك الجهات وقواعد المعاملة الخاصة بهذه الحسابات من حيث المصروفات والعمولات والإجراءات التنظيمية بهذا الشأن».
وعملاً بهذه المادة القانونية الواضحة، وليس قرارا وزاريا تنظيميا، يجب على جميع الشركات إعداد كشوفات شهرية بالرواتب الشهرية للعاملين لديها، سواء كانت شركات مقاولات أو شركات تجارية، وإرسال كشوفات تحويل الرواتب الشهرية إلى أحد البنوك المحلية، أو أكثر من بنك في الحسابات المصرفية للعاملين لديها، وأن تكون هناك نسخة شهرية تذهب للجهة المعنية من وزارة الشؤون، للتأكد من دفع الرواتب في هذه الشركة أو تلك للعاملين لديها، وفي حال عدم دفع الرواتب لشهر واحد، وليس شهور، أو في حال وجود خصومات على الراتب تزيد على الـ25 في المئة، يجب على الوزارة التدقيق والتفتيش على الشركة وملفاتها وتجميد ملفها لديها حتى يتم تدارك أمر الامتناع أو التأخير في دفع الرواتب، وهذا يعني أن وزارة الشؤون على دراية شهرية ومستمرة حول دفعات الرواتب للعاملين لدى الشركات، وأي تأخير فإنها تعلم به مباشرة من واقع هذه الكشوف الشهرية.
ظلم وتعسُّف
هذه المادة الإجرائية القانونية وجدت لمعالجة مسألة تسديد الرواتب للعمالة في القطاع الخاص، بعد أن تفشت ظاهرة التأخير في تسديد الرواتب، ولمواجهة التعسّف الذي تقوم به بعض الشركات تجاه العاملين لديها بالامتناع أو التأخير في دفع رواتبهم الشهرية، فهؤلاء العمال تركوا أوطانهم وأسرهم وأطفالهم من أجل توفير لقمة عيش نظيفة بالأعمال التي يؤدونها، ومن الظلم البيّن أن يكونوا مستضعفين لدى صاحب العمل، بحيث يمتنع أو يتأخر في تسديد رواتبهم الشهرية التي يعتاشون منها في الكويت، وما يوفرونه ليرسلوه لأسرهم.. إهمالهم من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أو وزارة الأشغال العامة فيه زيادة في حالة الظلم والتعسف التي يعانون منها في بعض الشركات والجهات الخاصة.
فالتشدد في تطبيق هذا القانون على الشركات المخالفة واجب إنساني وأخلاقي أكثر مئة مرة من أهمية فرض غرامة 250 ديناراً على من يقطف وردة، كما ورد في القانون الخاص بالحفاظ على البيئة، الذي تم اقتراحه مؤخراً.. وتراخي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن مواجهة هذا الأمر أو السكوت عنه أو إغلاق الأبواب في وجه المتظلّمين يعني أنها تقف إلى جانب المتنفذين ضد هؤلاء الضعفاء، الذين ليس لهم من سبيل إلا الاستدانة ليستطيعوا العيش اليومي بكفاف، حتى يفرج الله كربتهم، ومن يده بالنار ليس كمن يده في الماء، وهؤلاء العاملون لم يعتصموا أمام وزارة الأشغال في جنوب السرة إلا بعد أن أوصدت الأبواب أمامهم وضاقت السبل بهم..
والقضية الآن بين يدي وزيرة الشؤون المسؤولة عن هذا الموضوع.