رحيل آخر الثلاثة الكبار: سميح القاسم.. صوت المقاومة وشاعر الحزن

سميح القاسم
سميح القاسم

كتب محمد جاد:
فقد الشعر العربي والقضية الفلسطينية أحد أهم الأصوات على الإطلاق، الشاعر الكبير سميح القاسم (1939 – 2014)، الذي أفنى حياته ووظف موهبته وصوته الشعري من أجل قضية بلاده، والعرب بشكل عام.

ولد سميح القاسم لعائلة درزية فلسطينية في مدينة الزرقاء الأردنية عام 1939، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة، والتحق بالحزب الشيوعي فترة من الزمن، قبل أن يتركه كحزب سياسي – من دون التوجه الفكري – ويتفرَّغ للشعر، تم سجنه مرّات عدة، بسبب أفكاره ومواقفه السياسية، ووضع رهن الإقامة الجبرية لفترات عدة، لكن كل ذلك لم يدفعه لمغادرة الأرض المحتلة التي عاش ومات بها، وظل وفياً لوجوده ومكانه ومواقفه التي لن تتغيَّر طوال حياته.

نال القاسم العديد من الجوائز العربية والعالمية، أهمها جائزة غار الشعر من إسبانيا، جائزة البابطين، ووسام القدس للثقافة، فصوته الشعري تجاوز جغرافيا العرب المحدودة، ووصل به وبما دافع عنه لآفاق أوسع وأرحب بكثير.

من أعماله الشعرية: مواكب الشمس، أغاني الدروب، دمي على كتفي، دخان البراكين، سقوط الأقنعة، قرآن الموت والياسمين، أحبك كما يشتهي الموت، الكتب السبعة، سأخرج من صورتي ذات يوم.

شاعر الرفض والمقاومة

تميَّز شعر القاسم في جميع مراحله بالالتزام بقضية محورية واحدة، هي القضية الفلسطينية، التي أصبحت قضية وجودية للشاعر نفسه، فكان له التأثير الأكبر على شعراء المقاومة والرفض من الأجيال الجديدة اللاحقة. شكَّل القاسم مع شريكيه (محمود درويش وتوفيق زياد) منصة شعرية لا يُستهان بها، مع اختلاف كل منهم في تناول موضوعاته وقاموسه الشعري، ورؤية العالم، إلا أن الهمّ الفلسطيني هو ما وحدهم، وجعلهم الصوت الأكثر صخباً وتعبيراً عن هذا الصراع القائم حتى الآن.

جيل الشعراء الكبار

شكَّل القاسم مع محمود درويش وتوفيق زياد الصوت الأعلى لجيل المقاومة – الشعري – وهو بذلك يكون آخر أصوات هذا الجيل.. هؤلاء قدموا القضية الفلسطينية إلى العالم العربي بشكل كبير، من خلال الشعر. القاسم كان ملتزماً بالقضية الفلسطينية، ويتمثل هذا في موقف وجودي تأكد برفضه أكثر من مرّة مغادرة الأرض المحتلة التي كان يعيش بها، ويُحييها في شعره، وهذا يُحسب له، وليس عليه، لأنه صاحب موقف، والدلالة على ذلك أنه كان دوماً يختار الوقوف في صف الأحزاب اليسارية، في مواقفها الكبرى. ويعد تاريخه الشعري هو تاريخ المقاومة، بكامل مراحل وعيها وانفلاتها، فتجربته الشعرية متشعبة تشعب مسيرته النضالية نفسها، مروراً بالأحداث الكبرى في تاريخ القضية العربية والمسألة الفلسطينية.. كالنكبة وقيام إسرائيل وهزيمة يونيو، والصراع العربي – الإسرائيلي الطويل.
صوت وليس تابعا فنيا

والملاحظ على القضايا التي تناولها سميح القاسم في شعره، أنها قضايا نضالية إنسانية في المقام الأول، تحاول تمجيد الدور الإنساني، بغض النظر عن مكانه فوق خريطة العالم.. فكتب الشعر لمرحلة المد القومي العربي، وثوار أفريقيا وفيتنام.

نضاله الآخر يتمثل في الكتابة من داخل الأرض المحتلة، وأن يظل ثابتاً على المبدأ والأفكار التي حددها مسبقاً، بغض النظر عن شعراء القضية الذين يُجيدون تسويق أنفسهم، بأنهم الوحيدون لسان حالها، وهو شكل من أشكال التكسب الرخيص..

فتحية إلى روح الشاعر الكبير.

ونختتم ببعض أبياته من قصيدة (تعالي لنرسم معاً قوس قزح)

من تكونين؟/أجيبيني .. أجيبي!
أي أخت، بين آلاف السبايا
عرفت وجهي، ونادت: يا حبيبي
فتلقتها يدايا؟
أغمضي عينيك من عار الهزيمة
أغمضى عينيك .. وابكي، واحضنيني
ودعيني أشرب الدمع .. دعيني
يبست حنجرتي ريح الهزيمة
وكأنا منذ عشرين التقينا
وكأنا ما افترقنا
وكأنا ما احترقنا
شبك الحب يديه بيدينا ..
وتحدثنا عن الغربة والسجن الكبير
عن أغانينا لفجر في الزمن
وانحسار الليل عن وجه الوطن
وتحدثنا عن الكوخ الصغير
بين احراج الجبل..
وستأتين بطفلة
ونسميها «طلل»
وستأتيني بدوريّ وفلة
وبديوان غزل!
قلت لي – أذكر –
من أي قرار
صوتك مشحون حزناً وغضب
قلت يا حبي، من زحف التتار
وانكسارات العرب!

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.