صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب بعنوان «جيل الشباب في الوطن العربي ووسائل المشاركة غير التقليدية من المجال الافتراضي إلى الثورة» لمجموعة من المؤلفين وبإشراف د.محمد العجاتي.
ويتناول الكتاب بالرصد والتحليل خمس حالات عربية شهدت حراكاً شبابياً، عرفت تمايزاً في أساليبها وأبعادها، وحتى في نتائجها، وهي تجارب تونس ومصر وسوريا والمغرب والبحرين، مستقرئاً أيضاً تداخل البعدين الوطني (القُطري) والقومي (العربي) في الثقافة السياسية التي أفرزها هذا الحراك الشبابي.
ويرى الكتاب، أنه بعد عقود من الجمود في عملية تداول السلطة في الوطن العربي، وفي لحظة تاريخية كان المشهد العربي فيها يبدو عاجزاً عن إحداث أي عملية تغيير سياسي تكسر حلقة الاستبداد المتجذّرة منذ عقود، وما رافقها من مظاهر فشل وترهل في مكوّنات الدولة والمجتمع في معظم الأقطار العربية.. وقد اجتاحت الوطن العربي موجة من الانتفاضات والثورات، وكان للشباب دور أساسي في إطلاقها وتحريكها، متجاوزاً هذا الشباب المكوّنات السياسية والحزبية التقليدية، التي عجزت على مدى عقود في إحداث أي عملية تغيير سياسي جدي في بلادها، مستفيداً هذا الشباب من وسائل الاتصال الحديثة لابتكار أساليبه في التواصل والتعبئة ونقل الخبر والحشد وبلورة الرؤى والخيارات البديلة، بعيداً من وجود قيادة تاريخية أو زعيم ملهم.
ويسعى هذا الكتاب للتعرف إلى تركيبة وخصائص هذا الجيل الشاب واستقراء أنماطه الجديدة في المشاركة السياسية، والوقوف على نمط تفاعل المجتمع معه، بعدما فرض نفسه هذا الجيل وحراكه السياسي كفاعل وفعل جديدين على الساحة العربية، كما يبحث الكتاب في جدلية العلاقة بين الافتراضي والواقعي، وقدرة الشباب العربي هذا على فرض نفسه وأفكاره وقيمه وآلياته على الواقع.
خلاصة الكتاب
ومما جاء في خلاصة الكتاب: ليس غريبا أن تكون طليعة الربيع العربي ووقوده شبابية، فمتوسط أعمار السكان في البلدان الخمسة التي شهدت ثورة أو حراكاً ثورياً، مصر وتونس والبحرين وسوريا والمغرب، وفقاً لتقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2011 يراوح بين 20.1 و30 عاماً، وهي كلها تحت المتوسط العالمي البالغ 29.2 عاماً، باستثناء البحرين. وطبيعي أن يقود جيل الشباب هذا الحراك الثوري، فقد ذاق هذا الجيل ويلات الاستبداد والفساد منذ نشأته وحتى سن الرشد أكثر من غيره من الأجيال، حيث امتلك قدرة متراكمة على نقد الأوضاع في البلد الذي ينتمي إليه، والأمة التي هو جزء منها، على نحو يجعله ناقماً على الأوضاع أكثر من أي وقت مضى وأكثر من أي جيل آخر في التاريخ العربي.
دور الشباب
ولا ينكر أحد دور الشباب في الحراك الثوري العربي الذي تشهده بلدان المنطقة منذ عامين، سواء في الحشد والتعبئة أو في التنظيم والمساعدة في تسيير الأمور اليومية أثناء هذا الحراك، فمشاركة الجيل الجديد في الحركات السياسية العربية المختلفة، من اليمين إلى اليسار، في الجدل العام حول القضايا المختلفة، وبحثه عن وسائل للمشاركة بعضها قديم أعيد أحياؤه، مثل النكتة السياسية والكاريكاتور والأغنية السياسية، كوسائل شعبية للتعبير عن الرأي، سواء كانت بهدف النقد أو الدعابة، تعد إبداعاً وتجديداً، فمجرد إنتاجها وتداولها في الفضاءات العامة والخاصة هو تعبير عن إرداة للمشاركة.
وإذا كانت هناك وسائل أخرى جديدة ظهرت بسبب تطور الوسائط التكنولوجية المتعددة واستخدامها لنشر وتمرير الفعل المشارك، فتمرير النكات السياسية لم يعد حكراً على المجالس الخاصة، وإنما امتد إلى رسائل المحمول والبريد الإلكتروني. وينطبق الأمر كذلك على الأغاني السياسية التي عرفت انتشاراً واسعاً، من خلال المواقع والمدونات والمنتديات وصفحات التعارف الاجتماعي كـ«الفيسبوك»، إضافة إلى التفاعل مع البرامج الحوارية اليومية على شاشات القنوات العامة والخاصة، وهو وجه آخر من أوجه المشاركة.
وبالمثل، تشهد هوامش التعليقات على المواقع الإلكترونية للصحف اليومية نقاشاً ثرياً بين مختلف المعلقين لا يقل أهمية عن المقال أو الخبر الذي أثيرت هذه التعليقات على هامشه، كما تعد المدونات إحدى الوسائل الخاصة جداً بهذا الشباب، وقد استخدمت كأداة لإثارة قضايا المواطن، مثل حقوق الإنسان.. وغيرها من القضايا السياسية، كحملات التضامن والمقاطعة لإسرائيل، وهو ما يُعد تطوراً جديداً للإعلام البديل، إذ لم يعد قاصراً على الفضاء الافتراضي، بل بدأ يتفاعل عمليا مع الواقع.
هذه الأنماط الجديدة تعكس وجود رغبة لدى هذا الجيل في المشاركة، وإصراراً عربياً خالصاً على المشاركة في الشأن السياسي الجاري، ولكنها مشاركة غير تقليدية، تعوض عزوفه عن المشاركة التقليدية.
وسائل غير تقليدية
ويمكن القول إن ثمة وسائل جديدة للمشاركة السياسية للشباب، وهي وسائل غير تقليدية تتطور سريعاً، ويتغيَّر نمط وأولوية المشاركة عبرها من بلد عربي إلى آخر، ومن ثم، فهذا الجيل الجديد من الشباب العربي يحتاج إلى آليات جديدة، بل هو يفرخ بذاته نخبته الجديدة، ومن ثم يحتاج إلى إعطائه مزيداً من الثقة في قدرته على تسيير أمور بلاده مستقبلاً، وذلك من خلال تشجيعه على الانتماء إلى الأحزاب الجديدة، ودفعه ليعبّر عما في داخله من تطلعات وأفكار وقيم، ومن ثم ينتقل من موقع الحلم الثوري التغييري إلى موقع قيادة هذا التغيير في الواقع، وعلى الأجيال الأكبر أن تدرك أن إقصاء هذا الجيل، هو ما أدَّى إلى الحراك الثوري، ومن هنا، فلا فائدة من الاقصاء، بل لابد من الإصغاء لما يطرح وتحويله إلى ماكينة عملية لتحويل الأفكار إلى وقائع.
لقد ظل الباحثون والمتابعون لتطور الجدالات العامة في المجال الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي في حيرة شديدة من تقديم إجابة عن سؤال محوري حول مدى قدرة هذه الأصوات على نقل جدالاتها وسجالاتها الفكرية والعملية إلى واقع ملموس، وتكوّنت جدلية الانتقال من الافتراضي إلى الواقعي، وثارت شكوك كثيرة في مدى قدرة جيل الشباب على فرض نفسه وأفكاره وقيمة وآلياته على الواقع، وما إن اندلعت الثورات العربية والحركات الاحتجاجية في نهاية عام 2010 وبدايات عام 2011، حتى حسمت الأمر بصورة قاطعة.
دور الشباب العربي في الحراك الثوري
واستعرض الكتاب دور الشباب العربي في الحراك الثوري، حيث ساهمت التحولات السياسية الكبرى التي يعرفها العالم العربي في بروز فاعل وفعل جديدين في عدد من البلدان العربية، وهو الشباب والحراك السياسي للشباب.
وقد عُدّت هذه الحركة كظاهرة جديدة من جهة، نظراً لكون الشباب ظل، ولمدة طويلة، غائباً أو مغيباً عن الساحة السياسية، بحيث خلص عدد من التحليلات إلى عزوف هذه الفئة، إرادياً أو لا إرادياً، عن العمل السياسي وعدم اهتمامها بالشأن العام. ومن جهة أخرى، نظراً إلى طبيعة التنظيم والوسائل المستعملة للاحتجاج والتعبئة، بحيث أصبحت الشبكات الاجتماعية، كـ«فيسبوك» و«تويتر» و»يوتيوب» والمدونات، الأدوات الأساسية لهذا الحراك.
وقد تميز جيل الشباب العربي الذي قاد الحراك بالجرأة والمخاطرة والسرعة والإنجاز والقدرة على الشحد والتحدي والابتكار والإصرار، كما يحمل توقاً إلى الحرية والكرامة، فلم يعد لدى الإنسان العربي أغلى من كرامته في مواجهة أدوات القمع والإهانة والإذلال، ومن ثم وجّه وسائل التكنولوجيا والاتصال لمقاومة كل ما من شأنه أن يقف في وجه تطلعاته تلك، فمن خلال أدوات بسيطة جداً وفي وقت وجيز يراوح ما بين الثمانية عشر يوماً والثمانية أشهر، وهو وقت ليس بالطويل في عُمر الثورات، قياساً على الثورات الكبرى التي أسقطت نظماً ظلت في السلطة أحد عشر عاماً على الأقل، وما بين جمعة وأخرى كانت الملايين تجتمع بدعوات من مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى مواقع للتغيير الثوري، ربما أتاحت خاصية السرعة والإنجاز هذه طبيعة الوسائل التكنولوجية الجديدة التي أدركها الشباب وأحسن استعمالها.
أحد الأمور المعروفة في كل الثورات التاريخية هو وجود الرمز الحزبي أو الشخصي، الذي كان يقود الحراك ويوجه الناس.. أما في الثورات العربية، فقد انقلبت الأمور، إذ بدأت الثورات من دون رموز أو قيادات مركزية، تحرَّكت الاحتجاجات في الشارع، من خلال المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يمكن عدّها ثورات من دون مركزية أو قيادات رمزية، ربما خلقت بعض الرموز في ما بعد من هؤلاء الذين كتبوا ونشطوا في هذه الوسائل، يرى البعض أن هذا ما حمى الثورات وجعلها تستمر، حين غاب الرمز أو القائد الذي لو تم اعتقاله أو تصفيته من قِبل الحكومة لانتهت الحركة، وهذه سمة ميَّزت الحراك الثوري العربي، حيث تراجعت الرمزية وصار الشارع يقود نفسه بهذه الطريقة، وأصبح من الصعب أن يلاحق آلاف المغردين الذين يحاصرونهم من كل جهة، وبمستوى وعي عالٍ ولغة متطورة، ويستخدمون رموزاً ولغة، ربما تبدو غريبة بالنسبة للأجهزة الأمنية التقليدية، حتى بعد استعانتها بخبراء للسيطرة على المجال الافتراضي ولم تستطع تحقيق ذلك.
وقد لوحظ في الحالات الخمس التي تعرَّضت لها الدراسة، أن القمع أنتج وسائل مقاومته على نحو يمكن معه القول إنه كلما اشتدت وسائل القمع وزادت القيود على الحقوق والحريات ووسائل التعبير عنها ازدادت في المقابل الوسائل المقاومة لها تطوراً وقوة وازداد إصرار الشباب على كسرها وتجاوز النخب الحاكمة التي تستخدمها.
الاستخدام السياسي للعالم الافتراضي
تناول الكتاب دور العالم الافتراضي في الاستخدام السياسي، مشيراً إلى أن المجال الافتراضي الذي تجاوب معه المجتمع العربي بسرعة كبيرة أتاح كثيراً قدرات فائقة للحشد والدعم حتى لدى الشباب والقطاع غير المسيس من المواطنين في الوطن العربي، وهو قطاع عريض، وهذا يفضي إلى استنتاج أن البنى السياسية التقليدية، سواء كانت معارضة أم سلطة حاكمة، لم تعد قادرة على ادعاء احتكار القدرة على الحشد والتعبئة من دون غيرها، فالنشطاء الجدد أثبتوا أن لديهم قدرات فائقة على الحشد، وإن اختلفت قدراتهم تلك في الحشد من الميادين عنه في الحشد للعملية السياسية التقليدية ممثلة بصناديق الاقتراع، فقبل الثورات كان المعارضون الليبراليون، وحتى القوى السياسية الأخرى من غير المعارضة، يشتكون أن القوى الإسلامية لها المساجد ودور العبادة، ما يمنحها القدرة على مخاطبة الحشود.. أما اليوم، فلا مبرر أمام هؤلاء مع حضور الإعلام الجديد الذي كسر هذه القاعدة، وفتح الباب على مصراعيه لأي شخص وأي جهة، بأن تخاطب الجميع وتصل إلى أكبر قطاع ممكن من الناس، إذا كان لديها خطاب ولغة تجذب الناس، ومن ثم، فعلى النظم التي يفترض أن تصل للسلطة بعد هذا الحراك ألاّ تعتقد بأن العملية السياسية هي الانتخابات، وأنها هي وحدها القادرة على رسم مسارات المستقبل بطرق وآليات محددة سلفاً.
كما أنه في ظل الإعلام المعولم الذي أصبح يواجه منافسة شديدة من قِبل الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي الجديدة أصبح أشبه بالمستحيل التعتيم على ما يحدث في الواقع أو حتى تشويه صورته أو حتى مجرد تعطيل وصول الأخبار إلى من يبحثون عنها، حيث تشكلت ونسجت علاقات بين المحتجين وبين أصحاب حسابات وصفحات الـ«فيسبوك» والمدونين، نجحت في التغلب على التعتيم الإعلامي بسرعة تناقل المعلومة وسهولة ترويجها على نطاق واسع، بفضل شبكة العلاقات التي تم نشرها على الـ«فيسبوك» والإنترنت، بفضل الصحافة الإلكترونية، والتي يسّرت ممارسة حرية الرأي والتعبير، من دون المرور على تعقيدات وإجراءات الرقابة التقليدية، كما أن التعتيم ساهم في المزيد من تأجيج الأحداث، وأصبح المشاركون في الاحتجاجات هم أنفسهم المراسلون الإعلاميون.