
ترجمة: ظافر قطمة
قالت مجلة «جدلية»، التي تعنى بالقضايا السياسية في الشرق الأوسط، إن أكثر من 40 من المثقفين والأكاديميين، بمن فيهم ما يزيد على دستة من الرؤساء السابقين للجمعية المهنية الأكثر أهمية لعلماء العالم العربي والإسلامي، وهي جمعية دراسات الشرق الأوسط، وجهوا رسالة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، تضمَّنت دعوة الإدارة الأميركية إلى المطالبة بالإطلاق الفوري للمدون والناشط المصري علاء عبدالفتاح ومعتقلين سياسيين آخرين في مصر، وإلى مطالبة المسؤولين المصريين بتعليق قانون التظاهر لسنة 2013، وإنهاء إجراءات قانون قمع حرية التعبير التي يضمنها الدستور المصري والقانون الدولي، ووضع حد لنظام العنف، بما في ذلك التعذيب والإعدامات التعسفية، التي لا تزال سارية في مصر، بعد فوز المشير عبدالفتاح السيسيب انتخابات الرئاسة.
وحتى مع تصاعد العنف في العراق، واستمرار الحرب الأهلية الوحشية في سوريا، يحذر هؤلاء العلماء من ذوي الخبرة الواسعة في قضايا مصر والمنطقة من أن تنامي العنف السياسي في مصر قد تمثل بجلاء في إعادة حبس علاء عبدالفتاح، وأن استمرار انتهاكات حقوق الإنسان يهدد بزعزعة الاستقرار بشكل دائم في مصر والمنطقة برمتها، ودعا الموقعون على الرسالة إلى تعليق إدارة أوباما لكل أشكال التعاون غير الإنساني والعسكري والأمني والسياسي والاقتصادي مع مصر، حتى تستجيب الحكومة إلى تلك المطالب.
وقالت الرسالة: «نحن الموقعين أدناه من الأكاديميين وصُناع السياسة نشجب الاعتداء المتفاقم على الحقوق السياسية الأساسية والمدنية في مصر، والذي تمثل أخيراً في الحكم الذي صدر في 11 يونيو بالسجن 15 سنة على العديد من الناشطين في حركة «لا للمحاكمات العسكرية»، بمن فيهم المدون المعروف علاء عبدالفتاح».
أحكام غيابية
ويمثل هذا الحكم المفاجئ الذي صدر غيابيا وحبس النشطاء الذين منعهم مع محاميهم من دخول قاعة المحكمة في اليوم المحدد لتقديم دفوع المحامين المثل الصارخ على الانتهاكات المنهجية للحقوق المرعية دولياً للتجمع وحرية التعبير والعملية التي تميز البيئة السياسية في مصر اليوم.
وقد واكب ذلك موجة من الاستخدام الواسع للعنف المفرط من جانب القوى الأمنية ضد المواطنين المصريين الذين يمارسون حقهم المعترف به دولياً في الاحتجاج، وتطبيق عقوبة الإعدام الجماعي، بعد محاكمات تعسفية حادة وإجراءات قضائية مسيسة، إضافة إلى استخدام التعذيب والاعتقال لفترات طويلة، من دون محاكمة، وغير ذلك من سوء معاملة المعتقلين من قِبل الحكومة.
وتقوض مثل هذه الممارسات أي تأثيرات إيجابية تفرزها الانتخابات والعمليات الديمقراطية الرسمية الأخرى في مصر، وبدلاً من ذلك، فهي تسهم في إرساء ركائز التهميش العميق للمواطنين العاديين، وتفاقم من النزاعات الاجتماعية والسياسية، وتفضي في نهاية المطاف، إلى مزيد من العنف، ومع مشاهدتنا المثيرة للقلق الشديد لانجراف العراق نحو حرب أهلية محتملة، والمجزرة الأقسى في سوريا نلاحظ وراء التوترات الإثنية والطائفية التي تحرك هذه التوترات وجود إنكار طويل الأجل لحقوق المواطنين الأساسية وفساد منهجي وعنف حكومي ضد المواطنين ،وهي ديناميكيات تحدد باستمرار البيئة السياسية في مصر، حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
عنف سياسي
إن النظام الحالي من العنف السياسي، الذي بدأ ويستمر بشراسة بالغة ضد حركة الإخوان المسلمين، يتركز بصورة متزايدة على إسكات كل الأصوات الثورية المتبقية والمرتبطة بثورة 25 فبراير 2011.
وكما رأينا في العديد من البلدان الأخرى، تتطلب هذه السياسات شيطنة المزيد والمزيد من المواطنين ووصفهم مثل «إرهابيين» و»خونة « و»أعداء» بشكل يبرر كل أساليب العنف والقمع ضدهم. وفي مصر، كما في أماكن أخرى، تكون الحصيلة النهائية لمثل هذه السياسات، التي تمَّت بقبول وحتى بدعم من حلفاء مصر وأنصارها الإقليميين والدوليين، هي تفكك روابط المواطنة وتعميق النزاعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وتتحقق مثل هذه النتيجة في العراق، كما كانت الحال في سوريا من قبل، وفي ليبيا المجاورة، وهي جلية أيضاً بصورة متزايدة وخطرة في شبه جزيرة سيناء، ويكاد يكون في حكم المستحيل احتساب تكلفة هذه الحالة من عدم الاستقرار بالنسبة إلى مصر، وعبرها إلى الاستقرار والأمن الإقليمي والعالمي، ولكن على الرغم من ذلك، فإن الخطوات اللازمة لمنع مثل تلك الحصيلة واضحة وجلية.
ويتعيَّن على الحكومة المصرية أن تطلق على الفور ليس فقط علاء عبدالفتاح والمحتجين الآخرين الذين صدرت بحقهم أحكام غيابية، بل كل السجناء والمعتقلين السياسيين، كما يتعيَّن عليها في الوقت ذاته إنهاء تسييس الإجراءات القضائية وعمليات التعذيب، وغير ذلك من أشكال العنف وسوء معاملة المواطنين المصريين، وتعليق قانون التظاهر الذي صدر في 24 نوفمبر من سنة 2013 الذي ينتهك عبر قيود صارمة على حق التجمع والتعبير السياسي مبادئ الدستور المصري والقانون الدولي.
تعليق التعاون
ونحن نناشد الرئيس أوباما ووزير الخارجية كيري والإدارة الأميركية للمطالبة بهذه الخطوات وتعليق التعاون العادي مع الحكومة المصرية – بما في ذلك المساعدات العسكرية والاقتصادية غير الإنسانية – حتى يتم تطبيق تلك الممارسات.
ثم إن تجاهل أو تبرير الانتهاك الفاضح للحقوق الإنسانية الأساسية في مصر، وخاصة مع تعرض دول أخرى في المنطقة إلى تداعيات سياسية، لا يمكن أن يعتبر سياسة بناءة أو أن يبرر من منطلق الواقعية السياسية.
وليس في وسع المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، وهي الحليف الأكثر أهمية لمصر، عدم القيام بأي خطوة فيما تتوالى هذه الأحداث هناك.