
كتب محرر الشؤون الاقتصادية :
حلقة جديدة في مسلسل تسريح العمالة الوطنية من القطاع الخاص قدَّمتها شركة أوريدو (الوطنية للاتصالات المتنقلة سابقاً) الشهر الماضي، بتسريحها 150 موظفاً من المواطنين الكويتيين و»البدون»، وكأنها تسير على الدرب نفسه الذي رسمته سابقاً شركة الاتصالات المتنقلة «زين»، بتسريحها أكثر من 80 موظفاً من المواطنين قبل عام، لتضاف هذه الأعداد الجديدة إلى المئات من مشرفات التغذية الكويتيات، اللاتي فُصلن من وزارة التربية سابقاً، لتسير بعد ذلك الكثير من الشركات على الدرب نفسه في الاستغناء عن العمالة الوطنية.
ولم تكد تمضي إلا أسابيع قليلة على القرار الذي اتخذته «أوريدو» حتى بدأت تتوارد أنباء عن عزم إحدى الشركات المتعاقدة مع القطاع النفطي الاستغناء عن عدد كبير جداً من العمالة الوطنية، مع العلم أن هذه الشركات وافقت عند التعاقد معها على بنود في شروط المناقصة تنص على ضرورة تشغيل أعداد معينة من العمالة الوطنية.
ووفقاً للأنباء التي ذكرها بيان صحافي للتيار التقدّمي الكويتي، تمارس شركة «إس كي» للمقاولات ضغوطاً على عدد من موظفيها الكويتيين لتقديم استقالاتهم في شهر ديسمبر المقبل، مما يمثل تسريحاً ضمنياً عن العمل ومحاولة لدفع الموظفين إلى التنازل عن حقوقهم كمسرّحين عبر الاستقالة، علماً بأن هذه الشركة متعاقدة مع إدارة المشاريع الكبرى في شركة نفط الكويت، وملزمة بتوظيف العمالة الوطنية خلال تنفيذ المناقصات، وفقاً للائحة التنفيذية لتكويت العمالة في عقود المقاولين.
تصفية حسابات
ويمثل هذا التسريح التعسُّفي للعمالة الكويتية الذي حدث خلال الفترة الماضية في أكثر من شركة من شركات القطاع الخاص، وقبل ذلك موجة التسريحات الواسعة من شركات الاستثمار المالي في أعقاب الأزمة المالية في عام 2008، تأكيداً واضحاً على أنه لا يمكن الاعتماد على القطاع الخاص في حل مشكلة البطالة في الكويت، كما أنه تأكيد أيضا على غياب الدورين الحكومي والنيابي في حماية العمالة الوطنية، فمنذ حدوث أزمة تسريحات العمالة الوطنية الشهيرة في أعقاب الأزمة المالية العالمية وحتى الآن، لم يكن التحرك حكومياً ونيابياً على القدر المطلوب والكافي لحماية العمالة في شركات القطاع الخاص، التي من السهل جدا أن تستغني عن العمالة الوطنية فيها، سواء كان ذلك لأسباب اقتصادية فعلاً، أو لأسباب أخرى لا تخرج عن كونها تصفية حسابات بين مجالس الإدارات المختلفة، وما حدث في مجموعة الامتياز الاستثمارية مثال حي على هذا الأمر، فقد تم الاستغناء عن عدد من الكوادر الوطنية، لسبب وحيد، هو أن تعيينهم تم من قبل مجلس الإدارة السابق، وما يقال عن إعادة هيكلة الشركة وتقليص أعداد العاملين بها كلام غير صحيح، فقد تم تعيين أعداد تفوق الأعداد التي تم إنهاء خدماتها، ولكن الأعداد التي عُينت كلها تمت من قبل مجلس الإدارة الجديد، وقد يتكرر هذا الأمر مع أي مجلس إدارة جديد قد يأتي، في تلاعب واضح وصريح، وجريمة إنسانية ومجتمعية في حق العمالة الوطنية وأسرهم، وهذا ليس المثال الوحيد، بل هناك عشرات الأمثلة على هذا الأمر، لا يتسع المجال لذكرها.
خيبة أمل
إن ظاهرة تسريح العمالة الوطنية، التي تزايدت خلال الفترة الماضية، لدليل قاطع على حقيقة مفادها عدم قدرة القطاع الخاص الكويتي على المساهمة في التنمية، وفي حل مشكلة البطالة، والآمال التي تضعها الحكومة على زيادة نسبة العمالة في القطاع الخاص إلى أكثر من 12 في المائة (جزء كبير منها توظيف وهمي) وفق ما ورد في خطة التنمية، ليست في محلها، وعليها أن تعدّل هذه التوقعات، وتبحث عن سبل جديدة ومبتكرة لحل مشكلة البطالة قبل أن تستفحل، كما أن هذه الظاهرة تؤكد على حقيقة أخرى، وهي أن طبيعة الشركات الخاصة، كمؤسسات رأسمالية، تتعارض مصالحها مع مصالح الموظفين، حيث لا يتوانى رأس المال في التضحية بوظائف المواطنين وقطع أرزاق أسرهم، وذلك في سبيل تعظيم أرباح كبار المساهمين من ملاك الشركات الخاصة، وما قامت به شركة «أوريدو» ومن قبلها شركة «زين»، وما تعتزم إحدى الشركات المتعاقدة مع القطاع النفطي القيام به، مثال صارخ على ذلك، ولو أن هذا الأمر حدث من أي من الشركات المتعثرة مالياً فعلياً، لكان الأمر منطقياً، ولكن الأمر يحدث من شركات تحقق أرباحاً بمئات ملايين الدنانير سنوياً، فوفقاً للأرقام ارتفعت أرباح الشركة الوطنية للاتصالات المتنقلة العام الماضي إلى 76.1 مليون دينار، بواقع 152 فلساً للسهم، مقارنة بأرباح بلغت 75 مليون دينار عام 2012، أما خلال النصف الأول من العام الجاري (2014)، فقد حققت الشركة أرباحاً صافية بلغت 48.4 مليون دينار. وبلغت الأرباح الصافية لشركة «زين» العام الماضي 216 مليون دينار، أما خلال النصف الأول من العام الجاري، فقد بلغت الأرباح الصافية 115 مليون دينار، وهو ما يؤكد أن هذه الشركات كانت، وما زالت، تحقق أرباحاً طائلة، وتسريح العمالة لا يعدو كونه سبيلاً لتعظيم أرباح كبار المساهمين.
موقف متخاذل
ولا شك في أن التبريرات التي ساقتها كل الشركات التي قامت بتسريح عمالة وطنية، وآخرها شركة «أوريدو»، تبريرات واهية، ولم تكن هذه الشركات تقدم على هذه الخطوات لولا يقينها بأن دور الحكومة في حماية العمالة الوطنية غائب، لذا فإن الأمر يستلزم وقفة جادة من السلطتين التشريعية والتنفيذية لتعديل وسنّ القوانين والتشريعات التي تمنح الكويتيين حصانة من أي فصل تعسّفي، وكذلك تفعيل القوانين ذات الصلة التي تحفظ حقوق العمالة الوطنية، ومنها قانون رقم 101 لسنة 2013 في شأن التأمين ضد البطالة على الموظفين الكويتيين الذين تم الاستغناء عن خدماتهم من قبل شركات القطاع الخاص، كذلك يجب الحدّ من التسهيلات التي تقدّمها الحكومة للشركات التي لا تقوم بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه العمالة الوطنية، حتى لا يتكرر هذا الفعل من شركات أخرى.
لقد بات واجباً واستحقاقاً على الحكومة والمجلس مجتمعين أن يكون لهما دور فاعل في حفظ حقوق العمالة الوطنية في القطاع الخاص حتى لا تكون عرضة لأهواء القطاع الخاص.
لا يقتصر الأمر على تصريحات إعلامية رنانة من الحكومة وأعضاء مجلس الأمة تدغدغ مشاعر المسرَّحين من دون تحرك فعلي، مثلما فعل وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير العدل بالوكالة الشيخ محمد عبدالله، وعدد من نواب المجلس، الذين بمجرد علمهم بالأمر سارعوا بإطلاق التصريحات الرنانة، من دون أي تحرك ملموس. فما يحدث من فصل متكرر للعمالة الوطنية يثبت يوماً بعد يوم أن العمالة الوطنية في شركات القطاع الخاص لا تتمتع بحماية أو غطاء قانوني وتشريعي قوي، يحدّ من الظلم والتعسّف الذي يطالهم من أصحاب العمل والمصالح، بحجج تقليل التكلفة وإعادة الهيكلة، والكثير من الحجج الأخرى غير المقبولة، ففي ظل غياب الردع والحساب، سيظل الموظف الكويتي في مختلف الشركات والمؤسسات الخاصة رهن هذا المصير المظلم.
تخوف من «الخاص»
إن ما حدث سابقاً، ويحدث حالياً، من تسريح للعمالة الوطنية في القطاع الخاص يجعل موظفي القطاع الخاص لهم كل الحق في قلقهم مما يجري، إذ يتخوَّف بعضهم من أن ما حدث من تسريح للعمالة الوطنية خلال الفترة الماضية، ربما سيكون مقدمة لما يمكن أن تقدم عليه بعض الشركات الأخرى في المستقبل، إن لم يكن هناك موقف حاسم من الدولة ومساءلة، خصوصاً مع التوجه نحو خصخصة الشركات الحكومية، كما أن هذا الأمر يجعل الكثير من الشباب يتهافت على القطاع الحكومي، وينتظر الوظيفة الحكومية سنوات وسنوات، ولا يُقبل على العمل في القطاع الخاص.