وأد أجواء الفرح ومصادرة الحريات.. إلى متى؟

الكويتيون منفتحون بطبعهم ويحبون الحياة
الكويتيون منفتحون بطبعهم ويحبون الحياة

كتب أنور عبدالعزيز ناصر:

يهل عيد الأضحى هذا العام، ويحمل معه تساؤلات متكررة / قديمة: هل للفرح مكان بيننا؟!.. وهل يحمل معه بارقة أمل بفتح أفق جديد للتفاؤل وصنع واقع أفضل، بعيداً عن التعقيدات المصطنعة والالتزام المزيف والكآبة المتعمَّدة، التي يفرضها أعداء الفرح والواقفون في وجه الحياة والموصدون أبواب الفنون والمرح والتعددية والترويح عن النفوس؟

يهلّ العيد، ويتساءل شباب الكويت وين الفرح؟ ويصدمهم الواقع المحاصر بالانغلاق والضوابط المصطنعة والرقابة القائمة على غياب الرؤية نحو تطلعات الجيل الجديد وآلامه وآماله بوطن كان «درة الخليج» في الماضي، فأضحى في ذيل قائمة البلدان المنفتحة والمزدهرة، فكراً وفناً وثقافة ومرحاً.

«وين الفرح في العيد وغيره؟!»

طرح هذا التساؤل شاب في العشرينات من العمر، وبدا وكأنه يقذف بصرخة حزن في وجه أبناء جيله، الذين كان يحدثهم عن استعدادات الأسر لقضاء عطلة العيد التي تمتد لتسعة أيام.. وبينما فضل الكثيرون مغادرة البلاد، بحثاً عن أجواء أكثر مرحاً، لم يكن من بد أمام شريحة أخرى من أبناء الكويت سوى البقاء هنا، ومن ثم قضاء الإجازة.. إما في الديوانيات أو الخروج قليلاً للمجمعات والمقاهي وعلى شاطئ الخليج، ومع ذلك تبقى «ضيقة الخلق والأجواء المملة التي تخلو، أو تكاد، من أجواء المتعة الحقيقية والترفيه البريء.

قمع الحريات

وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود
وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود

وفي الوقت الذي تسيطر فيه حالة الكآبة، من جراء مصادرة الفرح وقمع الحريات، تبرز على السطح قضية أزلية وراء هذه الحال المتردية، التي جعلت الكويت وجهاً للانغلاق والتزمت اللامنطقي، ألا وهي تلك الضوابط التي وضعتها الحكومة، متمثلة في وزارة الإعلام، لإقامة الحفلات والأنشطة الفنية والبرامج الترفيهية، وفي كل عيد تبادر الوزارة إلى التذكير بهذه الضوابط، أو بالأحرى، القيود، ومنها وفق نص ضوابط الإعلام: الاستناد إلى الفتوى الصادرة عن إدارة الإفتاء في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، واستذكاراً للعادات والتقاليد الكويتية وعادات المجتمع وبناءً عليه:

● لا يجوز إقامة الحفلات الغنائية العامة إلا للجهات المرخص لها بذلك، والمسجلة رسميا لدى وزارة الإعلام، كما يجب الحصول على الترخيص اللازم من الجهات الأمنية المختصة في وزارة الداخلية، بعد استكمال جميع الإجراءات واستيفاء المستندات.
● يجب التقيد في الحفلات الفنية بقواعد النظام العام والآداب العامة وعدم الخروج عن القيم السائدة في المجتمع.
● يمنع الرقص، بجميع أنواعه وصوره وأشكاله، للجنسين، سواء من المشاركين في الحفل أو من الجمهور.
● لا يجوز منح أي ترخيص لإقامة حفلات موسيقية أو غنائية في الخيم المؤقتة، ويجب أن يكون مكان الحفل عبارة عن مبنى إنشائي ومستوفيا للشروط والضوابط المحددة سلفاً.
● يشترط في مكان الحفل الفصل بين الشباب والعوائل وعدم الاختلاط بينهم.
● لا يجوز السماح للمؤسسات الفنية أو للفنانين داخل الكويت أو خارجها ممن يروجون لمفاهيم مخالفة لقيم الدين والتقاليد بإقامة الحفلات.
• تخضع الموافقة النهائية على منح الترخيص أو رفضه أو سحبه للسلطة التقديرية للوزارة، من دون إبداء أسباب.
● يندب وزير الإعلام الموظفين اللازمين الذين يحظون بصفة الضبطية القضائية لدخول الأماكن العامة، للرقابة على الحفلات الفنية العامة، ويكون لهم الحق في إيقاف الحفل وسحب الترخيص، حال وقوع أي مخالفات وتحرير المحاضر اللازمة، ولهم الحق في الاستعانة برجال الشرطة في أداء وظائفهم إذا دعت الحاجة.

صناعة كاسدة

كل ما سبق بعض ضوابط وزارة الإعلام لإقامة الحفلات الفنية والغنائية، الأمر الذي يجعل الفرح والترفيه صناعة كاسدة أو بائرة، بفعل فاعل، فالجهات المختصة تمنع ترخيص الحفلات إلا وفق قائمة مملة وطويلة من الضوابط تجعل متعهدي الحفلات يطفشون للخارج، حيث أجواء الانفتاح بلا ضوابط، مع ضمان الربح، كما أن رد الكثير من المواطنين والمقيمين يأتي لاذعاً وبليغاً في الوقت نفسه فهم في كل عطلة طويلة يسافرون إلى دول مجاورة لا تختلف عن الكويت في العادات والتقاليد، لكنها منفتحة على الفرح، وتعتمد حكوماتها آلية متطورة للانفتاح على الحياة، وقد عرفت كيف تصنع الترفيه والأفراح، بل وتستثمرهما في تنشيط اقتصادها الوطني.

الانغلاق.. لماذا؟
انتقد شعراء وكُتاب ومثقفون مصادرة الفرح وحالة الانغلاق المتعمَّدة في الكويت، مؤكدين أن خضوع الحكومة لضغوط المتزمتين والمتشددين من بعض التيارات الدينية خلق حالة من الكآبة، وأفقد الكويت الكثير من دورها التنويري، بعد أن كانت منارة في الثقافة والفنون بأنواعها.

ولفت المثقفون إلى أن الحكومة تتحمَّل المسؤولية الأكبر عن «تجريف الفرح» في المجتمع، لأنها لم تعد تمتلك الجرأة وروح المبادرة، وغالباً ما ترضخ لأصحاب الفكر الأصولي وذوي اللحى.. إما خوفا من المساءلة، وإما لتمرير مصالح مشتركة.

وشدد شباب من المبدعين على أن المتشددين الدينيين وراء الكآبة والانغلاق وفرض اللوائح والضوابط التي تخنق الفن والثقافة وتوصد أبواب المرح، وهم أيضاً وراء الهروب «شبه الجماعي» للمواطنين والمقيمين، خلال العطلات، كما أنهم المتهم الأول في التضييق على الفنانين والمبدعين، لكن ما يُثير الاستغراب، خضوع الحكومة لهذه التيارات المتشددة.

تناقضات

وأشار علي الخالدي إلى التناقضات التي يقع فيها بعض هؤلاء المتشددين.. ففي الوقت الذي يصادرون فيه الفرح داخل الكويت، يسافرون وأسرهم إلى دول منفتحة، ويمكثون أوقاتاً طويلة على الشواطئ والمتنزهات في بلدان أوروبية وآسيوية، كما أنهم يرسلون بناتهم وأولادهم للدراسة في هذه الدول.

أما الشاعر محمد المصلح، فيرى أن ما يُسمى بضوابط الحفلات، هي انتهاك للحقوق الدستورية، وتعدٍ صارخ على الحريات، مشيرا إلى أن العيد يأتي في أجواء كآبة مسيطرة، وفضلاً عن التأزيم السياسي، تنجح التيارات المتشددة في وأد الفرح، وإغلاق أي متنفس للترويح البريء عن النفس.

خسائر اقتصادية

يؤكد المراقبون أن سفر المواطنين والمقيمين خلال العطلات يعود بخسائر كبيرة على الاقتصاد الوطني، وكان الأجدر بالحكومة تشجيع الانفتاح، وتفعيل السياحة الداخلية، للعمل على تنويع مصادر الدخل القومي، بدل الاعتماد على النفط كمصدر أوحد.

ضبطية قضائية ورقابة مملة!

تساءل مبدعون ومثقفون: هل يُعقل منح موظفي الإعلام الضبطية القضائية لمراقبة الحفلات وسحب التراخيص من دون إبداء الأسباب؟ وأشاروا إلى أن فرض الوصاية على الأخلاق يتنافى مع مبادئ الدستور التي تكفل الحريات.

فتوى غريبة!

سؤال آخر: هل يُعقل أن تستند وزارة الإعلام إلى فتوى صادرة من سنوات طويلة من قِبل إدارة تابعة للأوقاف، هي إدارة الفتوى، والتي حرمت بموجبها إقامة الحفلات الموسيقية والغنائية؟
وهل تفترض الجهات المختصة والتيارات الدينية المتشددة، أن الشباب وبقية شرائح المجتمع لا يستمعون للموسيقى والغناء في عصر السماوات المفتوحة؟!

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.