
تُعد العنصرية الصهيونية ضد الفلسطينيين من أبشع أنماط التمييز العنصري، كونها تمارس أعنف أعمال التفرقة العنصرية ضد أبناء شعب فلسطين، وجرائم العنف التي تُرتكب يومياً من دون مبرر ضد النساء والأطفال وضد الشعب الفلسطيني الأعزل بكامله على يد جنودها ومستوطنيها.
وتُعد هذه الممارسات قانونياً ارتكاباً لجريمة التمييز العنصري المجرَّمة دولياً من قبل الدولة الاسرائيلية المعترف بها في الأمم المتحدة.
جدار العزل العنصري
يُعد بناء الجدار العنصري واحداً من أسوأ الإجراءات العنصرية وغير الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل، ولا تزال ماضية في استكمالها تجاه الشعب الفلسطيني. وقد بدأت إسرائيل في إقامته عام 2002 بدعاوى أمنية، لكن تخلّت لاحقاً عن هذا الزعم، وباتت تقر بأن أحد الأهداف من بنائه هو ضم المستوطنات إلى إسرائيل، ويشهد على صحة ذلك أن 83% من المستوطنين في الضفة الغربية، و69 مستوطنة توجد في مناطق محصورة ضمن الجدار، ومن المقرر أن يبلغ طوله عند استكماله 721كم، وتدعي إسرائيل أن الجزء الأكبر منه يقع على الخط الأخضر أو داخل الأرض الإسرائيلية، بينما تؤكد المصادر الفلسطينية ومصادر الأمم المتحدة أن معظمه يقع في الضفة الغربية، ويستقطع مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، ويعزل مساكن مئات الآلاف من الفلسطينيين، ويفصل بينهم وبين المستشفيات والمدارس والخدمات الاجتماعية والأراضي الزراعية. وتتفاوت المصادر البحثية في تقدير المساحة التي يستقطعها الجدار والنظام المرتبط به عند استكماله بين 10 في المائة إلى 20 في المائة من مساحة الضفة الغربية.
وقد أكد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 9 يوليو 2004 بأغلبية 14 قاضياً، يمثلون كل النظم القانونية في العالم، بعدم شرعية الجدار، مقابل رأي القاضي الأميركي في المحكمة، في وثيقة قانونية بالغة الأهمية سمت الأشياء بأسمائها، وانتصرت للقانون وللضحايا، لكن إسرائيل لم تطبق أو تعر أي احترام لقرار محكمة العدل الدولية،
إنكار حق الضحايا في الإنصاف
وتنكر المحاكم الإسرائيلية على الضحايا الفلسطينيين حقهم في الحماية القانونية والتعويض الفعال، وتجيز المحكمة الإسرائيلية العليا «الإعدام بلا محاكمة» لمن تسميهم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالمطلوبين، حتى لو كان هناك ضحايا من عابري السبيل، أو «المقتولين عرضا».
ويعد الفلسطينيون في الأرض المحتلة من أكثر شعوب العالم التي تعرّض أفرادها للأسر؛ حيث تبلغ نسبة من أُسر منهم لمرة واحدة فقط حوالي 40%، وتحتجز إسرائيل حالياً في السجون والمعتقلات أكثر من 11 ألف أسير فلسطيني، بينهم نساء، وأطفال ومعتقلون إداريون يتعرّضون لشتى أنواع التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة من دون مسوغ قانوني. وهناك حالات كثيرة تم توثيقها من قبل منظمات حقوق الإنسان بشأن قيام مستوطنين وجنود إسرائيليين بقتل وجرح مدنيين فلسطينيين في الأرض المحتلة، ولكن لم تتم مساءلتهم ولا عقابهم.
ومنذ عام 2001 ، شرع الكنيست الإسرائيلي بإصدار قوانين أو تعديل قوانين عنصرية جديدة، تهدف إلى تقييد حريات وحقوق الفلسطينيين الأساسية وحقهم في التعويض والتي من بينها: قانون المواطنة، وحق الدخول لإسرائيل لعام 2003، وتعديلاته لعام 2007، حيث يحرم القانون وتعديلاته الغالبية العظمى من الأزواج الفلسطينيين من سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 حق السكن في إسرائيل مع أقرانهم من الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، والقوانين المعدلة لعامي 2005 و2006 الواردة على قانون المسؤولية القانونية للدولة عن الأضرار، والتي تحرم الفلسطينيين من سكان الأراضي المحتلة عام 1967 من حق المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن أعمال الجنود الإسرائيليين.
بينما يؤكد المقرر الخاص للأمم المتحدة ريتشارد فولك في أحدث تقرير له مسؤولية الاحتلال عن كل ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني، ويقول: إن الاحتلال العسكري للأرض الفلسطينية قد تجاوز الآن أربعين سنة، وأن له خصائص الاستعمار والفصل العنصري، على النحو الذي لاحظه المقرر الخاص السابق.
التمييز القضائي المؤسسي
هو الحالة التي يميز فيها القضاء الإسرائيلي في أحكامه بين اليهود والعرب، ومن أمثلة ذلك:
قانون العودة: بموجب هذا القانون، فإن كل يهودي يملك الحق في الاستقرار في إسرائيل كقادم جديد (عولي)، وهذا امتياز خاص يُمنح لجميع اليهود في العالم لمجرد أنهم يهود، ويعتبر المبدأ الأساسي لإسرائيل كدولة يهودية. وبموجب قانون الجنسية، تعتبر «العودة» إحدى طرق الحصول على المواطنة الإسرائيلية، وهي غير متاحة إلا لليهود وأفراد عائلاتهم، أما العرب فيحصلون على المواطنة عن طريق الولادة أو الإقامة أو التجنُّس.
قانون الخدمات الدينية اليهودية (1971): وهو قانون ينظّم إقامة مجالس دينية يهودية إلى جانب السلطات المحلية ويحدد الميزانيات لها، ويشمل هذا القانون بندا يجعله مقصورا على المجالس الدينية اليهودية؛ حيث تتلقى باقي الأديان خدماتها مباشرة من الوزارة.
قانون الخدمة العسكرية (1986): يقر واجب أداء الخدمة العسكرية على كل مواطن بلغ الـ18 سنة، لكن منذ إقامة دولة إسرائيل تم الامتناع عن تجنيد العرب، عدا الدروز، الذين بدأ تجنيدهم في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. ووفق هذا القانون يحصل المواطن على مكافآت لقاء خدمته في الجيش.
قانون استيعاب الجنود المسرَّحين (1994): أعطى الجنود المسرحين، بالإضافة إلى المكافآت المادية، أولوية القبول للجامعات والدورات العلمية والتأهيلية، وذلك على حساب العرب. بناء على هذا القانون، تم تأسيس صندوق خاص يرصد به لكل جندي مبلغ عن كل شهر خدمة ولمدة 5 سنوات بعد تسريحه من الخدمة العسكرية، وذلك لتمكين الجندي من استعماله لإكمال تعليمه وشراء بيت، وإذا لم يتم صرفه لهذه الأهداف يتم سحبه مباشرة للجندي لاستعماله الخاص.
وهذا في حدّ ذاته، يطابق تعريف التمييز العنصري، كما وضعته الأمم المتحدة سنة 1973، وهو «أي إجراءات قانونية أو غيرها من الإجراءات التي تتّخَذ بهدف منع مجموعة أو مجموعات عرقية ما، من المشاركة في الحياة السياسية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو الثقافية في البلاد، وتعمد إيجادِ ظروفٍ تمنع التنمية التامة لمثل تلك المجموعة أو المجموعات».
قانون برافر
وصادق برلمان الكيان الصهيوني «الكنيست الإسرائيلي» في أبريل 2013 على قانون برافر- بيغن، الذي كان سيؤدّي إلى إخلاء وتدمير معظم ما تبقّى من القرى البدويّة العربيّة في النقب، كما من شأن ذلك أن يؤدّي إلى الاستيلاء على أكثر من 800 ألف دونم من أراضي النقب، وسيتم تهجير 40 ألفا من بدو النقب وتدمير 38 قرية غير معترف بها إسرائيلياً.
ويرتكزُ القانون على التضليل المتعمّد للمعلومات الذي طالما اعتمدته السياسة الإسرائيليّة تجاه مواطنيها البدو: أولاً، المُجتمَعُ البدويّ يتعدّى على أراضي الدولة، حيث يُعتبر مجرد وجوده «منافيًا للقانون»؛ ثانيًا، ليس للبدوِ أي حقّ قانونيّ بشأن أرضِ آبائهم وأجدادهم في النقب، وأيّ مَطالب نهائية للتوطّن على أرضٍ بدويّة، يتعيّن حلُّها لصالح الدولة.
ويعود تاريخُ كثيرٍ من القرى إلى ما قبل عام 1948، وتحاول إسرائيل تهجيرَ واقتلاعَ البدو، وتحاول منذ عام 1969تركيزهم ضمنَ عددٍ صغيرٍ من البلدات وإرغامهم على التمدّن من خلال قطع روابطهم التاريخيّة بأرضهم. وتعتبرُ إسرائيل البدو الذين بقوا في قراهم التاريخيّة (متعدّين على أراضي الدولة)، ولذلك فإنها تحرمهم عمدًا من الخدمات الأساسيّة والبنيّة التحتيّة، مثل الماء والكهرباء والتعليم وغيرها لإجبارهم على التخلي عن أرضهم.
إن افترضنا بأن القرى البدويّة قائمة فعلًا على «أراضي دولة»، فلا يزال يمكننا اعتبار المخطط تمييزاً إجرامياً. مئات البلدات اليهوديّة (مُعظم الكيبوتسات والييشوفيم) قائمة على أراضي دولة، ودولة إسرائيل تؤجّرهم هذه الأراضي لأجيال وأجيال بأسعار رمزيّة جداً. لا تشطب الدولة وجودهم، ولا تمنع عنهم الماء والكهرباء، فهذه السياسات محفوظة للعرب والبدو وحدهم، وهذا عمق التمييز العنصري في القانون.
ويحرم القانون المتضررين البدو من الطعن أمام القضاء من خلال إلغاء عمليّات الهدم والإخلاء بأمر من المحكمة وتحت إشرافها، لمصلحة أوامر إداريّة عاجلة. يُمكن الطعن في هذه الأوامر من الجانب التقنيّ فقط ، وبذلك يسلب اقتراحُ قانون برافر- بيغِن الحقّ الأساس في خوض إجراءٍ قانوني عادل، مُنتهِكاً بذلك حق التقاضي المكفول دولياً.
بالاضافة إلى ذلك، يضع القانون شروطاً تفصيلية صارمة للمطالبين بالتعويض عن تهجريهم مما يحقق تعويضا جزئيا غير كامل لعدد ضئيل من المهجرين, أحد أكثر هذه الشروط صرامةً هو أنّ الشخص الذي يحقّ له تقديم طلبِ تعويضٍ هو فقط مَن كان قد قدّم مطالبةً بالأرض في الفترة الواقعة بين 2 مايو 1971 و 24 نوفمبر 1979, إذا كانت المحكمة قد رفضت في السابق ملكيّته على الأرض، لا يكون المُطالِبُ مؤهّلاً للحصول على تعويض, وتكون جميع التعويضات مشروطةً بموافقة المُطالِبين على الانتقال إلى بلدات بدويّة عربيّة والتنازل عن حقوقهم في الأرض.
ومن الأمثلة السابقة على الممارسات التمييزيه ضد العرب في اسرائيل تتضح المخالفة الواضحة للأعراف الدولية والاتفاقيات والمواثيق التي تكافح شتى أشكال التمييز العنصري، وتبرهن على اقتراف الكيان الاسرائيلي لهذه الجريمة بكل أركانها , فمادياً ذكر في الأمثلة كل الأفعال المجرَّمة التي اقترفها الكيان الاسرائيلي ومعنوياً، فإن القصد الجنائي للفصل العنصري واضح خاصة في عمليات تقنين هذه الافعال العنصرية، أما دولياً فالمصلحة الإنسانية التي تحميها القوانين الدولية كحرية الحركة وحق التقاضي وغيرها من الامثلة فيما سبق كلها ينتهكها الكيان الاسرائيلي.
وفي العام 2007 صنفت اللجنة الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري سياسة إسرائيل بشأن الإبقاء على الفصل بين العرب واليهود في قطاعات التعليم، والصحة، والسكن، وعدم المساواة بين العرب من مواطنيها مع اليهود في مجالات الانتفاع بالخدمات العامة، واستخدام أراضي الدولة بأنه يشكل فصلاً عنصرياً (الفقرة 22). وفي ما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، فقد عبَّرت اللجنة عن قلقها من إخضاع الفلسطينيين لقوانين وسياسات إسرائيلية تختلف عن تلك المطبقة على اليهود (الفقرة 35)، كما عبّرت عن قلقها من الممارسات الإسرائيلية، التي منها سياسة الفصل العنصري، المتمثلة في بناء الجدار والنظام المرتبط به، وتوسيع المستوطنات اليهودية، والقيود المجحفة المفروضة على حرية الفلسطينيين في الحركة وعدم المساواة في تقديم الخدمات، وفي توزيع المصادر الطبيعية وحقوق الانتفاع بها، وتدمير المنازل، واعتبرتها سياسات وممارسات تؤدي إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد (الفقرات 14 ، 32، 37).
التمييز العنصري جريمة دولية ترفضها كافة المنظمات الدولية والأعراف، ومن المفترض أن يتحرّك المجتمع الدولي بشتى الطرق لمكافحتها, ويجب أن تكون لمؤسسات المجتمع المدني دورها البارز في مكافحتها وفي الضغط على حكومات دولها في محاربتها، والكشف عن عمليات الفصل العنصري في دولهم وتدويل تلك القضايا، سعياً نحو محاربة هذه الممارسات والجرائم في حق الإنسانية.