
محمد الغربللي:
ملفتة حقاً الكلمة أو الجملة التي صرَّح بها الرئيس الأميركي أوباما، عند اجتماعه مع أعضاء الكونغرس لبحث موضوع مواجهة الدولة الإسلامية (داعش)، بقوله إنه «يمتلك كافة الصلاحيات لمواجهة إرهاب الدولة الإسلامية»، وهذا يعني أنه ليس هناك ضرورة للعودة إلى الكونغرس، من أجل إعلان الولايات المتحدة حربها على الإرهاب، و«داعش» خاصة.
نعرف أن الولايات المتحدة تشن ضربات جوية على مواقع في العراق، تتمركز بها قوات الدولة الإسلامية، وبالتالي هذا الفعل قائم على الأرض، ولكن ما الصلاحيات الإضافية التي يتمتع بها الرئيس، والتي لا تتطلب موافقة الكونغرس، مادام الفعل العسكري قائم في النطاق العراقي؟
صورة ضبابية
الصورة فيها قدر من الضبابية، وتحتاج لعملية «فوكس»، لإيضاح ما هو قادم.. بداية من خلال مجلس الأمن الأممي يتم تقديم مشروع قرار، ليتم اعتماده في حال موافقة الأعضاء، وعدم اعتراض أي من الدول الخمس الكبرى باستخدام حق الفيتو، لإيقاف قرار صادر عنه.. ولكن هناك قرارات تحمل في ثناياها مطبات ومزالق وتفسيرات مختلفة، ويتم إقرارها بموجب قراءة الدولة لها، ولكن تفسيرها على أرض الواقع مختلف، ولعل القرار الأممي المشهور رقم 24 الخاص بالحرب التي جرت عام 1967 بين إسرائيل ومصر وسوريا والأردن كان من القرارات التي صاحبها التباس على الدولة السوفييتية في ذلك الوقت، فقد كان القرار يدعو إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها، ولكن صياغته أتت على «إجبار إسرائيل على الانسحاب من أرض محتلة»، أي جزء من الأراضي، وليس جميع الأراضي التي احتلتها خلال حرب عام 1967!

التدخل في ليبيا
قرار آخر صدر منذ ثلاث سنوات، ورأت فيه روسيا الاتحادية مرة أخرى أنه يحمل مثالب وتأويلات، على الرغم من موافقتها عليه وهو القرار الأممي بشأن ليبيا، والذي قضى بحماية المدنيين عند تعرُّضهم لقوات الرئيس الراحل معمر القذافي.. وهذه الحماية المقصودة لدى الأطراف الأوروبية والأميركية قادت إلى التدخل العسكري الأممي في ليبيا، والاطاحة بنظام القذافي، وتفتيت الدولة الليبية، في ما بعد إلى مناطقية متشتتة، لم تصل نهائيا بعد إلى حالة التشظي الجغرافي.. فالحماية بأذهان الغربيين والولايات المتحدة ليست توفير ملاجئ أو رعاية إنسانية، بل بالتدخل.. وهنا شعر الروس بأنهم تعرَّضوا إلى نوع من الخدعة في تمرير هذا القرار بشأن ليبيا.
مواجهة كبرى
منذ أيام وجيزة صدر قرار أممي أيضا، وبموافقة جميع أعضاء مجلس الأمن، يقضي بمواجهة الدولة الإسلامية والإرهاب، وذلك بعد سلسلة من مقاطع الفيديو التي بثت على «يوتيوب»، والتي تصور العمليات الإجرامية التي ارتكبها تنظيم «داعش» تجاه السكان، من قتل وتهجير، وتم إظهارها بطريقة بشعة، وبما يشبه الإخراج السينمائي.. صدر القرار الأممي من دون تحديد النطاق الجغرافي للمواجهة.. وأتى التحرُّك الأميركي بعد ذلك سريعا، وفي أكثر من نطاق، بداية على نطاق رئيس الدولة الأميركية، بدعوته لتشكيل تحالف دولي لمواجهة «داعش»، وبحث هذا الأمر على مستوى حلف شمال الأطلسي.. معنى ذلك أنهم بمواجهة دول كبرى عند تنفيذ خطتهم، والدولة الكبرى ليست «داعش» بالقطع، بل إنها روسيا الاتحادية والمتحالفون معها، وعلى رأسهم جمهورية إيران الإسلامية، والتحالف هذا العضوية فيه مفتوحة، لذا عقد اجتماع في جدة يوم الخميس الماضي، وضمَّ الولايات المتحدة، برئاسة كيري و10 دول عربية، دول الخليج الست والأردن والعراق ومصر ولبنان، وتم توزيع المهام على الدول أو «رسوم الاشتراك» في هذا التحالف، ما بين تمويل مالي ومساهمة عسكرية وتوفير المواقع والإمكانات اللوجستية.
استراتيجية متكاملة
صحيفة الكنار أنشينيه الأسبوعية الفرنسية نشرت في عددها الصادر يوم الأربعاء في العاشر من هذا الشهر خبر تشكيل قوة كوماندوز مشتركة بين فرنسا وبريطانيا وأميركا.. وهي قوات النخبة التي كانت لها مشاركات قتالية ومناورات مشتركة في ما بينها.. وصحيفة الكنار أنشينيه لا تنشر أي معلومة، إلا وتكون صحتها مضمونة بالكامل من حيث المصداقية.
وكانت مهاتفة الرئيس الأميركي للعاهل السعودي بما يشبه الرعاية لمؤتمر جدة الذي عُقد الخميس الماضي، وإجراء الترتيبات اللازمة لتعضيد هذا التحالف.. عقبة صغيرة كانت تعرقل ولادة هذا التحالف- كالحبة الصغيرة العالقة ما بين الأسنان ومطلوب إزالتها بمنكاش- تمثلت برئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي، فهو غير مهضوم من أطراف في هذا التحالف، عربياً ودولياً، وإضافة لهذا الجانب الشخصي كان لحكومته التي يتولى مفاصلها موقف تجاه الحرب الدائرة في سوريا.. لذا، اقتضى الأمر إزالة هذه الحبة من أضراس التحالف قبل الإعلان عنه.. فهؤلاء لا يقومون بأعمالهم كحالنا يوما بيوم، بل باستراتيجية متكاملة، بكل تضاريسها وخلفياتها.
مكمن الصلاحية
إذن، أصبحت الساحة ممهدة، والتحرُّك قائماً، لتنفيذ القرار الأممي غير المحدد جغرافيا.. وهنا تأتي سوريا، كموقع للتدخل الأميركي، بغطاء أممي، وهنا مكمن الصلاحية التي تحدَّث عنها الرئيس الأميركي.
علينا تذكر عام 2013، عندما اتهمت سوريا أنها تستخدم الأسلحة الكيماوية، وكان لزاما أن يكون هناك تدخل أميركي، لأن النظام السوري وصل إلى الخط الأحمر، وفق تعبير أوباما.. وقتها لم يوافق الكونغرس الأميركي على هكذا تدخل، وتوقف الأمر عند هذا الحد.
الآن هناك قرار أممي لمواجهة «داعش»، وتحت هذا الغطاء سيأتي التوجه الغربي تجاه سوريا، ويعني ذلك مواجهة دولة روسيا، وليس «داعش» وفق التصريحات والترتيبات التي يتم اتخاذها، وذلك لإنهاء النفوذ الروسي في هذه المنطقة، والسير قدما في الحرب الدائرة على الطاقة من بترول وغاز، ومرة أخرى يبدو أن الدولة الروسية أخذت على حين غرة في قرار أممي آخر سيكون ذا تبعات كبيرة جداً على الأوضاع في المنطقة.. فبالتبعية سيشمل ذلك تقليص النفوذ الإيراني وحزب الله، وكل ذلك سيتم بذريعة «داعش»، الذي نفخ فيه الأميركيون والغربيون بهذه الصورة وكأنه دولة بالفعل.