
كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
بشكل متسارع، ارتفعت القيم الإيجارية في جميع المناطق الداخلية أو الخارجية في الكويت، لتصل خلال الفترة الماضية، وخصوصا العامين الماضيين، إلى أرقام لم تسجلها من قبل.. وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة المتواصلة على سعيها لحل المشكلة الإسكانية وما يصاحب ذلك من تراجع في قيم الإيجارات، فإن أسعار الإيجارات مازالت تواصل الارتفاع.
من الأسباب المباشرة في ارتفاع أسعار الإيجارات، قلة إنشاء مدن إسكانية جديدة، وعدم طرح الحكومة مزيدا من الأراضي الإسكانية، وهذا بدوره أدَّى إلى ضعف المعروض من الوحدات السكنية.. ومع ارتفاع الطلب على السكن، شهدنا هذه القيم الإيجارية المبالغ فيها، وفاقم من هذه المشكلة التي تعانيها الكويت في الوقت الحالي، وهذا يتطلب حلولا عاجلة وسريعة، للتغلب على هذه المشكلة، فالزيادة المطردة في النمو السكاني بالكويت والتي تتجاوز 3.5 في المائة سنويا تحتاج إلى معالجات سريعة للمشكلة الإسكانية، ومن ثم المشكلة الإيجارية.
وقد كان لارتفاع أسعار السكن الخاص تأثير مباشر على ارتفاع الإيجارات، حيث يُعد هذا السبب من أهم أسباب التي دفعت بأسعار الإيجارات إلى ما نشهده الآن.. فمع عدم استطاعة الكثير من المواطنين تملك قسائم سكنية، لم يكن هناك حل، سوى اللجوء إلى الإيجارات والإقبال على الشقق السكنية، وبالتالي زيادة الطلب هذه دفعت بارتفاع الأسعار في العديد من مناطق السكن في الكويت، يضاف إلى ذلك ازدياد الطلب على العمارات الاستثمارية، بسبب انخفاض أسعار الفائدة البنكية، ما دفع شريحة كبيرة إلى الاتجاه للاستثمار في العمارات السكنية، وهذا بدوره أدَّى إلى ارتفاع أسعارها، وحتى يحقق الملاك الجدد الذين اشتروا هذه العمارات عوائد جيدة، كان لابد من رفع أسعار الإيجارات، مع الوضع في الاعتبار المضاربة التي اشعلت الأسعار إلى مستويات قياسية، ما تسبب بدوره في رفع القيم الإيجارية.
يضاف إلى كل ما سبق، ندرة الأراضي في الكويت، كما أن تكلفة شراء الأراضي للبناء عليها تستحوذ على أكثر من 75 في المائة من إجمالي ميزانية أي مشروع عقاري، وهو عكس ما يحدث في الكثير من الدول الأخرى، إذ إنه من المفترض أن تكون كلفة شراء الأرض هي الأقل، قياسا بتكاليف إنشاء المشروع العقاري.
قانون جديد للإيجارات
من المؤكد أن حل مشكلة ارتفاع أسعار الإيجارات مرتبط بحل القضية الإسكانية بالكويت، فارتفاع عدد الطلبات الإسكانية إلى نحو 120 ألف طلب يعني أن 60 إلى 80 في المائة من أصحاب هذه الطلبات يسكنون في سكن بالإيجار، هذا بخلاف الوافدين الذين تزداد أعدادهم بصورة كبيرة عاما بعد عام، ومع طول فترة الانتظار لأكثر من 15 عاماً، وأمام هذه المشكلة وعجز الدولة عن حلها، تحول الإقبال بشكل كبير على الإيجارات من قِبل الشباب الراغب في الزواج، وهذا كله دفع بالأسعار إلى الارتفاع، ومن هنا أصبحت المشكلة تزداد تعقيدا مع كل يوم يمر.
ومع هذه الارتفاعات المبالغ فيها في الإيجارات العقارية، ظهرت الكثير من المطالبات، سواء من المتخصصين في الشأن العقاري، الذين أكدوا أن هذه الزيادات مبالغ فيها بشكل كبير، أو من المواطنين والمقيمين على حد سواء، بضرورة إجراء تعديلات على قانون الإيجارات المطبق في الكويت، أو سنّ قانون جديد لحماية المستأجرين من الطمع المبالغ فيه من ملاك العقارات، والحد من الارتفاع المتتالي في الإيجارات، على أن تكون هناك آلية محددة لتقدير القيمة الإيجارية للوحدة، ولا يترك الأمر لأهواء المُلاك.
هذا الأمر لاقى رفضا كبيرا من قِبل الجهات والأفراد المستفيدين من غلاء الإيجارات.. ففي حال وجود مثل هذا القانون وتطبيقه من الجهات المختصة بحزم، سيكون بمثابة حل للارتفاع المبالغ فيه في مستويات الإيجارات، فالتفكير في مثل هذا القانون أصبح أمرا ضروريا، لأن السوق العقاري يحتاج إلى حلول جذرية تنتشله مما يعانيه من فوضى وعشوائية في العملية الإيجارية، وخصوصا أنه يعاني قلة العرض وزيادة الطلب، ومن ثم سنجد زيادات مطردة في مستويات الإيجارات خلال الفترات المقبلة، لذلك، الأمر يحتاج إلى تحرك سريع، لإيجاد حلول لهذه المشكلة، قبل أن تتفاقم، ولا نجد الحلول لها كحال الكثير من المشكلات الأخرى.
زيادات خيالية
وفق قانون إيجار العقارات الصادر بمرسوم بالقانون رقم 35 لسنة 1978، في شأن إيجار العقارات يحق لمالك العين أن يزيد الإيجار بنسبة 100 في المائة، بعد مرور 5 سنوات من تاريخ عقد الإيجار، وهي قيمة عالية جدا قياسا بالقوانين المماثلة في دول الخليج العربية، كما يتضمَّن قانون الإيجارات الحالي الكثير من البنود التي تصب لصالح المؤجر، وهذا إجحاف كبير بحق المستأجر، فقد شهدت الإيجارات ارتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، بسبب عدم إنصاف القانون للمستأجر، وبات الكثير من المواطنين والمقيمين عاجزين عن إيجاد السكن الملائم، كما أن الكثير من المستأجرين تراكمت عليهم الديون، بسبب هذا الارتفاع الكبير لأسعار الإيجارات.
وقد تضرر من ذلك الكثير من المواطنين، وخاصة الشباب، الذين عليهم الانتظار لسنوات طويلة قد تصل إلى ما يزيد على 15 عاما للحصول على البيت الحكومي، وخلال هذه السنوات لا بديل يؤويهم سوى الشقق المؤجرة، التي أصبح الكثير لا يستطيع تحمل إيجاراتها العالية، وهذا يشكل مأساة حقيقية بالنسبة لكثير من الشباب، فأغلب هؤلاء الشباب من الموظفين الذين لا مصدر دخل لهم سوى الوظيفة، ولهذا، فإنهم من أصحاب الدخل المحدود، الذين بالكاد يكفيهم، وخاصة مع ارتفاع الأسعار في كافة السلع والخدمات الذي تشهده البلاد، كذلك يجب مراعاة ظروف المقيمين الذين يعملون مقابل رواتب قليلة، ويواجهون صعوبات الحياة من ارتفاع في أسعار كافة متطلبات الحياة، لذلك أصبح وجود قانون جديد يلزم الملاك بسقف معين للإيجارات يتناسب مع مساحة السكن وموقعه ومواصفات البناء، أمرا ضروريا، حتى نضمن إنصاف المؤجر واستفادته بالشكل المعقول من العقار، وكذلك ضمان عدم ارتفاع الإيجارات بشكل يثقل كاهل المستأجر.
الحكومة والمجلس
لا شك أن الحكومة ومجلس الأمة يتحملان الجانب الأكبر في مشكلة ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات في البلاد، على حد سواء، بسبب عجزهما وفشلهما في الحد من هذا الارتفاع الجنوني في الإيجارات.. فخلال الأعوام الماضية لم نرَ إلا الكثير من الوعود التي أطلقها المسؤولون من دون حلول حقيقية للمشكلة، بل زاد الأمر عن ذلك، بأن أعطوا الفرصة للتجار وملاك العقارات بأن يتلاعبوا في أسعار العقارات والإيجارات، واستغلوا حاجة الناس للسكن، ورفعوا الأسعار إلى مستويات عالية جدا، فالحكومة والمجلس لم تكن لديهما القدرة نهائيا للتصدي لهذه المشكلة وحلها، على الرغم من أنها من أهم مشكلات البلاد، وليس أدلّ على ذلك من «استبيان الأولويات» الذي أجراه مجلس الأمة، وجاءت فيه قضية السكن في المرتبة الأولى.. ورغم مرور فترة كبيرة، لم نجد أي تقدُّم في حل هذه القضية، وما زال المواطن والمقيم يعيشان واقعا مأساويا.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل السلطتان، التشريعية والتنفيذية، لديهما القدرة على حل مشكلة ارتفاع الإيجارات عبر تشريع قانون يحد من ارتفاع الأسعار؟
إن واقع الحال، حتى الآن، يقول إننا أمام مشكلة كبيرة لا تلقى أي اهتمام من الحكومة ومجلس الأمة، وأمام سوق عقاري يسير وفق قوانين ولوائح الفئة المسيطرة عليه.
وعود كاذبة
قد يظن البعض أننا ضد استفادة مُلاك العقارات من أملاكهم، والحقيقة تختلف تماما، فالجميع لا يعترض على الزيادة في نسبة الإيجارات بشكل معقول، ولكن الحقيقة تقول عكس ذلك، فأسعار الإيجارات في الكويت أصبحت خيالية، فقد تفوَّقت الكويت في هذا الجانب على الكثير من الدول الخليجية والعربية والأوروبية أيضا، فقد يكون من السهل لك أن تستأجر شقة في حي راقٍ بدولة أوروبية، ولا تستطيع فعل الأمر ذاته في الكويت. إن هذا الأمر يجعلنا نسأل أين الدراسات والحلول للمشكلة الإسكانية؟ والوعود التي وعدها المجلس والحكومة عقب «استبيان الأولويات»؟ ولماذا تبخرت هذه الوعود؟
ملاك العقارات
على الرغم من أن هناك شبه إجماع على أن المستأجر في الوقت الراهن أصبح ضحية طمع ملاك العقارات، في ظل الزيادات المبالغ فيها التي شهدها قطاع العقار خلال الأعوام الماضية، فإنه على الجانب الآخر هناك مَن يرى أن القانون الحالي يظلم المالك، وينحاز لصالح المستأجر بشكل كبير، ما يعرض أصحاب العقارات لخسائر ومتاعب جمة.
وترى هذه الفئة أن الكثير من المستأجرين يستغلون القانون الحالي في ابتزاز ملاك العقارات، في حال مطالبتهم بإخلاء السكن، من أجل البيع أو إعادة البناء، ويطلبون مبالغ كبيرة مقابل ذلك، وهذا ما تسبب في حرمان الكثيرين من حرية التصرف بأملاكهم واستثمارها بالشكل المطلوب، إضافة إلى المعاناة مع المستأجرين الذين يتخلفون عن سداد الإيجارات، وصعوبة التعامل معهم، حيث يتوجب التوجه إلى المحاكم التي تستغرق وقتاً طويلاً يمتد لشهور وسنوات لحين صدور الحكم بإخلاء العين المؤجرة، إن ثبت عدم الالتزام بالسداد، وبعد ذلك يدخل المؤجر في دوامة من الإجراءات القانونية الطويلة لاستحصال المبالغ المستحقة من المتخلفين، ما يتسبب في ضياع حقوق الكثير من الملاك وزيادة على ذلك تحملهم دفع مصاريف الماء والكهرباء.