
كتب علي حسين العوضي:
أزمات مستمرة.. تنمية متوقفة.. تلاعب بمقدَّرات الدولة.. تراجع كبير على كل المستويات.. هذه هي حال الكويت منذ سنوات عدة، وهو ما أدَّى إلى حالة عارمة من الإحباط والتشاؤم نحو مستقبل البلد.
وهذا الوضع ليس وليد اليوم، بل هو نتيجة تراكمات طويلة، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي أوصلنا إلى هذا الوضع؟ وهل فشلنا في إيجاد الحلول الناجعة التي من الممكن أن تنتشلنا مما نحن فيه؟ أم أن هناك أمراً ما يعرقل تنفيذ هذه الحلول؟ الإجابة عن هذه التساؤلات باتت واضحة ومعروفة لدى الجميع، وهي استمرار لما يطرحه البعض اليوم، والتي هي للأسف الشديد قائمة ومطروحة منذ سنوات، وبل سنوات طويلة.
لذلك رأينا أنه من الضروري العودة إلى ذلك الزمن الجميل، كما يفضل البعض أن يطلق عليه، ونقصد هنا السنوات التي سبقت استقلال الكويت عام 1961، وكي نكون أكثر تحديدا، الفترة الممتدة ما بين عامي 1955 و1959، وهي الفترة التي شهدت فيها الكويت تحركات شعبية واسعة، وبدايات تأسيس الدولة الحديثة.
واختيارنا لهذه الفترة بالذات يرجع أساساً إلى الإصدار الذي أصدرته جمعية الخريجين الكويتية في أبريل الماضي، ضمن احتفاليتها بالذكرى الخمسين لتأسيسها، والذي هو عبارة عن مجلد يضم بين دفتيه مجموعة من أعداد جريدة الفجر الكويتية، التي صدرت في الفترة المشار إليها، وكانت تمثل لسان حال نادي الخريجين وقتها، قبل أن يتحول إلى جمعية الخريجين عام 1964.
وعندما نتصفح الأعداد المتوافرة من هذه الجريدة في هذا الإصدار، والذي لم يستطع معدوه الحصول على الأعداد الكاملة منه، نجد أنها ناقشت الأوضاع السياسية المحلية القائمة حينها، ونقلت هموم المواطن وتطلعاته، وألقت الضوء على الأزمة السياسية التي كانت تمر بها البلاد في تلك الفترة، والتي تتمثل بصورة مباشرة في «الإدارة»، وخصوصاً إذا ما علمنا بأن تلك الفترة شهدت تحركات ومطالبات شعبية بانتخابات موحدة للمجالس التنفيذية.
وتناولت أيضاً قضايا مجتمعية أخرى، كالمرأة والثقافة، ونقلت الأخبار المحلية، سواء في ما يختص بشؤون الدولة وإداراتها، أو الأخبار الرياضية، كما أنها رصدت الوضع العربي المشتعل، سواء في العراق أو سوريا أو الجزائر، كما أبرزت الدور القومي الذي قام به المجتمع الكويتي في الدفاع عن القضايا العربية ودعمها.
تولّى تحرير الجريدة كل من: خالد الخرافي وعبدالوهاب محمد ومرزوق خالد الغنيم، وفي العدد الثامن عشر أصبح يعقوب الحميضي رئيساً لتحريرها.
ظروف العمل والصعوبات
عن هذه التجربة يقول يعقوب الحميضي في أحد لقاءاته الإعلامية: «صدرت الفجر في المناخ السياسي الذي شهدته «الإيمان» من قبل و«الشعب» في ما بعد، وهو مرحلة المد القومي وتطلع الشعب العربي في مختلف أقاليمه إلى استكمال الحرية والتقدم والتخلص من الاستعمار الأجنبي، وهذا واضح من الأسماء التي أطلقها أصحاب هذه الصحف على صحفهم».

ويضيف: عانت المجلة من نقص الخبرة الفنية في مرحلتها الأولى، وهذا الأمر شائع ومألوف في الصحف السابقة كلها من دون استثناء، فضلا عن اضطراب توزيع المادة، وذلك لعدم ثبات العناوين والأركان والأبواب، فيظهر «الباب» أو «الركن» أسبوعاً، ثم يختفي شهراً، وبذلك يتغيَّر شكل الصحيفة وتفقد ألفتها في عين القارئ، لكن «الفجر» في مرحلتها الثانية، بعد العودة، تجاوزت ذلك كله بكثير من التوفيق، فمنذ أول أعدادها ظهرت دقة التنظيم وثبات التبويب، واكتمال جوانب الشكل تدريجيا، والاهتمام بالصورة والخبر والتعليق، واختيار العناوين أو «المانشيتات المثيرة».
وحول الصعوبات التي واجهت الجريدة، يوضح الحميضي: «كانت «الفجر» تطبع في مطبعة مقهوي، وكنا نحصل على خصم خاص في تكاليف الطباعة، مقابل نشر بعض الإعلانات الخاصة بالمطبعة على صفحات «الفجر»، وكان العمل في «الفجر» يتم بشكل تطوعي من دون أجور، ما عدا أجور عمال المطبعة الزهيدة، والتي كانت توفرها إعلانات المجلة، بالإضافة إلى الإعانة السنوية التي تقدمها لنا دائرة الشؤون الاجتماعية، وهي لا تتجاوز 6000 آلاف روبية. وفي البداية كنا نطبع 1000 أو 1500 نسخة،. ولكن الطلب على المجلة ازداد بشكل تدريجي، ما اضطرنا إلى طبع 14.000 ألف نسخة كل يوم».
ويواصل: «إن ارتباط «الفجر» بالفكرة القومية وتأييدها لدولة الوحدة وجمال عبدالناصر جذب الكثيرين إلى متابعتها والمداومة على قراءتها بين أواسط الكويتيين والعرب، لمعالجتها موضوعات الساعة، كالصراعات بين الدول العربية، وموضوع الوحدة العربية، فقد كانت «الفجر» المجلة الكويتية الوحيدة التي تباع خارج الكويت، حيث كانت توزع في دمشق وبغداد ولبنان في البداية، ثم القاهرة في مرحلة لاحقة».
الأعداد الأولى
كانت «الفجر» في أعدادها الأولى أقرب إلى نموذج الصحافة المدرسية، إلا أنها سرعان ما تطورت، وأدخلت الفنون الصحافية بأسلوب الجريدة اليومية، من خلال اهتمامها بالخبر وعناصره، وطريقة عرضه وأسلوب كتابته في الجريدة الأسبوعية، فقد احتوت على مقال افتتاحي، وأبواب وتقسيمات فنية معروفة، فكان ما يميّزها طبيعة الخطوط واختياراته.
وواكبت «الفجر» في فترة صدورها – كما ذكرنا – أحداثاً على كل المستويات، سواء المحلية أم العربية أم الدولية، وهو ما حدا بها إلى اتخاذ مواقف واضحة تجاهها، من خلال ما آمنت به أفكار ذات طابع تقدمي وقومي،
وكانت أكثر حدة في المسائل التي تتعلق بالحريات والديمقراطية، وخصوصاً عندما دفعت باتجاه النظام الديمقراطي في إدارة الدولة، التي كانت إداراتها في تلك الفترة ليست على قدر كبير من الكفاية أو التنظيم، بما يسمح لها بمواجهة التوسع في تقديم الخدمات العامة للمواطنين، وحسن التصرف في الميزانيات الضخمة التي كانت مرصودة لها.
وحتى نتعرَّف بصوة أدق، ونقترب أكثر من الوضع في سنوات ما قبل الاستقلال، سنتطرَّق في هذه الدراسة الخاصة إلى عدد من القضايا المحلية والعربية والدولية التي أثارتها «الفجر» في تلك الفترة.
المسؤولية الوطنية فرض عام على المواطنين جميعا
جاء في افتتاحية العدد الأول المنشور في 2 فبراير 1955:
تعرَّض نادي الخريجين منذ تأسيسه لحملة شديدة تأتت من جهات مختلفة لا نظنها اتفقت على شيء من قبل، كما اتفقت على الوقوف ضد هذا النادي، فكان لابد إذن من إصدار نشرة تشرح فكرة هذا النادي وتصله بالمجتمع كما تصل المجتمع به وتصحح التعبيرات الخاطئة التي شرحت أهدافه، فكان لها نصيب كبير في شن بعض الحملات عليه.
فالغاية الأولى من صدور هذه النشرة هي: إعطاء صورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض لنادي الخريجين، أما السبيل إلى تقرير تلك الصورة في النفوس والأذهان، فلن تخرج – رغم تعاقب ألوانها واختلافها – عن ثلاثة اتجاهات، الأول: الإسهام برأي صريح حُر في مشكلات هذا البلد وأمورها، والثاني، معاونة القائمين بالأمر على التطور بالكويت إلى حياة أفضل، والثالث بث الروح والمسوؤلية الوطنية بين الكويتيين عامة.
وتفصيل ذلك أن الكويت تضطرب في مرحلة انتقال خطيرة، واجتياز هذه المرحلة بسلام رهين بالآراء النيرة التي تضيء السبيل للعاملين، وبمعنى آخر، إن الكويت مقدمة على تبدل أساسي في الأوضاع العامة، وليس في مقدورنا أن نحول دون هذا التبدل، لأنه نتيجة حتمية لتطور الكويت، فهو كائن لا محالة، ولكن باستطاعتنا أن نتحكم بالكيفية التي سيكون عليها، وهذا يقتضي منا أن نقدر لكل شيء قدره، فندرس ونبحث قبل أن نهدم ونبني، وفي حرية الفكر ضمان من العثرات.
ولكن هذه الحرية، التي نلتزمها ليس من شأنها أن تنسينا حقيقة الأوضاع في الكويت وما تفرضه علينا من تكاليف، فسنعمل جاهدين على أن نفرق بين ما يجب أن يكون، وما يمكن أن يكون، فلن نطالب بشيء ليس في حيز الإمكان، وعلى هذا الأساس سيقوم تعاوننا مع المسؤولين الذين نعتقد بأن لهم من الشجاعة الكافية ما يحملهم على الدفاع عن وجهة نظرهم في كل أمر عام، وتقبل النقد النزيه أو التوجيه السليم ممن يملكه، على أن المسؤولية الوطنية – بغض النظر عما ذكرناه لا تخص طائفة من دون أخرى، وليست وقفاً على من بيده تصريف الأمور فقط، إنها فرض عام على المواطنين جميعاً، فالوطنية – في صميمها – هي مسؤولية الفرد عن وطنه – وقد تختلف درجات هذه المسؤولية باختلاف مكانة الفرد في المجتمع، ولكنها لا تسقط عن وطني عاقل بحال ما.
وبعد، فخلاصة ما نقوله عن سياسة هذه الصحيفة إنها ستعكس على صفحاتها صورة لنادي الخريجين ومن يتعاون معهم من أبناء الكويت والبلاد العربية الشقيقة، وكل ما نتعهد به للقراء، هو أننا لن نعارض رأياً إلا ببيّنة، ولن نؤيد فكرة إلا بدليل، ولا يهمنا بعد ذلك أن يكثر الأعوان أو يقلون، فإن تملق العواطف فن لا نحسن إجادته، والدعوى بغير برهان ليس لها في عقولنا فراغ، وتجاهل الواقع سفه نبرأ إلى الله منه.
(التحرير)

جهد كبير ومشكور
بذلت عضو جمعية الخريجين الزميلة مها البرجس، ومعها زملاء آخرون، جهدا كبيرا لتجميع كل أعداد جريدة الفجر، وإعادة إصدارها، وإن كان على نطاق ضيق ومحدود، إلا أنها استطاعت أن تحفظ لنا، ومعها المجموعة أيضا، جزءاً من تاريخ هذه الجريدة من جانب، وجزءاً مهماً من التاريخ الكويتي من جانب آخر.