
كتب محمد عبدالرحيم:
لم يزل مصطلح «الفيلم القصير» يُعاني التشوّش، سواء لدى صانع الفيلم نفسه أو الجمهور، الذي يرى أن الفيلم القصير مرهون بمدته الزمنية على الشاشة، بخلاف كون الموضوع نفسه هو الذي يحدد طبيعته وأسلوبه.
ومن التجارب الملفتة في هذا النوع من الأفلام التي راعت شروطه، الفيلم التونسي «يد اللوح» لمخرجته كوثر بن هنية، وفيلم للمخرج الكردستاني العراقي ساهم خليفة بعنوان «ميسي بغداد»، وإن كان كل من الفيلمين اتخذ تيمة «القهر»، إلا أنه عبَّر عنها بأسلوب سينمائي يعرف جيداً اللغة السينمائية، وطبيعة الوسيط الذي يسرد من خلاله حكاية الفيلم.
«يد اللوح»
الفيلم التونسي «يد اللوح» لمخرجته كوثر بن هنية، يحكي عن طفلة تعيش مع أمها بعد وفاة والدها، ولا تريد الذهاب إلى الكُتّاب، فتقوم بحيلة طفولية بتثبيت يدها بـ«صمغ» في كرسي خشبي كبير، حتى يصبح ملتصقا بها وتتحرك به في رحلتها إلى الكُتّاب، فتقوم أمها بقطع مسند الكرسي الخشبي، لتصبح حركة الطفلة أكثر تحرراً، فتتخلص منه الطفلة بعد عناء، وتصبح لعبتها في تنفيذ رغباتها، لتضع في يدها «الصمغ» وتصافح طفلا في سنها لا تريده أن يرحل عنها، مثل والدها التي تعرف أنه صعد إلى الجنة رغم كذب الجميع عليها بأنه في رحلة عمل.
تتوالى المواقف الساخرة، وخاصة من الشيخ الذي يقوم بتحفيظها القرآن، فعندما تجلس الطفلة فوق الكرسي وسط الأطفال، يضطرب الشيخ، لأنها أصبحت تنظر إليه من أعلى وهو يجتلس الأرض، فما كان منه إلا الإتيان بكرسي خشبي مرتفع، حتى يُحافظ على نظرته إليها من أعلى! إضافة إلى الطبيب العجوز، الذي لا يستطيع التحدث، بسبب التدخين، والذي يُصر على مواصلته، رغم صوته المبحوح والمُتحشرج، وهو لم يستطع مغالبة ضحكاته.
الفيلم بسيط وعميق في الوقت نفسه، ورغم الجو الساخر للفكرة، فإنه يتناسب وتفكير طفلة تحاول الهرب من مآذق الطفولة بشجاعة أكثر من الكبار.

«ميسي بغداد»
طفل يقف على ساق واحدة، ليحرس مرمى رفاقة في مباراة كرة قدم بمنطقة صحراوية على حدود العاصمة بغداد، الفريق يعشق ميسي، ونظراً لساقه المبتورة يطرده رفاقه ويأتون بفتاة بدلاً منه لحراسة مرماهم، ولا يتواصلون معه سوى من خلال التلفزيون الموجود ببيته.. ونظراً للعطل الذي أصابه، أصبحوا لا يلقون عليه حتى بالسلام، وهو يقف مع أبيه في السوق يبيع الطماطم، ويسأل أباه إصلاح التلفزيون، فيُخاطر الرجل ويذهب به إلى بغداد، لإصلاحه ومعه ابنه، ليلقى الرجل رصاصة طائشة، ويتوسل بأن يعود الابن إلى البيت، فرفاقه ينتظرون مباراة ميسي المُرتقبة، وينفذ الطفل الوصية، حتى تهدده الأم بفصل التيار الكهربي عن المباراة إن لم يقل لها أين أبيه، وفي عبارة مؤلمة يقول إنه سيذهب لأخذ جثة الأب بعد انتهاء المباراة، لتنهار المرأة باكية، وتتصاعد الصيحات لهدف ميسي المعروض بالتلفزيون.
الفيلم يحاول أن يجسّد فعل الموت الاعتباطي، الذي أصبح أمراً عادياً في العراق، فالموت في الفيلم يفقد جلاله، ويصبح شيئا ضمن الأشياء التي يمكن مقابلتها بلا سبب، وكأنه محتوم، لن نشاهد مصوّب الطلقة التي أصابت الأب، لم نشاهد سوى أجساد رجال يهرولون بعد سقوط الأب، من دون حتى الالتفات إليه هو وطفله المذعور بجواره ــ كان من الممكن إنقاذه ــ وهو ما ساعد على إظهار حالة اللامبالاة تجاه رجل توشك روحه على الصعود.