
كتب محمد عبدالرحيم:
وقع اختيار «استديو الأربعاء» – التابع لنادي الكويت للسينما، على فيلم «ملح هذا البحر» للعرض، مواكبة لما يحدث في الأراضي الفلسطينة الآن.
والفيلم إنتاج فلسطيني بلجيكي فرنسي إسباني مشترك عام 2008، بطولة سهير حماد وصالح بكري، وهو الفيلم الروائي الأول لمخرجته آن ماري جاسر.
وقد كان للفيلم وقت عرضه عالمياً أثر جيد، فقد نال عدة جوائز، أهمها أفضل فيلم في مهرجان ميلانو، إضافة إلى عدة جوائز أخرى عالمية.. ولعل الملمح الأساسي للفيلم، هو عدم المُتاجرة بالشعارات والكليشيهات المتعارف عليها عند التعرض لعمل سينمائي يستعرض القضية الفلسطينية وتداعياتها على الشعب الفلسطيني.

الحكاية
ثريا/سهير حماد فلسطينية الأصل، تحمل الجنسية الأميركية، تعود إلى وطنها، للمُطالبة بميراثها، المتمثل في مبلغ صغير لدى البنك البريطاني الفلسطيني، إلا أن حساب الجد أغلق بعد احتلال فلسطين، فتدخل ثريا في صراع قانوني من موظفي البنك، وتصر على ضرورة إرجاع المبالغ المجمَّدة، وحينما تصل إلى طريق مسدودة، تقرر مداهمة البنك واسترجاع المبلغ المجمد، مضافاً إليه كل الفوائد القانونية المستحقة خلال ستين عاما.
في غضون ذلك، تلتقي عماد/صالح بكري، الذي يحلم بالهجرة من الجو الخانق الذي يحياه، نظراً للقيود التي تفرضها قوات الاحتلال، يحلم بالهجرة إلى كندا، ويسعى إلى ذلك، بشتى الطرق، وبعد حادث السرقة ومحاولات الاختباء يُلقى القبض عليهما، فيتم ترحيل ثريا، حيث انتهى تصريح إقامتها، ولا نعلم مصير عماد، الذي بالتأكيد سيكون أسوأ من سجنه المعنوي الذي كان يعيشه قبل ذلك.
العودة والرحيل
ناقش الفيلم من خلال شخصيتيه الرئيسيتين (ثريا وعماد) وقائع الجيل الثالث للفلسطينيين، فالأولى أميركية الجنسية، إلا أنها تبحث عن أصولها، وتريد الوصول إلى هذه الأصول، فالمبلغ الموروث ليس بالكثير لبذل المشقة في الحصول عليه، كما أنها تريد معرفة وقائع وأماكن تاريخها، وهو عالم تجهله، فلم تولد فوق هذه الأرض، لكنها تصر على العودة وتنفس هذا التاريخ.. بداية من تتبع رحلة هجرة الأرض عن طريق البحر، إضافة إلى استرداد نقود الجد، مع فوائدها، كمعادل لتبعات ما حدث طوال الستين سنة الماضية.
على الناحية الأخرى، نجد الواقع المُعاش، المتمثل في شخصية عماد، الشاب الذي يريد الهجرة إلى كندا لاستكمال دراسته ظاهرياً، إلا أن الحقيقة تكمن في الفرار من جحيم الاحتلال وقيوده، وكأنه سجن كبير في مساحة وهمية تسمى الوطن، فالأمر كله يدور حول ثنائية مزمنة بين ذاكرة تخاف من الاختفاء، وواقع مؤلم.. بين حلم قاس وحقيقة أقسى.
التكنيك البوليسي والتفاصيل الفنية
كان لابد من حبكة للحكاية، ولم تجد المخرجة سوى تكنيك الأفلام البوليسية، وأفلام الشخصيات المأساوية، كما تظهر في السينما الأميركية، والتي من أشهرها «بوني وكلايد» – صورة جديدة لحكاية روبين هود – ذلك حتى لا يتحول الفيلم إلى دراما الحكي وسرد الأحلام على اختلاف أهدافها، وهي حبكة مُستهلكة، وأخذت شكلاً مختلفاً عن إيقاع الفيلم التأملي طوال الأحداث.
أما التفاصيل التي حاكتها المخرجة، فتجسّد مدى المعاناة التي تشعر بها الشخصية التي تحيا منفاها، كمقابلة ثريا للمرأة اليهودية التي أصبحت تسكن بيت جد ثريا، وهي تعرف أنه لا فائدة من استرداد البيت، فقط أن تعترف الساكنة الجديدة أنها لم تكن تمتلكه في الأساس ــ تنويعة حلم آخر – كما تعرّض الفيلم إلى الطبيعة العنصرية للمجتمع الإسرائيلي نفسه بين يهود الشرق والغرب، فهو مجتمع محكوم عليه بالفناء من داخله ولو طال الأجل.
الوثائقي والروائي
استخدمت آمن ماري جاسر تكنيك الخلط ما بين الشكل الوثائقي والروائي، لسرد أحداث الفيلم، والأمر هنا يتعدّى التوثيق لما كان، بل لإضافة حالة واقعية آنية على الأحداث، وجاء ذلك – بخلاف اللقطات التسجيلية في البداية لعمليات التهجير – في حركة الكاميرا المحمولة في الكثير من المشاهد، إضافة لطريقة أداء الممثلين، التي ابتعدت قدر الإمكان عن الأداء في الفيلم الروائي، لإضفاء ملمح طبيعي على الشخصيات ومنها الأحداث، وكأنها شخصيات حقيقية، حتى تصبح قريبة من المُشاهِد، وتوحي بالكثير من المصداقية، كسر هذا الشكل الجزء الروائي الذي جاء على غير مستوى باقي الأحداث، والمتمثل في عملية السطو على البنك في شكل كاريكاتوري، واللجوء إلى كهف مهجور للاختباء، هنا السيناريو لم يكن متوافقا تماماً مع الجو العام للفيلم، الذي تأسس منذ البداية.