الموسوي: مستقبل العمل السياسي مرهون بحل الأزمة السياسية الدستورية في البحرين

رضي الموسوي
رضي الموسوي

حوار: علي حسين العوضي
قال القائم بأعمال الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) في البحرين، رضي الموسوي، إن حل الأزمة السياسية في البلاد لا يتم إلا عبر حوار تفاوضي جاد، يهدف إلى إيجاد حل سياسي جامع يعبّر عن الإرادة الشعبية البحرينية، بكل مكوناتها، من دون استثناء، موضحاً أن الحل في العودة لروح ميثاق العمل الوطني والمبدأ الدستوري (الشعب مصدر السلطات جميعا)، ومغادرة العقلية الأمنية، والبدء في الحل السياسي، والتفرغ للتنمية المستدامة، ووضع البلاد على خارطة طريق صحيحة، تبدأ بالإفراج عن معتقلي الرأي والضمير، بمن فيهم الأطفال والنساء والقيادات السياسية، وتنتهي بتسوية متوافق عليها وملزمة للجميع.

وأضاف في حوار مع «الطليعة»، أن «وعد» حُرمت من الدخول في المجلس النيابي في انتخابات 2010، بسبب النظام الانتخابي، وتجيير الأصوات والمراكز العامة، والحرب الإعلامية والصحافية الشعواء التي شنتها الصحافة المحلية المحسوبة على بعض أقطاب الحكم.

قضايا كثيرة تناولها الحوار، وفي ما يلي التفاصيل:

● احتفلت جمعية العمل الوطني الديمقراطي أخيراً بعيدها الثالث عشر، كيف تقيمون مسيرة الجمعية خلال الفترة الماضية؟ وما أبرز التحديات والمعوقات التي تواجهكم؟
ـ تعد جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) امتدادا طبيعيا للجبهة الشعبية في البحرين والجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي، كما أنها امتداد لحركة القوميين العرب وهيئة الاتحاد الوطني في البحرين، وذلك إبان العمل السري الذي امتد لعدة عقود.

بعد عام 2001، وإلغاء قانون تدابير أمن الدولة وبدء الانفراج الأمني بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين، والذين أجبرتهم الظروف على مغادرة البلاد، والسماح بالعمل السياسي العلني، دعا القائد المؤسس المرحوم المناضل عبدالرحمن النعيمي عدداً من شخصيات التيار الوطني الديمقراطي إلى اجتماع، وذلك في أبريل 2001، حضره 43 شخصية، واتفقوا على تشكيل لجنة تحضيرية، من مهامها وضع النظام الأساسي، والتقدُّم بطلب إشهار الجمعية، وقد تم ذلك، حيث حصلت جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) على الإشهار في العاشر من سبتمبر 2001، كأول تنظيم مصرَّح له في البحرين والخليج العربي.

وقد عملت الجمعية تحت مظلة قانون الجمعيات الأهلية، مع استثنائها من المادة 18، التي تحرّم العمل السياسي على الجمعيات الأهلية، حتى صدر قانون الجمعيات السياسية في عام 2005، وتم تحويل المسؤولية إلى وزارة العدل والشؤون الإسلامية.
وخلال الفترة الممتدة من 2001، وحتى الوقت الراهن، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، فقد جاء الدستور الذي صدر بإرادة منفردة في عام 2002، الأمر الذي تداعت له القوى المعارضة، وقررت أربع جمعيات سياسية معارضة مقاطعة الانتخابات النيابية، التي جرت في أكتوبر 2002.
فقد انتقص الدستور من السلطة التشريعية، وأشرك مع المجلس المنتخب مجلسا معينا من عدد مساوٍ له في العدد، وكذلك في الصلاحيات التشريعية، ونصّب رئيس المجلس المعيَّن رئيسا للمجلس الوطني الذي يجمع المجلسين: المنتخب والمعيَّن. واستمرت مقاطعة الانتخابات، وشكلت المعارضة تيارا شعبيا يشكّل أغلبية واضحة في البحرين ضد الانتقاص من السلطة التشريعية، حيث تطالب المعارضة بأن تكون اليد الطولى في حسم مشاريع القوانين من نصيب المجلس المنتخب، كما احتجت المعارضة على قانون الانتخابات وعلى توزيع الدوائر، الذي تم بشكل يعزز النفس الطائفي، ولا يترجم العدالة في ثقل أصوات الناخبين.

وشكلت جمعية وعد قيمة مضافة في العملية السياسية النضالية، وخاضت في عام 2005 معركة التسجيل والتحدي في قانون الجمعيات السياسية، الذي يحمل مواد تحجم العمل السياسي، وتضعه في زوايا ضيقة.

وقد قررت «وعد»، بمعية القوى المعارضة، تحت عنوان التسجيل والتحدي، ونقصد بها ممارسة العمل الحزبي، كما هو متعارف عليه في الدول التي تتمتع بحرية العمل الحزبي والسياسي، خوض غمار الانتخابات النيابية في نسختها الثانية، بعد أن نجحت في تسليط الضوء على مكامن الخلل بالدستور الجديد، من خلال تنظيم المؤتمر الدستوري ابتداء من 2003، ودخلنا في مفاصل نضالية مهمة، أوضحنا فيها خطورة الدستور على الحياة النيابية والسياسية في البحرين، وذلك لأن وجوده بهذه النصوص ينتقص من حقوق المواطن ويصادر المبدأ الدستوري الشهير «الشعب مصدر السلطات جميعا».
في التجربة الأولى لنا في الانتخابات النيابية، التي عُقدت في أكتوبر 2006، كشفنا مواطن الخلل في النظام الانتخابي، حيث إن توزيع الدوائر جاء مفصلاً على مقاسات النظام، فكان عدد إحدى الدوائر في المحافظة الشمالية، والتي تنتخب نائباً واحداً، يساوي عدد الناخبين في المحافظة الشمالية، التي تنتخب 6 نواب، أي أن الوزن الانتخابي لأصوات المواطنين غير متساوٍ.

وفي الجانب الآخر، وجدنا الدور الكبير للمراكز العامة التي وجدت لتصعيب مراقبة الانتخابات ولإثارة الإرباك وتسهيل تجيير الأصوات.. وهذا بالفعل الذي حصل في الدوائر التي ترشحت فيها جمعية وعد.

ففي الوقت الذي كان المرحوم عبدالرحمن النعيمي فائزا في دائرته بالمحرق، جاءت المراكز العامة لتقلب المعادلة رأسا على عقب، وكذلك مع إبراهيم شريف السيد، معتقل الرأي والضمير، الذي ترشح في إحدى دوائر العاصمة، المنامة، وكذلك مع د.منيرة فخرو في المحافظة الوسطى، وسامي سيادي في المحرق. وقد تكرر السيناريو في انتخابات 2010، حيث حرمت «وعد» من الدخول في المجلس النيابي، بسبب النظام الانتخابي وتجيير الأصوات والمراكز العامة، والحرب الإعلامية والصحافية الشعواء التي شنتها الصحافة المحلية المحسوبة على بعض أقطاب الحكم.

لقد كانت التجربة النيابية في دوراتها الثلاث كفيلة بالكشف عن مَواطِن الخلل الكبيرة في الدستور، وفي قانون مباشرة الحقوق السياسية، وفي قانون الجمعيات السياسية، وكان لابد من الشروع في إحداث إصلاحات جذرية على المستوى الدستوري، من خلال رفع وصاية السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، فضلاً عن التفصيل الطائفي للدوائر الانتخابية، والتضييق على الرأي والرأي الآخر، وكان لابد من إحداث نقلة نوعية بعد نحو عشر سنوات من التجربة النيابية الفاشلة التي لم تتمكن من الحد من الفساد، كما فشلت في المساءلة الجدية لأملاك الدولة والأراضي، ما جعلها رهينة السلطة التنفيذية بامتياز.

حراك 14 فبراير السلمي

● شاركت «وعد» في الحراك الشعبي البحريني، الذي انطلق في فبراير 2011، ولاتزال تشارك في التجمعات الشعبية، ما الذي تحقق على أرض الواقع؟ وإلى أين يسير المسار الديمقراطي؟ وهل هناك بوادر لانفراج اﻷزمة؟
ـ عندما انطلق الحراك الشعبي السلمي في الرابع عشر من فبراير، بمبادرة من المجاميع والتجمعات الشبابية، قررت اللجنة المركزية في جمعية وعد المشاركة في الحراك السلمي، من أجل تشييد الملكية الدستورية على غرار الديمقراطيات العريقة التي بشَّر بها ميثاق العمل الوطني، وانطلقت التظاهرات فجر ذلك اليوم، وسقط بعض الشهداء، واعتقل آخرون، وتموضع الحراك في دوار مجلس التعاون، المعروف باسم دوار اللؤلؤة، إلا أن السلطات الأمنية قررت إخلاءه بعد يومين من التجمع فيه، وقد سقط أيضا شهداء وجرحى.

ورغم العنف والدم، الذي سفك، فقد تمسكت المعارضة بحضارية تحركاتها وسلميته، باعتبار أن الخيار السلمي هو خيار استراتيجي لا عودة عنه، وبعدها بثلاثة أيام تمكن الشباب من العودة إلى الدوار الذي تحوَّل إلى مركز جاذب لكل التحرُّكات التي تنطلق منه وإليه.

ومع الحوارات الثنائية والاتصالات مع الحكم، ممثلا في سمو ولي العهد، طلب الأخير تقديم مرئياتنا للخروج من الأزمة السياسية، التي تواكبت مع الربيع العربي وسقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وبعده الرئيس المصري حسني مبارك، لتشتعل الحراكات في اليمن وليبيا وسوريا وبعض العواصم العربية. طلب ولي العهد في الأول من مارس 2011 من المعارضة و40 جمعية سياسية وأهلية تقديم مرئياتها، وقدَّمنا له مرئيات القوى المعارضة في الثالث من مارس، أي بعد 48 ساعة من طلب سموه، وبعد حوارات ماراثونية ساهم فيها الوسطاء أيضا، عقد يوم 12 مارس اجتماع مطول بين وفد رفيع من ديوان ولي العهد والقوى المعارضة، وقد تم الاتفاق على أن يصيغ الوفد الاتفاق ويعود، ألا أننا سمعنا من تلفزيون البحرين مبادرة ولي العهد ذات النقاط السبع. وقد تدارسناها وأعلنا في اليوم التالي موافقتنا عليها، حرصا من جمعية وعد وبقية الجمعيات المعارضة على الشروع في الحل السياسي وإبعاد بلادنا عن التجاذبات الإقليمية، ومنعا لأي تدخل خارجي، إلا أن ما فوجئنا به هو دخول طلائع قوات درع الجزيرة في الليلة نفسها التي أطلقت فيها مبادرة سمو ولي العهد، لتدخل بلادنا في حقبة جديدة من الدولة الأمنية التي شطبت الحل السياسي وتمددت وشرعت قانون الطوارئ تحت تسمية قانون السلامة الوطنية.

هذا الوضع تسبب في اعتقال آلاف المواطنين، على خلفية مواقفهم وآرائهم السياسية، وفي مقدمتهم الأمين العام إبراهيم شريف، الذي نظمت أخيراً حملة للإفراج عنه وعن معتقلي الرأي والضمير في جنيف، حيث كانت تعقد دورة حقوق الإنسان، وكذلك انطلقت حملة تغريدات للإفراج عنه من البحرين والعديد من دول العالم، كما تم فصل أكثر من 5 آلاف موظف، وزاد التمييز الطائفي والمذهبي، وسقط عشرات الشهداء، بسبب القوة المفرطة من قِبل أجهزة الأمن والقتل خارج القانون، ولا تزال بلادنا تعاني هذا الوضع، بسبب الحل الأمني الذي تأكد أنه لا يمكن أن يخرج البلاد من أزمتها الدستورية السياسية.

الانقضاض على العمل السياسي

● ما آخر تطورات القضية المرفوعة من قِبل وزارة العدل ضد «وعد»؟
ـ منذ ما قبل الانقضاض على الدوار في 16 مارس 2011، تعرَّضت جمعية وعد لمضايقات شديدة، تمثلت في حرق مقر الجمعية الرئيسي مرتين، الأولى في 12 مارس، والثانية في 18 مارس، كما تعرَّض فرع الجمعية في محافظة المحرق إلى اعتداءات متكررة وتكسير وسرقة محتوياته.
وفي مطلع أبريل، قررت السلطات تجميد نشاط «وعد»، وتشميع مقارها، ثم أعيد فتحه في يونيو 2011، ودخلنا الحوار الوطني في الأول من يوليو من العام نفسه، وكانت نتائجه فاشلة في المجمل، ثم دخلنا الحوار الثاني في فبراير 2013، وكان فاشلا بلا نتائج، نظرا لإصرار النظام على عدم التنازل عن الصلاحيات المطلقة، وعدم تجاوبه مع المطالب الشعبية.

وفي هذه الأثناء، وتحديدا بعد مؤتمرنا العام السادس الذي عقد في أكتوبر 2012، وجهت لنا وزارة العدل رسالة تطالب فيها بشطب إبراهيم شريف من كونه الأمين العام للجمعية، وطلبت كذلك شطبه من سجلات الجمعية، وهو الأمر الذي رفضته الجمعية، باعتبار أن شريف سجين رأي وضمير ينبغي الإفراج عنه فورا وليس معاقبة جمعيته.
وقد استمرت المراسلات بيننا وبين وزارة العدل بهذا الخصوص، حتى فاجأتنا بإعلان رفع دعوى ضدنا أواخر يوليو الماضي، وقد حضرنا الجلسة الأولى التي عقدت في 9 سبتمبر الجاري، وقلنا للمحكمة إن لائحة الدعوى وجدناها في الشارع متناثرة.

وقد تم تأجيل القضية للرد واستلام نسخة من اللائحة، وذلك في الجلسة الثانية التي عقدت 17 سبتمبر الجاري.

إننا نعتبر جرجرتنا إلى ساحات المحاكم بادعاءات مرسلة لا تستند إلى أسس هو جزء من تقويض العمل السياسي في البحرين، وقد رفعت الوزارة المعنية دعوى مماثلة على جمعية الوفاق الوطني الإسلامية. وقد أكدت توصيات اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق وتوصيات مجلس حقوق الإنسان العالمي، أن إبراهيم شريف ورفاقه هم سجناء رأي وضمير، ويجب الإفراج عنهم، وبالتالي، فإن حجج وزارة العدل لا أساس لها ولا مرتكزات.

حوار تفاوضي جاد

● في ظل اﻷوضاع الحالية التي تمرون بها، كيف ترون مستقبل الجمعيات السياسية المعارضة؟
ـ إننا نرى أن الوضع السياسي في البحرين يزداد تعقيداً، بسبب عدم التزام النظام بالتعهدات، التي أطلقها للعالم، وخصوصا توصيات لجنة بسيوني وتوصيات جنيف، ولو أنه باشر في المعالجة منذ 2011 لأصبحنا في وضع أفضل بكثير ولازدادت اللحمة الداخلية والوحدة الوطنية متانةً، ولعالجنا تبعات الانقضاض على الدوار والضحايا الذين سقطوا، لكن ذلك لم يحصل، فقد استمرت الانتهاكات، وزاد عدد الذين قتلوا خارج القانون، وزاد عدد المعتقلين، ليصل في الوقت الراهن إلى أكثر من 3000 معتقل في دولة صغيرة لا يتجاوز عدد البحرينيين فيها نصف مليون نسمة، فضلاً عن سياسة التمييز الطائفي والمذهبي والسياسي.

إن مستقبل العمل السياسي مرهون بحل الأزمة السياسية الدستورية في البحرين، وهذا وضع خطير، لأن المنطقة تمر بتداعيات وإرهاصات كبرى، وخصوصا مع وصول تنظيم داعش إلى حدود بعض دول المجلس ووجود آلاف من مناصريه في دول مجلس التعاون الخليجي.

نحن نرى ضرورة حل الأزمة السياسية، عبر حوار تفاوضي جاد، يهدف إلى إيجاد حل سياسي جامع يعبّر عن الإرادة الشعبية البحرينية، بكل مكوناتها، من دون استثناء، ونرى الحل في العودة لروح ميثاق العمل الوطني والمبدأ الدستوري «الشعب مصدر السلطات جميعا»، ويجب مغادرة العقلية الأمنية والبدء في الحل السياسي، والتفرغ للتنمية المستدامة، ووضع بلادنا على خارطة طريق صحيحة تبدأ بالإفراج عن معتقلي الرأي والضمير، بمن فيهم الأطفال والنساء والقيادات السياسية، وتنتهي بتسوية متوافق عليها وملزمة للجميع.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.