
كتب محرر الشؤون المحلية:
هي مجرَّد تصريحات، تأتي أحيانا في مناسبات، وأحيانا أخرى عندما يتولى مسؤول جديد منصباً ما..
وضمن تصريحات المناسبات، ما أدلى به مدير العلاقات العامة في وزارة الداخلية العميد عادل الحشاش، بأنه «بناءً على توجيهات نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وزير الأوقاف بالوكالة، أتمَّت وزارة الداخلية استعدادها للمعالجات المرورية مع بدء المدارس في هذا الشهر».
بداية نقول إن من صميم عمل «الداخلية»، ممثلة بإدارة المرور، أن تعمل قدر جهدها، وبكافة إمكاناتها وطاقتها، لمواجهة الاختناقات المرورية، مع عودة المدارس والجامعات، سواء كانت هناك توجيهات من الوزير، أو من دون توجيهات، ولا يستدعي الأمر أن تأتي الأعمال الاعتيادية أو المفترض القيام بها بعد توجيهات الوزير المسؤول.. هذا واجب، ومن مهام إدارة المرور، ولا داعي للتزلف، وزج اسم الوزير وكافة مسمياته الوظيفية بالموضوع.. ويفترض بوزير الداخلية أن يمنع مثل هذه التصريحات التي تصدر من المسؤول الإعلامي بالوزارة، درءاً لمجاملة المرؤوسين لرؤسائهم، ومحاربة التزلف بغير معنى.. فرجال المرور من أعلى رتبة إلى أدناها يتلقون رواتب شهرية، ليقوموا بعملهم بكل إخلاص وتفانٍ، لا أن ينتظروا توجيهات الرئيس الأعلى لهم.
المرور والتكامل مع البلدية و«الأشغال»
الأمر الآخر، مثل هذه التصريحات مكررة منذ عشرات السنين، وطالما سمعنا أن وزارة الداخلية على أهبة الاستعداد لتنظيم المرور ومعالجة المشاكل والاختناقات المرورية مع عودة المدارس.. تصريحات مكررة صدرت من أكثر من مسؤول، مروراً بوزارة الداخلية.. وما نشاهده في الحقيقة بعد ذلك سيارات المرور واقفة في حارة الأمان وفاتحة إشاراتها الضوئية، ومن في داخلها ممسك بهاتفه النقال يتصفح به، فلديه من رجال المرور ممن يعملون، وليس بالضرورة أن يكونوا متكاسلين، بل في كثير من الأحيان يخرج الوضع عن سيطرتهم في تنظيم المرور، من جراء المساحة الصغيرة والازدحام في بعض المناطق.. في منطقة حولي عدة مدارس خاصة، كالأميركية، بيان، ومدارس أخرى منتشرة في أصغر الشوارع وأكثرها ازدحاماً.. ليس المرور مَن أعطى ترخيص وجود هذه المدارس، بل جهات أخرى، يُضاف إلى ذلك، ما قامت به البلدية بما يشبه «الإجرام»، بإقامة مجمعات سكنية بطوابق كثيرة جداً لا تتناسب مع القدرة الاستيعابية للشوارع إطلاقاً.. ساكنوها يتحركون صباحاً للذهاب إلى أعمالهم أو إيصال أبنائهم للمدارس.. الحركة المرورية ساقطة تماماً هناك، وأكثر من مسؤول مروري نبه إلى هذا الأمر، لكن من دون جدوى، من كل تلك التنبيهات، فلا تزال الأبراج السكنية مستمرة في الظهور من دون توقف.
بالنهاية، العملية المرورية مرتبطة ارتباطا متكاملا مع بلدية الكويت، بالنسبة للتمدد الحضري، ومع وزارة الأشغال العامة بالنسبة لمشاريع الطرق المقامة حالياً، تصميماً وتنفيذاً.
شارع الغزالي
منذ أكثر من عامين وفي عهد الوزير الميمون الأسبق لوزارة الأشغال د.فاضل صفر، تم إغلاق شارع الغزالي في الشويخ الصناعية لعدة أشهر، بغرض مشروع إنشاء شارع الجهراء.. وقد خلق هذا الإغلاق إرباكا مروريا كبيرا في المنطقة وامتدادها، إلى أن اضطروا في النهاية لإعادة فتح شارع الغزالي، بعد إغلاقه لعدة أشهر، وحتى يومنا هذا لايزال مفتوحا، من دون أن يتأثر طريق شارع الجهراء.. إذاً، «الداخلية» عموماً والمرور خصوصاً يفترض ألا ينتظروا التوجيهات الوزارية، بل التنسيق والتكامل مع إدارات أخرى، ممثلة بالبلدية و«الأشغال» و«التربية»، لمعالجة الحركة المرورية، وتوجيهات الوزير ليست عصاة سحرية للتغلب على الحركة المرورية الرهيبة منذ افتتاح المدارس.
الرجاء والأمل
على أي، حال تصريح العميد الحشاش يأتي كنوع من التكرار الموسمي، كظهور «نجم سهيل» في شهر سبتمبر! وما سنواجهه أو بداية المواجهة ستكون مزيدا من الاختناقات المرورية، وما يشبه توقف السير حتى في الطرق السريعة.. لكن ما نرجوه حقاً، هو ألا يتحول التنظيم المروري إلى ما يشبه تمضية الوقت على شاشة المحمول، بل معالجة التقاطعات المرورية و«تسليك» الشوارع الداخلية، من خلال أفراد من المرور في الشوارع، وليس في مركباتهم، وبعضهم قد يكون في غفوة عميقة!

وزيرة الشؤون والتركيبة السكانية
تصريح آخر أعلنته هذه المرة وزيرة الشؤون الاجتماعية وزيرة التخطيط هند الصبيح، وهي بهذه الصفة معنية بكافة أوجه العمالة، وفي الوقت ذاته بكافة الأنشطة والخدمات الحالية والمستقبلية.. تصريحاتها جاءت حول عزم وزارة الشؤون معالجة الخلل بالتركيبة السكانية، وأيضا مثل هذا التصريح كنا نسمعه من طيب الذكر د.عبدالرحمن العوضي، وحتى يومنا هذا على لسان السيدة الصبيح.
بداية، هذا الموضوع ليس ظاهرة تنفرد بها الكويت وحدها، بل يطول كافة الدول الخليجية، فنسبة المواطنين في دولة الإمارات، وفق إحصائيات 2012، لا تزيد على 16 في المائة من مجمل السكان.. وفي قطر نسبة المواطنين من مجمل السكان 20 في المائة.. وهكذا، هو الوضع في دول الخليج، وهي ظاهرة، كما قلنا، لا تنفرد بها الكويت، بل إن نسبة المواطنين في الكويت ضعف نسبتهم في الإمارات.. وكون الوزيرة تتولى منصب التخطيط، فيمكنها بما لديها من معلومات معرفة المشاريع قيد الإنشاء المقرر استخدامها في السنوات أو الأشهر المقبلة.. على سبيل المثال مستشفى جابر، المقرر إنجازه، بحول الله ومشيئته العام المقبل.. على الوزيرة وضع ورقة وقلم لتسجيل تمدد العمالة التي ستتولى العمل في المستشفى، من أطباء استشاريين، إلى التخصصات الأخرى، كالفنيين في الأشعة والمختبرات وغيرها، إلى الكادر التمريضي، إلى عمال النظافة والحراسة وعمال صيانة المبنى في الكهرباء والتكييف.. سيكون لدينا مجموعة كبيرة جداً من المهن، من أصغرها إلى أكبرها، وستعمل وزارة الصحة على تحديد احتياجها لكل مهنة على حدة.. بعد كل ذلك نأتي للجمع، وكما يُقال «حسبة بدو»، ولا داعي للكمبيوتر للوصول في النهاية للعدد المطلوب لإدارة هذا الصرح الصحي الكبير من عاملين.. ستكون النتيجة بالآلاف لكافة المهن، والأغلبية العظمى لن يتولاها المواطنون، بل المقيمون، وما على الوزيرة سوى المرور على المراكز الطبية الموجودة لمشاهدة هذا الواقع.
هذا مشروع من عدة مشاريع ستأتي تباعاً، من مستشفيات قائمة وتوسيعات في البعض منها، إلى مدارس جديدة، إلى مشاريع نفطية وغيرها.. والوزيرة، بحكم منصبها، تستطيع بسهولة أن تحدد هذه المشاريع المقرر إستخدامها في القريب من الزمن، ودراسة المنشآت الحالية، ومعرفة المهن التي ستدير هذه المنشآت من الناحية العددية والجنسية، لتخرج بتصور واضح واقعي، وليس تصريحات سبق أن قيلت مراراً وتكراراً.
فهي مجرد تصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع، تأتي في مناسبات أو وجوه جديدة على العمل الوزاري، وبالتالي، ليس على وزيرة الشؤون إلا مطالعة أرقام مشروع مستشفى الفروانية، الذي كلف 265 مليون دينار، وما تطلبه من احتياجات في العمالة بعد إنجازه.. الأمر ليس كبسة زر عبر تصريح وزيرة الشؤون، ليتم تعديل التركيبة السكانية، فهذا الموضوع ناتج عن تركيب اجتماعي بنيوي تأسس منذ عقود، وسوف يستمر لعقود مقبلة، ضمن متوالية عددية ونسب متزايدة من دون توقف.
كما قلنا، هكذا تأتي التصريحات، قد تكون ذات رنين إعلامي، ولكنها لا تعكس الواقع.