كتب محرر الشؤون المحلية:
عند إرسال شحنة ضمن الأمتعة الشخصية عن طريق الشحن الجوي أو الأرضي، وتكون هذه الشحنة مواد قابلة للكسر، يتم وضع ملصق أحمر عليها وصورة كأس للدلالة على أنها قابلة للكسر، لذا يستوجب حملها بعناية عند النقل أو التنزيل.. الكثير من الركاب والمسافرين مروا بهذا الأمر عند قيامهم بشراء بعض المواد الزجاجية ويريدون جلبها معهم في الطائرة عند المغادرة أو العودة من مكان ما.
أتذكر هذا الملصق وأنا أفكر بحكوماتنا المتواصلة، وأتخيَّل أنه يفترض ابتكار ملصق مشابه، ليتم وضعه على ظهر كل حكومة حال تشكيلها، على أن يتم اختيار صورة على الملصق تبيّن أن هذه الحكومة «قابلة للاستجواب»، وذلك لكي «يعتني» بها أعضاء مجلس الأمة عند تناولهم لها وملاقاتها في مجلس الأمة.
حكوماتنا سريعة الاستجواب، وقابلة للكسر، ليس لأنها مصنوعة من زجاج خفيف، بل لأن أفعالها هشة، كهشاشة زجاج الكريستال، وعلى النواب التعامل معها بعناية و«على هونهم»، حتى تستمر العلاقة بينهما بشكل اعتيادي، وتستمر في أداء أعمالها من دون تغيير أو تبديل.
استهلال مفاجئ
فبعد انتخابات مجلس الأمة الأخيرة، والتي جرت في صيف رمضاني حار، وبعد عقد جلسة واحدة لتشكيل هيئة المجلس، انعقدت جلسة واحدة، استكمل بها المجلس اختيار أو انتخاب أعضاء اللجان في الدور التشريعي، وكانت أقرب لجلسة افتتاح، على أن تمارس اللجان أعمالها تشريعاً ورقابة ضمن الأولويات لدى الحكومة أو مجلس الأمة.. ثم يا فتاح يا عليم لم تمضِ أيام على هذه الجلسة، وقبل عقد الجلسة الثانية، ليستهل المجلس أعماله المدرجة على الجدول، حتى توالت الاستجوابات، الأول من النائب رياض العدساني، موجها لرئيس مجلس الوزراء، وتمحور حول السياسة العامة للدولة، وما هي إلا أيام، حتى لحقه النائب حسين القويعان باستجواب مقدم لوزير الدولة وزير الصحة العامة، وبعد أيام معدودة تم تقديم استجواب آخر من النائب د.خليل أبل لوزيرة التخطيط رولا دشتي.. وهكذا، توالى تقديم الاستجوابات قبل انعقاد جلسة يوم الثلاثاء الماضي.
غياب نواب «التأزيم»
وهنا نورد ملاحظة، مفادها أن من كان يُطلق عليهم «النواب المؤزمون» ومعطلو خطة التنمية.. وغيرها من الصفات، ليسوا موجودين أساساً في هذا المجلس، وخارج الدائرة البرلمانية، وبالتالي، لم نقرأ مقالات هجومية لعدد من كُتاب صحافتنا اليومية ممن اعتدنا منهم على هجوم متواصل عندما كان يتم تقديم استجوابات في مجالس سابقة من قِبل نواب المعارضة، فقد التزم هؤلاء الكُتاب جانب الصمت، وحتى الآن لم يطلقوا على النواب مقدمي الاستجوابات أي صفة، ولم يقوموا بمهاجمتهم، كما كانوا يفعلون سابقا.. فمن يهاجمون مادام نواب ما يطلق عليهم «نواب التأزيم» خارج إطار الصورة البرلمانية حاليا، ولم يترشحوا أو يخوضوا الانتخابات؟ في حين لا يمكن في الوقت ذاته إطلاق هذه الصفة على من قدم الاستجوابات الثلاثة الأخيرة، والقول بأنهم مؤزمون، وخصوصا أنهم يمثلون كافة أطياف التقسيم المجتمعي التقليدي.. المهم أن هؤلاء الكُتاب سكتوا مع بداية «الموسم» الاستجوابي الأخير الذي استهل حتى قبل عقد الجلسات الاعتيادية لمجلس الأمة.
عقلية وزارة الصحة
نكرر أن حكوماتنا قابلة للاستجواب، ولنأخذ الأمر بقدر موجز، وليس كليا بالتفاصيل.. وزير الصحة العامة لم يهتم بالتأخير الذي شاب إنجاز مستشفى جابر بالقدر الكافي، أو نظر بعيون واسعة إلغاء أربع مناقصات خاصة بوزرائه، جراء المغالاة بالأسعار، كما لم يهتم بموضوع ارتفاع أسعار الأدوية في السوق الكويتي، فعلى سبيل المثال لا الحصر دواء diovan يُباع في السوق الأردنية بمبلغ 4.250 دنانير كويتية، وفي السوق السعودية بمقدار 7.250 دنانير، أما في الصيدليات الخاصة الكويتية، فيباع هذا الدواء بعبوته ذاتها بمبلغ 19.600 ديناراً!
وقس على ذلك كافة الأدوية الأخرى، علماً بأن الأردن من الدول المعروفة بفرض ضرائب عالية، لتعزيز ميزانياتها المتهالكة.. وزير الصحة لم يهتم كذلك بتردي الخدمات الطبية، وهو نفسه تلقى مكالمة من أحد المواطنين يناشده توفير سيارة إسعاف لنقل مريضة لديه، بعد أن تأخرت عملية نقلها للمستشفى لساعات، بسبب عدم وجود سيارة إسعاف واحدة في المستشفى الأميري.
هذه الحادثة لم يتم تناقلها بشكل قد يشوبه سوء الفهم أو تقصير في نقل المعلومة، بل جرت مباشرة ما بين الجهة المتضررة والوزير.. قد لا يكترث وزير الصحة للمعاناة التي يتكبَّدها المراجعون في المستشفيات، من جراء الازدحام وتباعد المواعيد، بحيث غدا ما يشبه العرف لدى المرضى بأن عليهم توفير واسطة ما للوصول إلى الجهة الطبية من دون تأخير أو سوء معاملة.. بالطبع، وزير الصحة لا يمر بمثل هذه الأمور، نظرا لمنصبه السياسي، وفوق ذلك وضعه الاجتماعي، ولا نعتقد بأنه عاش تجربة مماثلة طوال حياته وشعر بما يشعر به الكثير من المواطنين عند المراجعات الطبية.. وكم من المرضى المواطنين أو المقيمين توجهوا للأطباء الخاصين وأنفقوا أموالا طائلة لتلقي العلاج، كونهم لا يملكون المعرفة والوصول للطبيب المعني، أو لأن المواعيد الطبية بعيدة جداً، بحيث لا يتحمَّل المريض طول الفترة الزمنية من الانتظار.. هذه الأمور تحتاج لجهد إداري غائب عن بال وزير الصحة، لكنه في الوقت ذاته سارع بشكل صاروخي في نقل إحدى الأخصائيات من مكان عملها لمكان آخر، بسبب عدم تنفيذها لأمر وجه لها ممن لديهم علاقات مع أحد أعضاء مجلس الأمة الحالي.. فأصدر قرار النقل باسمه وتوقيعه، وهو إجراء عادة ما يصدر بتوقيع من وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد المعني بالأمر، إلا أنه وبتوقيعه على القرار يعطي رسالة للنائب، مفادها أن من عصت أوامري تنفيذا لطلبك تم نقلها إلى مكان آخر!
فإذا كانت الأمور تدار الآن في وزارة الصحة من باب الترضيات لبعض النواب، فكيف سيكون الوضع بالنسبة للعلاج في الخارج إن كانت القاعدة رأسية على تنفيذ رغبات بعض النواب، حتى لو أتت متناقضة مع الجانب الفني؟!
بهذه العقلية وهذه التصرُّفات تدار الأمور في الجهة التي تعنى بصحة الإنسان!
تجاوزات وزارة الإسكان
وزير الإسكان الذي كان يتولى هذا المنصب في هذه الوزارة، وفي الوزارة السابقة أحال المدير العام السابق مع خمسة من القياديين إلى النيابة العامة، هذا ما أوردته الصحف الأسبوع الماضي.. والعجيب، وضمن العقلية ذاتها التي تتصرَّف من خلالها وزارة الصحة، لم يُذكر في خبر وزير الإسكان من أحالهم للنيابة العامة إلا اسم المدير العام السابق، فهل هو نوع من الثأر، جراء استقالته وقيامه بعقد مؤتمر صحافي تحدَّث فيه عن التجاوزات والفساد والترضيات في هيئة الإسكان؟
المهم فحوى الخبر، أنه تم تحويلهم للنيابة، وكأن وزير الإسكان الذي أمضى أشهر في هذه الوزارة اكتشف خلال هذه الأيام فقط أن هناك تجاوزات ترقى إلى تحويل هؤلاء القياديين للنيابة، مع أن هيئة الإسكان أصبحت منذ سنوات من هواة تجميع طلبات الرعاية السكنية، فزادت الأعداد الخاصة بالطلبات الإسكانية، لتصل إلى ما يربو على المائة ألف طلب، وهو أحد محاور الاستجواب المقدم لرئيس مجلس الوزراء من النائب رياض العدساني.
إهمال وزارة التجارة
لننتقل إلى وزارة التجارة والصناعة في الخبر الصحافي الذي أشارت إليه جريدة «القبس»، ومفاده أن وزارة التجارة والصناعة خسرت 80 في المائة من القضايا المرفوعة على أطراف تجارية لها علاقة بعرض مواد غذائية غير صالحة للاستخدام الآدمي، كون الوزارة لم تتبع الإجراءات السلمية المتبعة في تقديم الدعاوى، كما يفترض، ما أدَّى إلى تبرئة من رفعت بحقهم الدعاوى القضائية، وهنا علينا أن نربط خسارة وزارة التجارة للدعاوى التي رفعتها وفق قانون الهيئة العامة للغذاء الذي شرعه المجلس المبطل الأخير، والذي نصت أحد بنوده على أنه يحق لهيئة الغذاء هذه إغلاق المنشأة التجارية التي خالفت أو عليها مخالفات حتى صدور الحكم القضائي النهائي، وهذا يعني أنه يحق للهيئة إغلاق المنشأة التجارية بأوامر إدارية حتى صدور حكم الاستئناف، ولو كان هذا الأمر مطبقاً عند رفع دعاوى وزارة التجارة، لتم إغلاق تلك المؤسسات لفترة زمنية قد تطول، حتى يصدر حكم نهائي بالأمر، وفي حال الحصول على البراءة، بموجب الحكم القضائي النهائي، كما حدث في الدعاوى الحالية، فالمتضرر الوحيد هو من طبقت بحقه المواد القانونية لهيئة الغذاء التي صدرت أخيراً.
عبث وزارة الإشغال
هل نتحدَّث عن وزارة الأشغال التي صرخ وزيرها عالياً بأن المناقصات التي أرسيت لتنفيذ أربعة مستشفيات وتم إلغاؤها جراء المغالاة الفاحشة في الأسعار المقدمة لتنفيذها وهي خالية من المخططات التفصيلية؟ أو عن ترسية مناقصة مستشفى جابر والتأخير في التنفيذ بعد توقيع العقد من قبل الوزير السابق للأشغال العامة؟
هل نتحدَّث عن مأساة المرور المستمرة والازدحام الخانق ولا نسمع من الإدارة المعنية في تنظيم المرور – نعيد ونكرر تنظيم المرور- إلا النشرة الأسبوعة للإدارة بـ «إنجاز» 270000 أو كذا ألف مخالفة وسط تعسف مبالغ فيه جداً في الإجراءات المتخذة بحق المخالفين، وكأن لسان المسؤول الأعلى يردد «حيلكم فيهم»؟
قرارات مجحفة ولا مساءلة
لنتطرَّق إلى قرار مجلس الوزراء الذي تم اتخاذه الأسبوع الماضي، والخاص بتعديل بعض أحكام القرار الوزاري برقم 675 لسنة 209 بشأن من أنهيت خدماتهم في القطاع الخاص، بإضافة فقرة من المادة الرابعة من القرار، بحيث يستمر استحقاق البدل باستكمال الصرف مدة ستة أشهر لمن تقل مدة صرف البدل لديهم عن هذه المدة المشار إليها، وينتهي العمل بهذا القرار حتى 2014/4/30.
هذا ما اتخذه مجلس الوزراء من قرار، وهو بموجب تاريخه الأساسي قد بدأ منذ عام 2009 جراء إنهاء خدمات عدد كبير من العاملين في القطاع الخاص بالمؤسسات التي يعملون لديها، وعملية الإنهاء هذه تمَّت قبل إقرار القانون الخاص بالعمل في القطاع الأهلي الذي صدر في فبراير عام 2010، وهذا القرار يعني أن عملية إنهاء الخدمات لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا، كما يعني أيضا أنه لا توجد أي مساءلة للجهات الخاصة، وبعضها ما يشبه المؤسسات الحكومية، نظرا للنسبة العالية التي تساهم في رأسمال تلك المؤسسات، وبالتالي عدم مساءلتها عن المبررات التي قادت إلى إنهاء خدمات العاملين من الكويتيين لديها، فهل هو تقاعس من العاملين أو نتيجة سياسات الإدارة العليا التي قادت إلى تحقيق خسائر مالية كبيرة وراح ضحيتها العاملون من الكويتيين؟ ولا داعي لذكر أمثال تلك الشركات، يكفي فقط الاطلاع على أسعار أسهمها في البورصة الكويتية، أو من تم إيقافها عن التداول منذ سنوات، لمعرفتها واكتشاف التصرُّفات التي اتخذتها الإدارة العليا، وراح ضحيتها العاملون لديها.. وقد مرَّ الموضوع من دون مساءلة، لمعرفة أسباب إنهاء الخدمات والتي لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا.. ويتم هذا الأمر وسط تدفق سنوي لكوادر وطنية أنهت تعليمها وجاهزة لدخول سوق العمل، وبدلا من أن تقوم تلك المؤسسات باستقطابها، تقوم على إنهاء خدمات العاملين لديها من الكويتيين من دون مساءلة أو تحقيق في شأن إنهاء خدماتهم، بحيث شكلت ظاهرة استدعت إصدار قرار من مجلس الوزراء منذ عام 2009، ويمتد حتى 2014 بصرف بدل تسريح من الوظيفة.
تقارير ديوان المحاسبة
وأخيراً، جاء تقرير ديوان المحاسبة في مراقبة المحاسبية في الوزارات والهيئات التابعة لها تحت عنوان موجه للوزارات والهيئات انهم كلهم «في الهوى سوا» في التجاوزات المالية والإجراءات المتعلقة بالقرارات المالية، من هيئة الاستثمار ووزارة الأوقاف، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية والأشغال وغيرها من الوزارات والهيئات الأخرى، ما استدعى قيام بعض الوزارات بتشكيل لجان خاصة لدراسة ملاحظات ديوان المحاسبة، بعض الصحف والكتاب فهموها أنها لجان تحقيق، والحقيقة بموجب نص قرارات الوزراء هي لجان دراسة وليس تحقيق، مخرجات الدراسة تختلف تماماً عن مخرجات التحقيق.
وفي هذا الصدد، يجب ذكر أن عمل ديوان المحاسبة يتم بشكل يومي وأسبوعي وشهري على مراقبة وفحص التصرفات المالية للوزارات والهيئات، ويبدي ملاحظاته دوريا ليتم التصحيح، بمعنى أنه لا يأتي آخر العام أو في فترة ما للكشف عن بنود الصرف، كحال الامتحانات في المدارس، بل عمله متواصل في شأن المراقبة المالية على الوزارات.
والحال هذه تستدعي أن تكون هناك مواكبة يومية من المسؤولين على المستوى الإداري العالي، من وكيل وزارة أو وزير، لتقارير ديوان المحاسبة وليس عند انتهاء التقرير النهائي على أداء الوزارات!
تقارير ديوان المحاسبة طافحة بالتجاوزات والهدر المالي، بحيث أصبح ينظر إليها كمجرد شكل تكميلي لا يؤخذ أي اعتبار له أو حتى يؤخذ بالحسبان، ولاسيما بعد تقليص دور الجهة السياسية الرقابية، ممثلة في مجلس الأمة، بعد العبث الذي حاق بعملها طوال عقود، وأصبحت مثل تلك التجاوزات نوعاً من الحق المكتسب في أداء الوزارات التي لم تعد تأبه بتقرير ديوان محاسبة أو مجلس أمة.
وسم الاستجوابات
في ظل هذه الأوضاع والتصرُّفات التي استمرت لسنوات، فإننا أمام حكومة «قابلة للكسر» أو الاستجوابات المتكررة، وفي الأسبوع الماضي، ما إن انتهى استجواب رئيس مجلس الوزراء، حتى تم تقديم استجواب آخر له، وكما قلنا هو نوع من «الوسم» الدائم للاستجوابات.. وهذا لن يتوقف إلا بوجود حكومة قوية ذات رؤية سياسية تخدم البلد ضمن الأطر والأهداف والتوجهات الدستورية، كما لن يتم إلا بتغيير، وليس تعديل مسار العقلية التي تدير البلد.