الموت وقوفاً في غزة.. والمقاومة الصامدة بوجه الاحتلال الصهيوني

تاريخ من الحروب شهدها القطاع ومازال وجوده شوكة بخاصرة إسرائيل
تاريخ من الحروب شهدها القطاع ومازال وجوده شوكة بخاصرة إسرائيل

رضي الموسوي*:

كشف العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة الوجه الحقيقي لإسرائيل، وهمجيتها، بل وما تبيته من نوايا تهدف إلى القضاء على قطاع غزة، شعبا وبنية تحتية.. فتحت ذريعة الانتقام لمقتل ثلاثة مستوطنين، والذي لم تثبت إدانة حركة حماس فيه، شنت إسرائيل حربها الشرسة، لكن رهانها فشل حتى الآن في تحقيق مآربه في تركيع المقاومة الفلسطينية، وها هي تعود إلى طاولة المفاوضات من جديد.

هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل قطاع غزة، الذي شهد عبر تاريخه الكثير من الأطماع، وهنا عرض سريع لأبرز ما عايشه القطاع من منعطفات تاريخية وسياسية..

رضي الموسوي
رضي الموسوي

فوجئ العالم الحُر بوحشية العدوان الصهيوني على غزة، الذي بدأ قبل أكثر من شهر، حيث استهدف، متعمدا، الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل، وتسبب في تدمير أكثر من 75 في المائة من البنية التحتية للقطاع، فضلا عن سقوط قرابة 2000 شهيد ونحو 10 آلاف جريح، وقد جابت العالم الغربي تظاهرات تندد بالعدوان وتطالب بإيقافه، في الوقت الذي ظل النظام العربي شيطانا أخرس، وشاهد زور يحاول التوسط لدى الكيان لتغطية عريه.

وفي يوم الأحد الماضي (9 أغسطس 2014)، أعلن وزير الصحة والإسكان المصري د.عادل عدوي، أن إجمالي عدد المصابين الفلسطينيين من ضحايا العدوان على غزة الذين تم استقبالهم عبر معبر رفح لعلاجهم بالمستشفيات المصرية منذ بداية الأحداث وحتى السبت (8 أغسطس) بلغ 216 مصابا. وقال الوزير في تصريحات صحافية، إن 35 من المصابين خرجوا من المستشفيات بعد تلقيهم العلاج وتحسن حالتهم، فيما توفي 21 آخرون، في حين لايزال 160 مصابا يتلقون العلاج بـ18 مستشفى.

الإعدام حرقا (محمد بوخضير مثالا)

كان يفترض أن تفرج الدولة الصهيونية عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، التي تضم 26 من قدامى الأسرى الفلسطينيين، مقابل عدم توجه الفلسطينيين إلى المؤسسات الدولية واستئناف المفاوضات، ولكن الدولة العبرية طالبت بتمديد المفاوضات إلى ما بعد 29 أبريل، إلا أن الفلسطينيين رفضوا هذا الشرط المسبق.

في مطلع أبريل 2014 وقعت السلطة على طلب الانضمام إلى 15 منظمة ومعاهدة دولية في الأمم المتحدة، كرد على عدم وفاء الكيان بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى، وفي 23 أبريل 2014 أبرمت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية حماس اتفاقاً للمصالحة، وكان من بين نقاطه تشكيل حكومة الوفاق الوطني خلال خمسة أسابيع، وهو ما حصل فعلياً في 2 يونيو 2014.

وفي 12 يونيو 2014 تم الإعلان عن خطف ثلاثة مستوطنين في الخليل، وبدأ الجيش الإسرائيلي عقبها حملة عسكرية، وفي 30 يونيو عثر على جثث المستوطنين الثلاث قرب حلحول، وقد كشفت تقارير أن الشرطة وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عرفتا بعد وقت قليل من وقوع الحادثة أن الأمر يتعلق بعملية قتل وليس باختطاف، لكن الحكومة أرسلت الجيش والأجهزة الأمنية لشن حملة واسعة من المداهمات والاعتقالات بالضفة الغربية، بحثا عنهم، وكأنهم أحياء، وأعقب ذلك مطالبات إسرائيلية بالانتقام من العرب، وهو ما أدَّى إلى خطف وتعذيب وحرق الطفل محمد أبوخضير من مخيم شعفاط، تبعه اندلاع موجة من احتجاجات واسعة النطاق، وخصوصاً في مناطق عرب 48، وكذلك إطلاق صواريخ من قطاع غزة على المستوطنات والمدن الإسرائيلية وقصف إسرائيلي على القطاع.

لماذا غزة؟

يقع قطاع غزة في الجنوب الغربي من فلسطين، وتبلغ مساحته نحو 362 كيلومترا مربعا، ويشكل شريطا من الأراضي المحاذية للبحر المتوسط، ويبلغ طوله 40 كيلومترا وعرضه ما بين خمسة إلى عشرة كيلومترات، ويصل عدد سكانه إلى أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، وتشكل الكثافة السكانية في القطاع الأعلى عالمياً بمعدل 3000 نسمة /كيلومتر، فيما تصل في مخيمات اللاجئين إلى قرابة 55 ألف مواطن في الكيلو متر المربع الواحد.‏

ومدينة غزة، وفق «وكيبيديا» الموسوعة الحرة، من أكبر مدن القطاع، وتقع في شماله، في الطرف الجنوبي للساحل الشرقي من البحر المتوسط، تبعد عن القدس مسافة 78 كم إلى الجنوب الغربي، وهي مركز محافظة غزة وأكبر مدن السلطة الفلسطينية من حيث تعداد السكان، حيث إن عدد سكان محافظة غزة بلغ 700 ألف نسمة في عام 2013، ما يجعلها أكبر تجمع للفلسطينيين في فلسطين، كما تبلغ مساحتها 56 كم.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الكنعانيين أسسوا مدينة غزة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وقد مرَّت بموجات من الغزاة، كالفراعنة والإغريق والرومان والبيزنطيين والعثمانيين وغيرهم.

وفي عام 635 م دخل المسلمون العرب المدينة، وأصبحت مركزاً إسلامياً مهماً، وخاصة أنها مشهورة بوجود قبر الجد الثاني للنبي محمد (ص)، هاشم بن عبد مناف فيها، لذلك تسمى أحياناً غزة هاشم، وتُعد المدينة مسقط رأس الإمام الشافعي، الذي ولد عام 767 م، وهو أحد الأئمة الأربعة عند المسلمين السنة.

وفي التاريخ المعاصر، سقطت غزة في أيدي القوات البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى، وأصبحت جزءاً من الانتداب البريطاني على فلسطين..

ونتيجة للحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، تولت مصر إدارة أراضي قطاع غزة، وأجريت عدة تحسينات في المدينة، احتلت إسرائيل قطاع غزة عام 1967 (عام النكسة)، وبعد اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، وبموجب اتفاق غزة أريحا الموقّع في 4 مايو عام 1994 انتقلت السلطة المدنية إلى سلطة حكم ذاتي فلسطيني، بعد انتخابات عام 2006 اندلع قتال بين حركة فتح وحركة المقاومة الإسلامية حماس، حيث رفضت حركة فتح نقل السلطة في غزة إلى حركة حماس، ومنذ ذلك الحين، وقعت غزة تحت الحصار من قِبل إسرائيل ومصر.

تجارب التاريخ

مرَّت القضية الفلسطينية بمفاصل تاريخية تم البناء عليها وأثرت في مسار الثورة، نسجل عناوينها:

– نكبة فلسطين في 1948
– النكسة في حزيران 1967
– أيلول الأسود في الأردن وخروج المقاتلين الفلسطينيين من الأغوار والأردن
– الحرب الأهلية اللبنانية 1975
– اتفاقية كامب ديفيد بين الكيان ومصر في 1979
– الغزو الصهيوني الأول للجنوب اللبناني في مارس 1978
– الغزو الصهيوني للبنان واحتلال بيروت في صيف 1982
– خروج مقاتلي الثورة من بيروت في أغسطس 1982
– مجازر صبرا وشاتيلا في سبتمبر 1982
– الاقتتال الداخلي الفلسطيني في الشمال اللبناني 1983
– اجتياح العراق للكويت في أغسطس 1990
– طرد اللاجئين الفلسطينيين من بعد هزيمة الجيش العراقي بدءاً من 1991
– مؤتمر مدريد في 1990
– اتفاقية أوسلو1 في 1993 بين منظمة التحرير والكيان الصهيوني
– اتفاقية أوسلو2 في 1994 بين منظمة التحرير والكيان الصهيوني والذي لم تدرج قضية القدس واللاجئين والحدود النهائية ضمن بنودها
– دخول القيادة الفلسطينية الضفة والقطاع وتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو
– تنظيم الانتخابات الفلسطينية وفوز «حماس» في 2006
– الاحتراب بين «فتح» و«حماس» في غزة
– طرد «حماس» من غزة
– حصار مصري – إسرائيلي على قطاع غزة بدءا من 2007
– بناء الجدار الفولاذي المصري على الحدود مع القطاع بعمق 20-30 متراً تحت الأرض لمنع التهريب والقضاء على الأنفاق الفلسطينية ووقف تهريب البضائع والسلاح والبشر 2009
– الربيع العربي وانتشاء «حماس» بفوز الإخوان في مصر وتونس والجماعات الإسلامية في ليبيا 2011
– اتفاق المصالحة بين «فتح» و«حماس» والعمل على توحيد الضفة والقطاع ورفض إسرائيل الاتفاق واعتباره كارثة
– افتعال قضية مقتل المستوطنين الثلاثة في الضفة وإعادة أسر مَن تم الإفراج عنهم في صفقة شاليط في يونيو 2014

من التقسيم إلى التفتيت

تم الانقضاض على حركات الربيع العربي، وقفزت القوى المضادة إلى السلطة وطبقت أيديولوجياتها، أو أعادت الدولة العميقة إلى السلطة من أوسع الأبواب، بعد حالة الفوضى وتفاقم الأزمات المعيشية.

وتصورت بعض القوى التي فازت في الانتخابات (الإخوان المسلمين في مصر) أنها قادرة على تسيير دفة الحكم من دون خلق تحالفات حقيقية مع القوى المجتمعية الأخرى الشريكة في الثورة تتطلبها طبيعة المرحلة، وقد شعرت أفرع الإخوان المسلمين بالانتشاء، لدرجة التنظير للدولة الدينية، الأمر الذي يصب في خدمة الكيان الصهيوني، الذي يسعى للاعتراف بدولته كدولة يهودية.

النتائج المحتملة

رغم الآف من الشهداء والجرحى وتدمير البنى التحتية لقطاع غزة، فإن الكيان الصهيوني فشل في الوصول إلى أهدافه بتركيع القطاع، وكشف أكثر عن حقيقته النازية بعمليات القتل، رغم أنه يركز على القتل بالطريقة الداعشية المقززة.

كان الكيان يراقب تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في البلدان العربية، وكان يقوم بعمليات مكثفة لمصادرة الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس والاستيلاء على منازل أبنائها تحت يافطة أن القدس هي العاصمة الأبدية للدولة اليهودية ويجب ألا يكون الفلسطينيون فيها.

ولكن رغم كل ذلك توحدت الفصائل في الرد العسكري وفي المفاوضات غير المباشرة، وهذا درس يجب استخلاص الحلول منه وعدم تكرار التجارب الماضية في عملية التفتيت.

* القائم بأعمال اﻷمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي البحرينية (وعد)
عن موقع جمعية العمل الوطني الديمقراطي البحرينية
http://www.aldemokrati.org/m/details.php?artid=8148

 

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.