وفق دراسة اجتماعية ميدانية: «الحب في مصر» خطاب خفي حاد في ظل وضع سياسي مأزوم

الحب في مصر حاضر بقوة رغم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
الحب في مصر حاضر بقوة رغم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية

كتب محمد جاد:
نشر موقع «قنطرة»، المُهتم بالعلاقة بين المسلمين والغرب، دراسة ميدانية موجزة لثلاثة علماء اجتماع غربيين قاموا ببحث ميداني في عدة مدن وقرى مصرية حول «الحب» في مصر، مظاهره وإرهاصاته، ونتائجه.. بداية من التفكير فيه، وحتى تبعاته المؤلمة، كما رآها الكثيرون ممن كانوا ضمن العينة العشوائية للتجربة.

الغريب في الأمر، أن مصر التي تمر بمرحلة صعبة من تاريخها السياسي والاجتماعي، والاقتصادي في المقام الأول، إضافة إلى سُمعة التحرش التي أصبحت مُلازمة لشبابها ورجالها، إلا أن هناك قطاعا كبيرا لم يزل يؤمن بالحب، ولم يزل يرى في هذه العلاقة اكتمالاً لإنسانيته، يبحث عنها ويُعاني فظاعاتها التي لا تطاق، وهو أمر جدير بالتنويه في مجتمع ناله الكثير من التشويه في جيناته الروحية والثقافية في الآونة الأخيرة.

ما يشغلهم هو الحب

يتحدَّث الباحث الألماني شتيفن شترومنغر، عالم الإثنولوجيا بجامعة هال الألمانية، عن المفارقة الكبيرة في مصر، فالحديث الدائر دوماً عن السياسة والوضع الاقتصادي لا يوحي بمجال للحديث عن الحب والعلاقة بين رجل وامرأة، ولا يكاد يُرى أثراً مادياً لهذه العاطفة ــ كما في الغرب ــ كقبلة في الطريق، مثلاً، بل وجوه متوترة ومكفهرة، ومتصنعة الابتسامة التي تخفي الكثير من الهموم.. المشكلات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، ومع ذلك، فأي حديث يتم سوف ينتهي بالحديث عن الحب والعلاقات الغرامية، فالرجل يتوصل إلى أن المصريين عموماً لديهم هوس بـ «الحب»، حالاته وطقوسه، وعدم تفسير ردود أفعال المحبين تجاه عاشقيهم هي التي تجعل الآخر في موقف مُربك، هو الوحيد الذي يُشعره بالعجز وقِلة الحيلة، رغم كل المعاناة اليومية في حياته.

كأسنان المشط

صراع المصالح الفئوية في مصر هو المحرك الأساسي للآراء والمعتقدات المتباينة، رغم نفي الكثيرين لهذا الأمر، إلا أن التجربة الحقيقية ولحظة الاختيار الحقيقي، هي التي تثبت أن هذا الصراع قائم وفي حالة حادة وكامن في لا وعي كل مَن ينتمي لهذه الفئة أو تلك، إلا أن مسألة «الحب» ومعاناته يبدو أنها توحد هذه الفئات، وتخلق بينهم مساحة من تعاطف المرضى تجاه رفاقهم الممسوسين، فهم متساوون كـ «أسنان المشط».

على سبيل المثال يروي الفلندي صامولي شيلكه، الباحث الإثنولوجي بمعهد الدراسات البرليني «مركز الشرق الحديث» عن مقابلته لعاشق قاهري يعمل موظفاً في بنك، ويبلغ من العمر ستة وعشرين عاماً، يُعاني تقلبات فتاته، وحتى يتفادى حالة الجنون التي كاد يصل إليها، اقتنى هاتفا محمولاً ثانياً، وسجل رقمه في هاتفه الخاص تحت اسم «حبيبته»، ثم أصبح يرسل إلى نفسه رسائل حب قصيرة، بحيث يكفيه أن يظهر اسمها على شاشة الهاتف، وكأنها تقول له مثل هذه الكلمات الرومانتيكية.. «مفتقداك جداً لدرجة الألم.. هشوفك إمتى؟»، فيما يسأله فتى من قرى الدلتا بعد شكواه المتكررة من صَد حبيبته عنه.. «هو الحب عندكو عذاب كده زي عندنا يا خواجه؟!».

فن السير على الصراط

ويُشير الباحث الاثنولوجي شترومنغر إلى بعض السمات والخصائص التي تتقنها النساء في هذه اللعبة، والأمر هنا يرتبط بمناورات متشابكة ومرهقة للطرف الآخر، عليه أن يخوضها في هدوء وصبر بالغين.. فالمثل الشعبي المصري يقول «التؤل صنعة»، وهو تعبير عن مرحلة الاختبارات التي تقوم بها المرأة للرجل، فتبدي عدم اكتراثها له، رغم وقوعها في غرامه، كما تظهر له بعض اللفتات والمشاعر الإيجابية، وكأنها أفعال عرضية، لا تعده بشيء، وذلك لتحقيق عدة أهداف.. رسالة منها إليه بأنها حسنة التربية والأخلاق، ولاختبار مدى حب الرجل وتعلقه بها، إلا أن هذه اللعبة الخطرة يجب ألا تزيد على الحد، حتى لا يصل الرجل إلى مرحلة اليأس، وحتى لا يتحول الأمر من وجهة نظره إلى عدم اهتمام حقيقي، فـ «التؤل صنعة».

Please love me

ويرى أيمون كرايل، الباحث السويسري بجامعة زيوريخ، أن حالات الحب هذه لها جانب آخر حسي، خفي يمارسه البعض في ظِل فسحة التشريعات الدينية، كالزواج العرفي، وهو ليس مسجلاً في السجلات الرسمية، لكنه يسجل على قطعة ورق غير رسمية، وبحضور شاهدين، ما مكّن عديدين من إقامة علاقات من وراء ظهور عائلاتهم.

ورغم مظاهر الشعور أكثر بالخوف من «الله» منذ السبعينات، وانتشار التيار المحافظ في مصر، إسلامياً أو مسيحياً، كرد فعل.. زدياد اللحى والحجاب، في مقابل استعراض الصلبان الموشومة على أذرع المسيحيين، وازدياد حلقات دروس الكتاب المقدس.. كل هذا لم يمنع إقامة علاقات غرامية رومانتيكية على حساب العائلة والتقاليد، فهالة القداسة انتزعت في السنوات الأخيرة عن العديد من الرموز الدينية لدى الجانبين، ويستشهد كرايل، قائلاً «رأيت امرأة في القاهرة ترتدي حجاباً مطبوعاً عليه امرأة شهوانية تمط شفتيها متهيئة لاستقبال قبلة، وتحت الصورة كان مكتوباً: Please love me»!».

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.