كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
سمعنا كثيراً عن خطط مؤسسة البترول الكويتية و«إستراتيجية 2020»، للوصول بإنتاج الكويت النفطي إلى 4 ملايين برميل من النفط يوميا، وقد لاقت هذه الاستراتيجية اعتراضات كثيرة من قِبل متخصصين في الشؤون النفطية، معتبرين ذلك اندفاعا غير محسوب العواقب في استنزاف ثروة وحيدة تملكها البلاد على حساب المستقبل، في ظل عدم توافر أرقام دقيقة عن الاحتياطي النفطي المؤكد للكويت، وهو ما يجعل رفع الإنتاج بما يقارب الضعف من 2.2 مليون برميل إلى 4 ملايين برميل يوميا عملية غير محسوبة العواقب.
وموضوع حديثنا الرئيسي هنا، احتمالية فقدان النفط الكويتي بعض أسواقه خلال المرحلة المقبلة، وعناد مؤسسة البترول، وإصرارها على زيادة الإنتاج إلى 4 ملايين برميل يوميا .
فمع إصرار مؤسسة البترول على زيادة الانتاج إلى 4 ملايين برميل يوميا، والتهديد بفقدانها عقودا وزبائن، يظهر على السطح سؤال، هل الكويت بحاجة إلى زيادة انتاجها النفطي؟ وهل العالم مستعد لتقبل الزيادات القادمة من النفط الخام من الدول المنتجة للنفط، والتي منها العراق، الذي يخطط لزيادة انتاجه إلى 7 ملايين برميل، وإيران التي تسعى للوصول إلى نفس الرقم (في حال رفع العقوبات عنها)، بعد التقارب مع أميركا ودول الغرب، مع الوضع في الاعتبار اكتفاء الولايات المتحدة ذاتيا، وتحولها إلى أكبر دولة منتجة للنفط بنهاية عام 2018، بعد ثورة النفط الصخري التي تشهدها، بالإضافة إلى الزيادات المتوقعة من إنتاج النفط الصخري في كل من الأرجنتين والجزائر وروسيا.
فهذا كله يعني تشبع الأسواق وفوائض في المعروض النفطي، وهذا ما فطنت اليه المملكة العربية السعودية، وأعلنت أنها لن تزيد طاقتها الإنتاجية من النفط إلى أكثر من 12.5 مليون برميل، وستحافظ على هذا المعدل حتى نهاية 2030.
في المقابل، نحن في الكويت لدينا إصرار كبير على زيادة الانتاج في الوقت الذي من المحتمل أن نفقد جزءا كبيرا من أسواقنا، وكل مشاريعنا النفطية الداخلية والخارجية معطلة، وهذا يعني أننا لسنا في حاجة إلى هذا الانتاج الكبير.
لذلك، من الأفضل في ظل هذه الظروف مراجعة استراتيجية مؤسسة البترول، وبدلاً من أن يكون كل تركيزها على كيفية الوصول بالإنتاج إلى 4 ملايين برميل يوميا، يجب أن تقوم على كيفية المحافظة على أسواق النفط الكويتية الحالية، وفتح أسواق جديدة تستوعب أي زيادة في الإنتاج، والتركيز على مشروعات زيادة الطاقة التكريرية التي تخدم العديد من الصناعات، في ظل احتدام المنافسة بين دول «أوبك» ودول من خارج «أوبك»، وتنافس جميع دول منطقة الخليج في الاستحواذ على أكبر حصص في الأسواق الآسيوية مستقبلا بشتى الطرق والوسائل، وخاصة مع العودة القوية المتوقعة للعراق وإيران، فالمؤكد أن الفترة القادمة ستكون من أبرز مميزاتها حرب أسعار وحرب أسواق بين الدول النفطية. لذلك، على الكويت أن تعي جيدا أنها مهددة بفقدان بعض أسواقها النفطية، وذلك قائم على جملة من الأسباب نوجزها في الآتي:
1- الإعلان عن خسارة عقود نفطية مع دول آسيوية
جاءت الأخبار التي نقلتها وكالة رويترز، خلال الشهر الماضي عن مصادر خاصة بها، والتي أشارت إلى أن الشركة الحكومية الصينية «سينوكم» تعتزم استخدام الخام العراقي لتشغيل 40 في المائة من طاقة مصفاة جديدة سيبدأ تشغيلها التجريبي نهاية العام الحالي، متخلية بذلك عن اتفاق أولي لاستخدام النفط الكويتي الأغلى ثمنا.
وقالت الوكالة إن «سينوكم» كانت قد توصلت إلى اتفاق غير ملزم وقعته في 2007 مع الكويت لشراء 240 ألف برميل يوميا من النفط الكويتي لمجمع «تشيوانتشو»، مشيرة إلى أن الشركة الصينية لن تفي بالاتفاق إلا جزئياً، لافتة إلى أن حجم ما ستحصل عليه من الكويت قد لا يتجاوز مليوني برميل كل ثلاثة أشهر، أي نحو 22 ألف برميل يوميا، وهو ما يقل عن عشر حجم الاتفاق الأولي.
وعلى الفور، وعقب نشر هذه الأخبار، سارعت مؤسسة البترول الكويتية بالتأكيد أن الكويت لم تخسر أي عقود نفطية، وجميع النفط الكويتي مباع، سواء للصين أو لسواها.
ولكنها أشارت في النفي ذاته إلى أن الاتفاق «الكويتي – الصيني» لم يكن أكثر من مذكرة تفاهم غير ملزمة للطرفين، والطرف الصيني ارتأى أثناء تشغيل المصفاة الاستعانة بنفط خفيف من العراق، في حين أن النفط الكويتي ثقيل، وهو ما يشير إلى أنه كان هناك اتفاق فعلا، وأن النفط الكويتي بدأ يفقد بعض الاتفاقيات المتوقعة مستقبلا لصالح النفط العراقي، وهذا ينذر بفقدان عقود نفطية موقعة بالفعل مع دول آسيوية، أو حتى عدم تجديدها مستقبلا، وخصوصا أن النفط الكويتي من النوع الثقيل والنفط العراقي من النوع الخفيف، ما يعطيه ميزة الأفضلية. والغريب في الأمر أنه عند الحديث عن احتمالية فقدان هذه العقود، يخرج علينا المسؤولون في مؤسسة البترول بالقول بأن الطلب على النفط في الصين يتزايد سنوياً بشكل كبير، والمؤسسة لديها العقود والطلبات لزيادة الكميات النفطية المصدّرة للصين وللدول الآسيوية الأخرى، وتظل هذه النغمة تتردد حتى نفقد عقدا تلو الآخر مع المنافسة الكبيرة من الدول الأخرى.
2- ارتفاع إنتاج العراق من النفط، وسعيه لاقتحام أسواق دول الخليج
الارتفاع المتتالي لإنتاج العراق من النفط يهدد، وبقوة، أسواق دول مجلس التعاون النفطية، والطموحات العراقية في زيادة الإنتاج كبيرة جدا، فقد كشف تقرير اقتصادي صدر مطلع أكتوبر الماضي عن وجود مخاوف حقيقية لدول الخليج العربية من ارتفاع انتاج العراق من النفط، فزيادة الانتاج العراقي قد تخلق “تخمة نفطية” في السوق تهوي بالأسعار إلى مستويات تقل كثيرا عن مستوياتها الحالية فوق 100 دولار للبرميل.
وأوضح التقرير أن من العوامل التي سوف تؤثر بشدة في السوق النفطية الزيادة الكبيرة التي يشهدها الإنتاج العراقي حاليا، والذي بلغ أخيرا نحو 3.4 ملايين برميل يوميا، وهو المستوى الأعلى له منذ عام 1979، ويُعد أحد العوامل التي يمكن أن تهدد الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية.
وبحلول عام 2020 ستبلغ القدرة الإجمالية لصادرات العراق، وفقا لخطط الحكومة إلى 7.5 ملايين برميل في اليوم. وهناك زيادة كبيرة في الطلب على النفط العراقي، بفضل عملاء آسيا وعلى رأسهم الصين، التي من المتوقع أن تستورد 900 ألف إلى مليون برميل يومياً العام المقبل، والهند التي ستصل إلى حوالي 400 ألف برميل يومياً.
3- التقارب الأميركي – الإيراني
من المتوقع أن ينعكس هذه التقارب على أسواق النفط، مع احتمالية عودة إيران لاعبا رئيسا في السوق النفطية، وقد استعدت إيران جيدا للعودة القوية إلى الأسواق النفطية، حيث أعلنت مطلع نوفمبر الجاري أنها على استعداد لشحن النفط مجاناً إلى بعض زبائنها، ومنهم الهند، التي تعد من الدول الكبرى المستهلكة للنفط في القارة الآسيوية، وكل ذلك من أجل تعزيز مبيعاتها وكسب عملاء جدد، وهو ما يعني اشتعال المنافسة في الأسواق، في حال فك الحظر المفروض على صادرات النفط الإيرانية.
وذكرت تقارير صحافية، أن عملاء إيران المتبقين في الهند قد يستفيدون من إعفائهم من تكلفة شحن تتراوح بين 70 سنتا ودولار للبرميل عند شراء الخام من إيران.
كما ذكرت أن طهران تعرض على المشترين الهنود أيضا خصما في سعر النفط إذا زادت شركات التكرير من حجم مشترياتها. هذا إضافة إلى أن إيران تمنح شركات التكرير الهندية فترة سماح مدتها 90 يوما، لدفع ثمن مبيعات الخام، فيما يتمسك معظم المنتجين الآخرين بفترة سماح مدتها 30 يوما. وهذا العوامل مجتمعة قد تجذب الكثير من الشركات إلى تفضيل التعاقد على شراء نفط إيراني من دون الشراء من الدول الخليجية ومنها الكويت، وهذا بدوره يعني فقدان عقود نفطية كويتية مع الهند.
4- تأخر تنفيذ المشاريع النفطية الكويتية
تأخير تنفيذ المشاريع النفطية الكويتية يعطي سببا كافية لعدم زيادة النفط على الأقل في الفترة الحالية، إذ إن التأخير في تنفيذ مشاريع مثل المصفاة الرابعة التي يدور الحديث عنها منذ العام 2006، ومشروع الوقود البيئي، ومشروع مجمع بتروكيماويات الصين الذي يخرج من خلاف إلى خلاف جديد منذ العام 2006، وكذا مشروع مصفاة فيتنام، يُعد من الأخطار المحتملة، في حال زيادة الإنتاج، فأي زيادة في الإنتاج في حال عدم وجود أسواق خارجية لها سيكون من الصعب استيعابها محليا، فقدرة المصافي القائمة حاليا لا يمكنها استيعاب أي زيادة جديدة في الإنتاج.
5- تراجع أسعار النفط
إلى مستويات لا تشجع
على زيادة الإنتاج
إن غالبية التوقعات تشير إلى أن الأسواق النفطية سوف تشهد وفرة كبيرة من المعروض خلال الأعوام المقبلة، وهذا بدوره سيقود أسعار النفط إلى مزيد من التراجع، وهو ما حذر منه صندوق النقد الدولي الكويت، فقد حذر ممثلون عن «صندوق النقد» خلال الاجتماع الذي عقد في لجنة الميزانيات والحساب الختامي بمجلس الأمة من حدوث عجز كبير في الميزانية العامة للدولة، وتوقع «الصندوق» أن يتراوح سعر برميل النفط من 65 إلى 70 دولاراً من الآن وحتى العام 2018، وهو ما سينجم عنه عجز كبير في الميزانية العامة للدولة. ومع تسليمنا بأن بعض تقارير صندوق النقد «مسيسة» وتخدم في بعض الأحيان مصالح الدول العظمى، إلا أن الأمر يدعو إلى الخوف والحذر والتحوط في الوقت نفسه من الاندفاع نحو زيادة الإنتاج، في ظل توقعات ومخاوف من تراجع الأسعار، ومخاوف أيضا من فقدان عملاء.
6- زيادة انتاج أميركا
من النفط الصخري
يوما بعد يوم يزداد تهديد النفط الصخري لأسواق النفط، وهذه التهديدات، وإن كانت في الماضي محض تخمينات، إلا أنها تحوَّلت في الوقت الراهن إلى حقيقة ملموسة، مع الإعلان نهاية الأسبوع الماضي بأن إنتاج النفط الأميركي تجاوز الواردات للمرة الأولى منذ عقدين.
فقد أظهرت إحصائيات ادارة معلومات الطاقة الأميركية، أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام تخطى واردات النفط الشهرية في أكتوبر الماضي، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1995، مبينة أن متوسط إنتاج الولايات المتحدة من النفط بلغ 7.7 ملايين برميل يوميا طوال الشهر، في حين انخفضت الواردات إلى أدنى مستوى لها منذ فبراير عام 1991. وهذه أعلى زيادة في الإنتاج منذ 24 عاما، وأكبر تراجع للواردات منذ 17 عاما.
وتشكل زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري تهديدا لجميع الدول المنتجة للنفط، وما يذهب اليه البعض من أن هذه الزيادة لن تؤثر في أسواق النفط الكويتي خطأ كبير، فمع زيادة إنتاج النفط الصخري ستكتفي الولايات المتحدة ذاتيا، وستكون أكبر دولة منتجة للنفط (التقليدي والصخري) مع نهاية 2018، وستوقف استيرادها من النفط الخفيف من الدول الأفريقية مثل أنغولا ونيجيريا، وبالتالي هذه الدول ستبحث عن أسواق جديدة، وستدخل في منافسة شرسة على نفس أسواقنا الآسيوية، وستملك ميزة غير متوافرة لدينا وهي أن نفطها من النوع المميز الخفيف.