
أزمات مستمرة.. تنمية متوقفة.. تلاعب بمقدَّرات الدولة.. تراجع كبير على كل المستويات.. هذه هي حال الكويت منذ سنوات عدة، وهو ما أدَّى إلى حالة عارمة من الإحباط والتشاؤم نحو مستقبل البلد.
وهذا الوضع ليس وليد اليوم، بل هو نتيجة تراكمات طويلة، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي أوصلنا إلى هذا الوضع؟ وهل فشلنا في إيجاد الحلول الناجعة التي من الممكن أن تنتشلنا مما نحن فيه؟ أم أن هناك أمراً ما يعرقل تنفيذ هذه الحلول؟ الإجابة عن هذه التساؤلات باتت واضحة ومعروفة لدى الجميع، وهي استمرار لما يطرحه البعض اليوم، والتي هي للأسف الشديد قائمة ومطروحة منذ سنوات، وبل سنوات طويلة.
لذلك، رأينا أن من الضروري العودة إلى ذلك الزمن الجميل، كما يفضل البعض أن يطلق عليه، ونقصد هنا السنوات التي سبقت استقلال الكويت عام 1961، وكي نكون أكثر تحديدا، الفترة الممتدة ما بين عامي 1955 و1959، وهي الفترة التي شهدت فيها الكويت تحركات شعبية واسعة، وبدايات تأسيس الدولة الحديثة.
«الطليعة» تستكمل نشر الجزء الثاني من هذه القراءة، والتي تتناول مناقشة القضايا السياسية ذات الإطار المحلي التي سلطت «الفجر» الضوء عليها خلال تلك المرحلة.
الإصلاح السياسي
تناولت افتتاحية العدد الرابع عشر، الصادر بتاريخ 4 مايو 1955، والتي جاءت تحت عنوان «الاتجاه الصحيح»، المحاولات والمطالبات الشعبية بوضع دستور دائم للبلاد وتأليف جمعية تأسيسية ووضع ميثاق وطني، وهو ما التمسته «الفجر» حول ما يُثار حينها، ثم ما لبثت في العدد السابع عشر، الصادر في 1 يونيو 1955، أن أبرزت المطالب الشعبية بانتخاب مجلس واحد يدير البلد، كبديل عن المجالس المتنوعة، التي كانت موجودة، كالمجلس البلدي والصحة والمعارف وغيرها من المجالس، لذلك أشارت إلى أن «الإصلاح هو صمام الأمان ضد الانهيار والفوضى، الذي سوف ينتاب حياتنا، إذا استمرت أوضاعنا كما هي، فالرجل يريد الإصلاح، كي يضمن مستقبل أبنائه، والشاب يريد الإصلاح، كي يشعر بأنه يعيش حياة كريمة، وأنه يعيش كمواطن حُر في بلد حر، يتعاون فيه الجميع لخير الجميع.. إننا نتطلع إلى صون كرامة الفرد وحريته عن طريق تأمين حياة الجميع».
وفي العدد ذاته، وجهت الدعوة لكل فئات المجتمع بالتوقيع على العريضة الشعبية التي قدمت في تلك الفترة للأمير الراحل عبدالله السالم، المنادية بإقامة «مجلس واحد منتخب انتخاباً سليماً».

توقف وعودة
بعد هذا العدد، توقفت «الفجر» عن الصدور، بعد أن اشترط وقتها قانون المطبوعات على رئيس التحرير بالتفرغ التام، لذلك توقفت ما يقارب ثلاث سنوات، ثم عاودت الصدور مرة أخرى في 10 مارس 1958، وعادت من جديد لتمارس دورها التوعوي والتنويري.
ففي عددها الـ 25 الصادر في 6 مايو 1958 أبرزت المطالب الشعبية بمجلس موحد منتخب على صدر صفحتها الأولى، وتناولت ما حدث في انتخابات 1958، عندما قام المسؤولون بإلغاء النتائج، بعدما رفضوا فوز عدد من المرشحين، وطالبوا باستقالتهم، وذهبوا إلى مبدأ التعيين، والذي هو بمثابة «إهانة لكرامة المواطنين»، كما أن «إبعاد بعض الأشخاص استهتار واستخفاف بالجميع»، مشيرة في الوقت ذاته إلى عدم السكوت «عن كل من يتآمر على الشعب، فيقبل بالحلول الوسط، ولقد آن الآوان لفضح الدجالين والوصوليين وتجار الوطنية وعزلهم عن الشعب».
ولكن أين تكمن المشكلة؟ ولماذا الخوف من الانتخابات والاتجاه نحو التعيين؟
«الفجر» في عددها الـ 30، الصادر في 10 يونيو 1958، شخصت ذلك في «أن المشكلة التي تعانيها الكويت، هي: هل لأهل الكويت الحق بإدارة شؤون بلدهم أم لا؟.. هذه هي المشكلة التي نعانيها».
خاتمة
نعم، لقد لامست جريدة «الفجر» الهمّ الشعبي الكويتي منذ بداياته، ولعل إجابتها حول السبب وراء الأزمات في الكويت يؤكد حقيقة واحدة، أن هناك مَن لا يريد للشعب المشاركة في إدارة شؤون البلد، وهذه هي المعضلة الأساسية التي تعرقل كل شيء، وتوقف الحال، وتصل به إلى مرحلة الجمود.
مراجع ومصادر:
1- جمعية الخرجيين الكويتية: الفجر لسان حال نادي الخريجين (1955 – 1959)، الكويت 2014
2 – محمد حسن عبدالله: صحافة الكويت رؤية عامة بين الدوافع النتائج، منشورات مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، الكويت 1985.
3 – إدارة البحوث الترجمة: صحافة الكويت قبل الاستقلال، الكويت، وزارة الاعلام، 1997.
4 – أحمد الخطيب: الكويت من الإمارة إلى الدولة، بيروت، المركز الثقافي العربي، 2007.