البديل الاستراتيجي.. هل يوقف قطار الإضرابات؟

إضراب التأمينات
إضراب التأمينات

تخبُّط حكومي ونيابي.. غياب لمعايير العدالة .. محاباة في الكوادر والزيادات المالية.. مكافآت تُصرَف لـ «ناس وناس».. والنتيجة شعور شريحة كبيرة من المواطنين العاملين في جهات الدولة بالظلم وعدم الرضا الوظيفي، والتعبير الدائم عن الاستياء ، وتُرجم ذلك إلى إضرابات متكررة للمطالبة بكوادر وامتيازات مالية، وأصبحت كلمة «شمعنى!» رائجة بين الموظفين ونقاباتهم المطالبة بحقوقهم.

وفيما كفل الدستور والقانون حرية التعبير للمطالبة بالحقوق والمكتسبات المشروعة، شدد ايضاً على واجبات يجب أن يؤديها المواطن، ومنها الإخلاص في العمل والالتزام بمقتضياته وعدم الإخلال بمجريات الوظيفة وضوابطها ورعاية مصالح المراجعين، لكن التمييز بين أفراد المجتمع وتزايد الأعباء المعيشية على محدودي الدخل والطبقة الوسطى خلقا حالة من التذمر الملموس لدى العاملين في الجهات الحكومية، وازداد ملف الرواتب سوءاً جراء تجاهل اختلالاته لسنوات طويلة.

وقد أدت السياسات الحكومية الخاطئة، القائمة على الشخصانية وتطييب الخواطر والتنفيع إلى تباين ملحوظ في الرواتب والامتيازات المالية التي أُقر كثير منها من دون دراسة، فتسبب ذلك في اختلالات ومساوئ عدة، منها:

– أضحى جزء كبير جداً من موازنة الدولة مخصصاً لبند الرواتب.
– غياب الرؤية الهادفة إلى حماية الاقتصاد الوطني من الانهيار وترسيخ مبدأ «الأخذ» لا العطاء.
– تزايد المطالبات المالية للمستحقين وغير المستحقين.
– عدم الشعور بالرضا الوظيفي وارتفاع ظاهرة البطالة المقنّعة.
– تزايد الإضرابات وضعف إنتاجية العاملين في الدولة.
– استغلال بعض النواب والمتكسبين ملف الرواتب في مزايدات سياسية، وخلق حالة من البلبلة في الشارع الكويتي.
– افتقار الحكومة إلى النظرة المستقبلية للحفاظ على مقدرات البلاد ومكتسباتها.
– شعور كثير من الموظفين ونقاباتهم بأن الحقوق لا تُقر بالأطر القانونية، بل بالصراخ والصوت العالي وتعطيل العمل، وسياسة المصالح والتنفيع!
– هدر المال العام في مهمات وأعمال تتم «على الورق فقط».
– كثير من العاملين طبيعة عملهم «شاقة»، يتقاضون أجوراً أقل من نظرائهم في جهاتٌ عملها مكتبي ودوامها محدود!

أخطاء مزمنة

ويرى ناشطون سياسيون واقتصاديون أن الحكومة أخطأت كثيراً حينما أهملت ملف الرواتب خلال الحقب الماضي ة، حتى تضخم وأصبح مثل كرة اللهب، واصفينه بأنه من أخطر التحديات خلال المرحلة الحالية التي يخيّم عليها الاحتقان والتأزيم، لافتين إلى أن الحكومة المتهم الأول في عزوف الشباب عن العمل في القطاع الخاص جراء الامتيازات المتوافرة في العمل الحكوم،ي وعدم بذل الجهد المطلوب من قبل العاملين، والتغاضي عن الإهمال أحياناَ.

وتساءل المحامي طارق الشمري: بأي حق تفرِّق الحكومة بين المواطنين العاملين في جهات الدولة؟.. مشيراً إلى أن الظلم أدخل البلاد في دوامة إضرابات لا تنتهي، كان آخرها إضراب العاملين في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والذي استمر لأسابيع، فضلا عن إضراب العاملين في الموانئ.
أما الباحث الأكاديمي علي العيدان، فانتقد سياسة الانتقائية والعشوائية في اتخاذ القرارات، ثم معالجة الأخطاء بأخطاء مماثلة، مدللاً على ذلك بإقرار مجلس وديوان الخدمة المدنية لكوادر بغير وجه حق، ثم عاد وسحبها.

وأشار إلى وجود فروق بآلاف الدنانير بين موظفين يعملون في جهات متفرقة، ويحملون المؤهلات الدراسية نفسها.

أعباء معيشية

والتقطت أطراف الحديث شهد المتروك «موظفة في وزارة العدل»، مشيرة إلى أن الأعباء المعيشية تثقل كاهل الكثير من المواطنين، حيث يعتبر المرتب الوظيفي مصدر الدخل الوحيد للسواد الأعظم من الأسر الكويتية، وهو بالكاد يكفي للإنفاق على المتطلبات الحياتية الملحّة.

وشددت على ضرورة الاستماع إلى المطالب العمالية، وعدم إقرار أي زيادة إلا بعد دراسة مستفيضة حتى يأخذ كل ذي حق حقه، ويغلق ملف المطالبات بالكوادر بصورة نهائية.

البديل الاستراتيجي

أخذت الحكومة على عاتقها منذ سنوات تنفيذ نموذج دولة الرفاه، وتوزيع العوائد النفطية على المواطنين عبر قنوات عدة، من أهمها التوظيف في القطاع الحكومي، فأصبحت جهات الدولة أشبه بأداة لتوزيع العائد النفطي من خلال الرواتب، من دون الأخذ في الاعتبار الكفاءة والمهارات، ومن ثم تحوَّل القطاع الحكومي من منظم للأنشطة الاقتصادية إلى وسيلة استنزاف للدخل القومي.

ووفق تقرير المركز الدبلوماسي، فإن الحكومة استعانت بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمعالجة الهيكلة الاقتصادية في البلاد، وتم تشكيل فريق عمل من متخصصين في الخدمة المدنية ووزارة المالية وجهات أخرى، لوضع صيغة ثابتة لبديل الرواتب، وانتهى الأمر إلى البديل الاستراتيجي، الذي وافق عليه مجلس الخدمة المدنية في أبريل من العام الماضي وأحاله إلى مجلس الوزراء، ومن ثم إلى مجلس الأمة.

تقييم الوظائف بالنقاط

واعتمد البديل الاستراتيجي على دراسة 3150 وظيفة، وفق نظام تقييم الوظائف بالنقاط، وهو المعتمد في كثير من دول العالم المتقدم. وقد التهمت الرواتب نحو 5 مليارات دينار من موازنة الدولة خلال العام المالي 2013 / 2014 مقارنة بنحو 3 مليارات دينار خلال العام المالي 2008 / 2009، ورغم ذلك تراجع أداء القطاع الحكومي، وارتفعت ظاهرة البطالة المقنعة، حيث يدوام كثير من الموظفين في جهات خدماتية بلا عمل حقيقي. وأبدى الكثير من الموظفين ومسؤولي النقابات رفضهم للبديل الاستراتيجي، مؤكدين أن النصيب الأكبر لزيادة الرواتب ستؤول إلى أصحاب الوظائف القيادية مثل وكلاء الوزارات والوكلاء المساعدين وحمَلة الدرجات الوظيفية الممتازة، الذين بلغت زياداتهم المقترحة ما لا يقل عن 1600 دينار لكل درجة وظيفية، وعلى النقيض من ذلك يعطي مكافآت أقل للموظفين المستحقين، كما أنه يهمل المتقاعدين، وهم شريحة لا يُستهان بها وتستحق الدعم والمساندة.

إضراب العاملين في الموانئ:
إقرار المطالب.. وإلا!

تواصل قطار الإضرابات، حيث نفّذ العاملون في المؤسسة العامة للموانئ الأحد الماضي إضراباً جزئياً عن العمل، احتجاجاً على عدم إقرار كادرهم، مهدّدين بإضراب شامل، سيشل العمل، وفق قولهم.

وحدد رئيس النقابة، علي السكوني، المطالب بالمزايا المالية لوظائف المحاسبين والقانونيين ونظم المعلومات والهندسية المساندة والبدلات المستحقة كبدل الإبحار، الذي يتراوح بين 200 و450 دينارا.

وهدد السكوني بإضراب شامل، ما لم تتحقق المطالب.

ولفت إلى أن الإضراب الجزئي نُفِّذ في إدارتي محطتي الحاويات في الشويخ والشعيبة ومعدات المناولة في الشويخ والشعيبة، وكذلك العمليات البحرية وبعض الإدارات، مشيرا إلى أن النقابة سلكت جميع القنوات القانونية بلا جدوى، وتجاهل المسؤولون حقوق العاملين.

.. ونقابة الطيران المدني تتضامن
أعلن رئيس نقابة العاملين في الإدارة العامة للطيران المدني، محمد الثويني، عن التضامن النقابي ودعم وتأييد مطالب موظفي مؤسسة الموانئ، مؤكداً أن الإضرابات كفلها الدستور، مشدداً على ضرورة التباحث في مطالب العاملين في المؤسسة.

آلاف الوظائف متاحة للشباب في «الخاص».. ولكن!

كثير من الشباب يعزفون عن العمل في القطاع الخاص، بسبب الامتيازات المتوافرة في القطاع الحكومي، لا سيما محدودية ساعات العمل والإجازات وغيرها.

ووفق مصدر مسؤول في برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة فإن الفرص الوظيفية المتوافرة للمواطنين الراغبين في العمل في القطاع الخاص تبلغ نحو 1580 فرصة وظيفية متنوعة حسب المؤهلات الدراسية، من الابتدائي حتى حاملي الشهادات العليا، لكن الطلب محدود على هذه الفرص.

وأكد أن العزوف عن العمل في الخاص ما زال مسيطرا على الشباب لأسباب عدة، أهمها: قلة التسويق الإعلامي للمميزات في العمل الخاص وعدم مجاراة مميزات موظفي الحكومة مقابل «الخاص» في عدد ساعات العمل، وكذلك الترقيات الوظيفية ومميزات التفرغ الدراسي وإجازات الأمومة والوضع وغيرها.

إنصاف المظلومين

طالب الاتحاد الوطني لعمال وموظفي الكويت بالتريث في إقرار البديل الاستراتيجي للرواتب، وعدم اعتماده إلا بعد اشتماله على جميع فئات موظفي الدولة. وشدد على ضرورة معالجة الاختلالات في الرواتب وإنصاف المظلومين.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.