كتب أنور عبدالعزيز ناصر:
في الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة إلى اتخاذ إجراءات لمحاربة ظاهرة الاتجار بالبشر، وتحسين صورة الكويت أمام المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، تبرز ظاهرة أقل ما توصف به أنها مهينة للكرامة الإنسانية، ألا وهي الإعلان عن بيع الخادمات عبر الصحف الإعلانية ومواقع التواصل الاجتماعي، بل عبر لافتات تعلق في بعض الشوارع وعند إشارات المرور.
وعلى غرار بيع السلع والمستلزمات الحياتية، تصدم الضمير الإنساني إعلانات من قبيل «للتنازل خادمة مطيعة.. أنيقة من جنسية آسيوية تجيد اللغتين الإنكليزية والعربية».. وإعلان آخر «للبيع خادمة مسلمة ملتزمة تجيد الطبخ وتربية الأطفال.. أمينة مهذبة».. و«للتنازل سائق آسيوي يعرف كل مناطق الكويت وعلى قدر كبير من الأمانة والإخلاص».. و«للتنازل فوراً خادمة مؤدبة ونظيفة وتجيد كل الأعمال المنزلية وماهرة في طبخ الأكلات الكويتية…»!
تحرك.. ولكن!
وبعد أن تحرَّكت إدارة العمالة المنزلية – التابعة لوزارة الداخلية، وبناءً على توصيات وانتقادات من منظمات حقوقية دولية، لتعديل مسمى «خادم» إلى مسمى عمالة منزلية، نسيت الجهات المختصة، أو تناست، ملاحقة الإعلانات، التي تنتهك حقوق العمالة المنزلية، وصيغة بعض الكفلاء لإعلانات تصب في خانة «تسليع البشر».. أي تحويلهم إلى سلعة تباع وتشترى بلا أدنى حقوق إنسانية.
ويرى حقوقيون أن هذه الإعلانات تعد سوق رقيق عصريا، وإلا كيف يُعلن عن بيع الخدم بهكذا طريقة لا تراعي الكرامة الإنسانية وتعد ترويجاً لنخاسة عصرية؟!
وعلى غرار بيع الأثاث المنزلي والسلع الأخرى، يتم الترويج للتنازل عن خادمات وتبيان مواصفاتهن الجسدية وسماتهن الخلقية، وعلى رأسها الأناقة والأمانة وبهاء الشكل وغيره، ولا يضع الكفلاء المعلنون أن الخادمة إنسانة تعمل بكرامتها في دولة الرفاة، بعد أن حملت أمتعتها وقصدت البلاد، من أجل تحسين وضعها بعرق جبينها، وربما لم تكن تتصوَّر أن تصل بها الحال إلى عرضها كسلعة تباع وتشترى!
أين القانون؟
ويطرح ناشطون حقوقيون العديد من التساؤلات، أبرزها أين القانون من هذه الإعلانات المنتشرة بلا رادع حول بيع الخادمات وسائر أصناف العمالة المنزلية؟ وأين الجهات المختصة التي يفترض أن تراقب هذه الإعلانات وتضبط المسيئين لصورة الكويت أمام المحافل الدولية؟
ويؤكد المراقبون لأوضاع العمالة الوافدة في البلاد، أن الإجراءات الأخيرة لتنظيم سوق العمل، وإقرار الحقوق المشروعة للوافدين، لم تؤت ثمارها بعد، إذ لا تزال الانتهاكات مستمرة من قِبل بعض الكفلاء بحق المكفولين، بيد أن الخادمات هن الأكثر تعرضاً للانتهاكات الجسدية والنفسية.. فبعض الخادمات لا يحصلن على الرواتب بصورة منتظمة، فضلاً عن حرمانهن من حقهن في الحصول على إجازة أسبوعية، وتحميلهن أعباء فوق طاقتهن، وتعمد بعض الأسر إلى تشغيل الخادمة لساعات تزيد على 12 ساعة، وأخريات يكنّ في عمل دائم من الصباح حتى موعد النوم.
وبعد أن رفعت إدارة العمالة المنزلية كتاباً إلى مجلس الوزراء (ناقشه قبل أسبوعين) وأقر تعديل مسمى الخدم إلى العمالة المنزلية، يرى حقوقيون أن هذا القرار يظل شكلياً، ما لم تتبعه خطوات جادة وعاجلة من أجل تحسين أوضاع العمالة المنزلية، ولاسيما الفتيات وإقرار حقوقهن كاملة، من خلال قانون ينظم استقدامهن وعملهن، ويضمن عدم المتاجرة بهن، سواء عبر إعلانات «تسليع البشر»، فضلاً عن معاقبة الكفلاء الذين تسول لهم أنفسهم هضم الحقوق وتأخير الرواتب والإقدام على انتهاكات جسدية ومادية ونفسية بحق الخدم.
ما الحل؟
ويشدد المراقبون على اتخاذ خطوات عاجلة في هذا الشأن، منها:
● حظر إعلانات بيع الخادمات، وملاحقة الصحف التي تنشر مثل هذه الإعلانات.
● التعجيل بقانون تنظيم العمالة المنزلية.
● تشديد العقوبات بحق الكفلاء الذين ينتهكون حقوق الخدم.
● إقرار آلية جديدة لمراقبة أوضاع العمالة المنزلية، ورصد أي انتهاكات بحقهم.
● منع أي كفيل يثبت تورطه في هضم الحقوق والتلاعب بالعمالة المنزلية من كفالة هذه العمالة خلال فترة محددة، وحرمانه نهائيا من الكفالة إذا ثبت تماديه في هذه العمالة.
● مراقبة مكاتب استقدام العمالة المنزلية، وإغلاق من يثبت تلاعبه بهذه العمالة.
انتحار الخادمات
وتشير الإحصاءات – غير الرسمية- لوزارة الداخلية إلى أن معدلات انتحار الخادمات تزايدت بصورة ملحوظة خلال العامين الأخيرين في البلاد، حيث انتحرت نحو 43 خادمة آسيوية في مناطق مختلفة.
واستغرب حقوقيون عدم تحرُّك الجهات المختصة، لبحث هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع الكويتي، ووضع الحلول اللازمة لها.
خطف ومتاجرة
وأكدت مصادر مسؤولة في وزارة الداخلية، أن قضايا خطف الفتيات الآسيويات ارتفعت خلال العام الحالي، فضلاً عن ضبط عصابات تخطف الخادمات الهاربات من كفلائهن وتخفيهن في مساكن سرية، ومن ثم بيعهن لكفلاء جدد.
وحذرت المصادر من أن يد «الداخلية» وحدها لا تصفق، والمطلوب تعاون الجهات الأخرى المختصة، لمنع هذه الظواهر الغريبة والمسيئة للكويت، وملاحقة بعض مكاتب العمالة المنزلية التي تتلاعب بالخادمات وتتاجر بهن.