
كتب آدم عبدالحليم:
اعتبر المشاركون في ندوة المنبر الديمقراطي، التي أقيمت يوم الأحد الماضي في مقر المنبر بضاحية عبدالله السالم تحت عنوان «قراءة في مجريات الأحداث العراقية»، أن الحل الحقيقي للخروج من الأزمة العراقية الدائرة حالياً يكمن في مشروع وطني للمستقبل، بعيد عن المحاصصة والتصنيفات الطائفية والعرقية، على أن تكون تلك التحركات بمباركة من أطراف اللعبة إقليمياً ودولياً.
شارك في الندوة الكاتب الصحافي في جريدة القبس زهير الدجيلي، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت د.شفيق الغبرا، اللذان أكدا أن تهميش رئيس الوزراء العراقي لمكونات المجتمع العراقي والأطراف السياسية الأخرى سبب رئيس في ما آلت إليه الأوضاع حالياً، مشيرين إلى أن نجاج «داعش» في الاستحواذ والسيطرة على بعض المناطق ليس نجاحاً منفرداً لها، مؤكدين أن «داعش» رأس الحربة الذي تقف خلفه تنظيمات وأطراف مختلفة، يأتي في مقدمتها حزب البعث والموالون له وآخرون يئسوا من الحكومة وسياساتها.
في البداية، أكد الكاتب الصحافي العراقي زهير الدجيلي، أن ما يحدث على أرض العراق، بما فيها ظهور «داعش»، يأتي في ظروف شاذة ومتأزمة سياسياً، وقال: إن الوضع السياسي للمكونات العراقية في أسوأ حالاته وغير طبيعي، فالخلاف وعدم التوافق يسيطران على العلاقة بين هذه المكونات، على الرغم من انعقاد 23 اجتماعاً لمحاولة التقريب والمصالحة الوطنية، إلا أنها لم تسفر عن شيء، بل زاد الأمر تفاقما عما كان عليه قبل الاجتماعات.
وأضاف أن وضع الأكراد لم يختلف كثيراً عن الوضع السابق، فالعلاقة بين الأكراد والحكومة المركزية في تأزم، ووصل إلى سقف عالٍ من الخلاف، ووضعهم أقرب إلى الانفصال عن الوحدة.
مشاعر غاضبة

ووصف الدجيلي أوضاع العراقيين السُنة بالسيئ، فلم تسمع مطالبهم منذ سبعة أشهر قضوها في عزلة تامة، ولم تتم مشاركتهم في المشهد السياسي، كما تم الاتفاق معهم من قبل، وقد جاءت حرب الأنبار، لتؤجج مشاعر غاضبة ضد النظام، وصنعت مجموعات متذمرة وغاضبة من مناطق الفلوجة والأنبار.
وعن الأوضاع عسكرياً، أكد الدجيلي أن القوات البرية تتكوَّن من 14 فرقة، وكل فرقة تحتوي على 14 ألفاً ونيف، أي أن القوات البرية تمتلك أكثر من 196 ألف مقاتل، ذلك الجيش الذي تم تشكيله منذ عهد بريمر، الذي يجمع في صفوفه مقاتلي الميليشات تم دمجهم في مشروع الدمج.
وأشار إلى أن هؤلاء المقاتلين غير مدرَّبين بما يكفي، على الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية أشرفت على تدريبهم خلال ثماني سنوات، وعقدت اتفاقيات مع الأردن لتدريبهم وتجهيزهم، إلا أنهم في النهاية أفراد غير محترفين.
وأوضح الدجيلي أن وضع الجيش غير المحترف كان دائماً سبب قلق للحكومة، واستخدمته الحكومة المركزية في المدن، وجعلته يؤمّن نقاط التفتيش في مداخل المدن ومخارجها، وأرسلت بوحدات كاملة لحماية الشوارع من الإرهابيين والمتطرفين والمعارضين، مضيفاً أن الحكومة حاولت اختزال الجيش في قوات النخبة، لكن على الرغم من جدية الفكرة، فإن الاختيار والتكوين لجيش النخبة جاء على أساس الولاء الحزبي، وباعتبار أن رئيس الوزراء ينتمي لحزب الدعوة أصبحت قوات النخبة تنتمي للحزب ذاته، وأصبحت للحزب اليد الطولى، على الرغم من أن رئيس الحكومة شكل حكومة وطنية.
سقوط الموصل
وعن سقوط الموصل، أكد الدليمي أن هناك أكثر من 180 ضابطاً من قيادة القوات المشتركة والقوات البرية الأخرى تم ترفيعهم إلى رتب أعلى، ومنهم من كان غير موالٍ للمالكي، وانتابهم شعور بعدم عدالة التضحية بأرواحهم له خلال مواجهتهم مع «داعش»، وكان هذا هو السبب الرئيس في الانسحاب.
وأضاف أن «داعش» يملك 14 ألف مقاتل في الأراضي العراقية، ويتشكل هؤلاء المقاتلون من قوات يمنية متطرفة، وقيادات من الحرس القديم (حزب البعث)، مضافاً إليها سيئات الحكومة الحالية «فئات كارهة لسياسات الحكومة»، وآخرين ضمن تنظيمات سرية وخلايا أخرى غير معروفة جميعها حاول، ويحاول، الاتصال مع الجهات المتذمرة.
وأوضح الدجيلي أن «داعش» يتحرك في مساحة تتخطى نصف مساحة العراق، ولاسيما في شمال بغداد من الموصل، والتي تحوَّلت فيها العمليات إلى كرّ وفرّ، إلى جانب مناوشات على أطراف كركوك، والتي فيها قوات البشمركة، مضيفاً أن ذلك يأتي بالتزامن مع قوات عسكرية حكومية منهكة، كون تلك العمليات «الكرّ والفرّ» فوق قدرة الحكومة، وأن المشكلة الأكبر أنه مع مرور الوقت تتسع دائرة التفكك في القوات الحكومية، ولاسيما مع عدم إنشاء مركز للسياسات.
وأردف الدجيلي أن 9 جماعات إلى جانب مقاتلين آخرين انضموا إلى «داعش»، حتى وصل عددهم إلى 40 ألف مقاتل، واستولوا على مطار الموصل ومدرعات وعتاد عسكري وأسلحة مختلفة، واستولوا على 500 مليار دينار عراقي من بعض البنوك، موضحاً أن «داعش» استحدث خططا جديدة، عن طريق نصائح من البعثيين، ومن المحتمل بعد هذا أن يحدث صراع بين الجماعات التي يتكون منها «داعش»، كما حدث من قبل مع جبهة النصرة في سوريا.
ضعف الحكومة
وعن نقاط ضعف الحكومة، قال الدجيلي: أهم نقاط الضعف تتمثل في تشبث المالكي بالسلطة من دون إشراك بقية المكونات العراقية، الأمر الذي حول ردود الأفعال إلى ردود أفعال طائفية، وأصبح الأمر استعراضا من قِبل المتطوعين، في الوقت الذي شكَّل فيه «داعش» مجالس عسكرية في المحافظات والمدن التي سيطروا عليها.
وعن الخروج من المأزق، أشار الدجيلي إلى أن هناك حديثاً عن اتفاق بين المكونات السياسية، لكن ذلك الأمر سيأخذ مزيداً من الوقت، فمنذ ثلاث سنوات والأحاديث تدور حول هذا الأمر، من دون جديد، على الرغم من الوساطات الإقليمية والدولية، لدرجة أن الأكراد استفادوا من الوضع الحالي «بعد أحداث الموصل»، وبدأوا في ترتيب أوراقهم، بعد مرحلة الموصل، ويتحدثون بشكل انفصالي، وقاموا بتصدير النفط من دون الرجوع إلى بغداد.
وعن الجهود الدولية لتشكيل حكومة، أكد الدجيلي أن تلك الجهود لن تثمر، طالما أن الأرضية هشة، وأن ما يحدث حاليا من أجل تقسيم العراق ويعاد طرح مشروع جون بايدن لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، السُنة في الوسط، والشيعة في الجنوب، والأكراد في الشمال، وكل أمير يلزم إمارته، حتى لو كانت حجارة.
من جهته، وصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د.شفيق الغبرا الأحداث الحالية في المشهد العراقي بمثابة فشل لزعيم عربي آخر على صعيد الإدارة والأسلوب والمنهج والتعامل، ليدخل بذلك في نفس النادي الذي سبقه فيه عدد من الزعماء العرب، بعد سلسلة من الثورات العربية.
تهميش
وأضاف الغبرا أن ما يحدث في العراق يؤكد أن الأنظمة العربية تهمش الجيوش على حساب الأمن والسيطرة، وبناء قوة أمنية ذات أبعاد طائفية لتفادي الانقلابات العسكرية، موضحاً أن في هذا النموذج يتكرر العيب نفسه.. ضباط محترفون يهمشون، ونائب رئيس يتهم بالإرهاب، فبرز «داعش»، وبرزت تحديات أخرى، بعدما أصبح المشهد يتكرر، ويعطي نفس الانطباع والنتائج.
واعتبر أن هناك تراجعاً في مفهوم القادة ومكانتهم، وأصبحت هناك قوى هامشية قائمة على إمكانات حقيقية قادرة على إسقاط قوى كبيرة، كما حدث في عدد من بلدان العالم العربي في 2010، مؤكدا أن الأمر نفسه سيتكرر، لأن هناك بعض القيادات لا تزال تسير على النمط القديم، ولم تتأقلم مع الأوضاع الحالية، مشدداً على ضرورة إعادة النظر في القيادة الهرمية، وأن هناك قيادات جذرية تأتي من الجذور متسلحة بتغيير المفاهيم وإمكانات التواصل الاجتماعي التي غيَّرت الشكل تماما.
وأوضح الغبرا أنه عندما تسقط مفاهيم كبرى ستسقط قوى وتبرز أخرى، وتعمل على استغلال الموقف، وتحاول قوى تقليدية الاستفادة من زمام المبادرة والبقاء.
غياب مشروع وطني
وأضاف أن «داعش» استغل الموقف وبرز، ولم يملك مفاتيح المرحلة المقبلة، لذلك سيشهد صراعات، كونه برز في غياب مشروع وطني إنساني تنموي، كما أن هناك ضرورة لاستقالة المالكي، ولابد من رؤية جماعية تسمح بحوار حقيقي مع مكونات الشعب العراقي، معتبرا أن انقسام العراق أمر في غاية الخطورة، لأنه سيحول الساحة العراقية إلى صراع دموي.
وأشار إلى أن هناك من العراقيين مَن يرى في تدخل الإيرانيين أن استقلالهم منقوص، وهناك مثقفون إيرانيون يؤيدون ضرروة بقاء أصابع إيران موجودة في المكونات العراقية، مشيراً إلى أن الاستقلال عن إيران لا يعني أن يكون العراق عدوا لها، كما حدث في الثمانينات، لذلك علينا أن نتحدَّث مع المكون الآخر الأكبر (الإمارات، السعودية، إيران، أميركا)، وأن العراق من دون نظرة إقليمية، سيكون هو الخاسر.
