
مللنا ترديد عبارات، أن سبب الانسداد السياسي في الكويت يكمن في تزاوج نظامين (الرئاسي والبرلماني)، مع وجود فروق بينهما، تسمح باختراق روح التجربة أو «مرجحتها»، وفق مراكز القوى الآنية، ويبدو ـ أيضاـ أن أزمة تزاوج الأنظمة أعمق من الجانب السياسي، فالاقتصاد الوطني هجين بين رأسمالية متوحشة واشتراكية استهلاكية.. ولعل أزمة تسريح موظفين من شركة أوريدو للاتصالات تمثل مدخلا جيدا لتوصيف شكل نظامنا الاقتصادي.
الشركة وفق القانون مارست أو «مرجحت» النصوص، لتبرير تخليها عن دورها الاجتماعي وحق الموظف بالأمان الوظيفي، والدور الاجتماعي للقطاع الخاص، هو التزام أخلاقي بديل لدفع الضرائب في الدول الرأسمالية البحتة، إلا أن القطاع الخاص في الكويت يتمتع بحماية «اشتراكية» وبالقانون، حتى إذا احتاج الوضع لإنقاذه، فلا مانع من إصدار قوانين تحمي عثراته وبأثر رجعي أيضاً، والسوابق في هذا الإطار والمجال كثيرة.
كما لا يمكننا إغفال أن القطاع الخاص يتمتع بخدمات عامة، كالوقود والكهرباء والماء بسعر مدعوم، فضلا عن تمتعه ببنية تحتية تساهم بزيادة «رصيده» عند تنفيذها.. هذا إن نفذها بشكل صحيح، وبعد كل هذا نجد مَن يتحدَّث عن حق القطاع الخاص، بعدم تجديد عقود الإذعان لموظفيه، من دون أن يسأل عن سبب هذه المجزرة الوظيفية.
قرأنا وتابعنا بيان الشركة المعنية، وكما توقعت، لم يخرج عن تهربها عن دورها الأجتماعي.. شخصياً، كنت أنتظر من البيان توضيح الحالة المالية المتدهورة للشركة، واحتياجها لترشيد الإنفاق، مثلا، لكنهم ذهبوا للحديث عن تطوير الخدمات على جثة الأمان الوظيفي للموظف وبالقانون.
لعل من نافلة القول التذكير بأن بند عدم تجديد العقد الوظيفي موجود في أغلب عقود الموظفين في القطاعات شبه الخاصة، كالقطاع النفطي والطيران، ولم تحدث مثل هذه المجزرة، إلا في حالات محدودة جداً، ولأسباب بعيدة عن موضوعنا، فالقطاع الخاص المحترم يحرص على تحفيز موظفيه، وغرس الولاء الوظيفي، وتأكيد الأمان الوظيفي، لتكون نتائجه عطاء كبيرا من الموظف، ولكن، لدينا لا يحتاج القطاع الخاص إلى كل هذا، لأنه بصريح العبارة هجين مشوه، يرضع من المال العام، بكل اشتراكية، ويغطي فشله بتسريح أضعف عناصر القطاع، بكل رأسمالية، وإذا سقط وجد من يسنده، وبالقانون.
ختاماً، نقول للحكومة إن شعار«هده خله يتحدى» يجب أن يوجه للقطاع الخاص.. نعم، اتركوهم من دون إسناد أو تسهيلات أو إعفاء من الضرائب، والناجح سيستمر والفاشل لا نحتاج لتحمل تكاليف فشله من المال العام، أو من مستقبل أبنائنا.
للعلم..
كل تجار العالم يفخرون بأول مليون، ولا يملون ترديد قصته، إلا في الكويت.