محمد العجيري : أليس منكم رجل رشيد؟

تطوُّر الأحداث الإقليمية وتفجُّر الصراعات الدموية بوتيرة غير مسبوقة في الدول القريبة منا، يدق – وبصوت مدوٍ – ناقوس الخطر.

هذه الصراعات تنتشر بطريقة مخيفة وغير منضبطة داخل هذه الدول، وتهدد بعبور الحدود في أي لحظة، كما حدث في العراق وسوريا (داعش)، وتأخذ أشكالاً، كل واحد منها أخطر من الآخر.. فمن ثورة شعبية مستحقة على السلطة المستبدة والنظام الفاسد، كما هي الحال في تونس وليبيا ومصر وسوريا، إلى التحوُّل إلى حرب طائفية غير معلنة، مثل العراق، أو إلى اقتتال غير مُسيطَر عليه ينتقل من محافظة لأخرى، كما في اليمن، لبسط النفوذ والاستيلاء على أراضٍ أكبر، لفرض شروط، ولكسب موقف تفاوضي أقوى أمام السلطة المركزية (الحوثيون)، أو لتكوين قواعد تدريب وتصدير مقاتلين (القاعدة في حضرموت)، أو فوضى عارمة واقتتال وضعف وعدم سيطرة من قِبل الدولة المركزية، كما في ليبيا.

الكل يشارك في هذه الصراعات، من دون استثناء، سواء كانت القوى الإقليمية أم الدولية.. والكارثة أن تشابك وتعارض المصالح يعقد ويزيد من أوار هذه الحروب، ولاحظنا ظهور أدوات وأسلحة غير تقليدية فتاكة تعمل على تفكك وتهتك نسيج المجتمعات في الدول المنكوبة، ولعل من أبرزها سلاح الطائفية المدمر، ساعد في ذلك انتشار الأمية والفقر ونوعية التركيبة السكانية في بعض هذه الدول، ففيها تجمعات إثنية وقبلية لم يتم انصهارها في صيغة اجتماعية صلبة قائمة على مبدأ المواطنة والانتماء إلى الأرض المسماة بالوطن، الذي هو ملك للجميع، بكل ما يحويه من نعم وخيرات يفيء بها على الجميع بالتساوي والعدل.

لقد ساهمت الأنظمة الفاسدة في المحافظة على شكل التركيبة الهشة، اجتماعيا، وحرصت على عدم صهر هذه التجمعات، بل استخدمت التناقضات والفروق الثقافية والدينية والعرقية، للسيطرة على هذه الجموع، وهذا ما جعل تفجر الخلافات قويا وغير منضبط لحظة قيام الانتفاضات ضد الأنظمة، فتعقدت الأحوال وأربكت الثائرين، لعدم وجود أجندة مشتركة تكون أساسا للتقدم إلى الأمام. بالطبع لن ننسى أشياء أخرى مهمة وأساسية في الإرباك الذي أصاب الثورات أو الانتفاضات العربية، أهمها تضارب مصالح القوى الدولية والإقليمية المؤثرة التي عقدت الأمور إلى درجة خطيرة، وفتحت الباب على مصراعيه للتدخلات الخارجية، فتدفقت جموع المقاتلين المرتزقة من كل حدب وصوب، منها من هو مدعو من السلطة، كما هي الحال في سوريا ودخول حزب الله والميليشيات العراقية والحرس الثوري الإيراني.. أو بالمقابل، قوات النصرة و«داعش» وغيرهما من تنظيمات لا تمت إلى سوريا أو الثورة السورية بصلة، بل إن دخولها صبَّ في صالح النظام المستبد، أو التدخل لتسليح المقاتلين المعارضين المحليين أو دعم السلطة بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية، لقمع هؤلاء الثائرين، والنتيجة أن الوضع تحوَّل من ثورات شعبية مستحقة ذات أهداف نبيلة وسامية إلى حروب بالوكالة طاحنة تأكل الأخضر واليابس، يذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء، ولتتحوَّل أحلام من بقي منهم إلى كوابيس مرعبة لا تنتهي.

هذا العرض للأحداث مُراده لفت الانتباه لما قد يحدث عندنا محليا، فنحن نعيش حالة احتقان غير مسبوقة، لا يستطيع أيٌ منا إنكارها أو تجاوز مسبباتها.. نحن نحسها ونتلمسها يومياً لدى الشباب، ولا نعلم كيف ستتطوَّر ردود أفعالهم عليها.

قد نرى رأس جبل الجليد، ولكن ما هو خافٍ أكبر وأعظم.. نتحدث دائماً عن الفساد والمفسدين، ولم يحصل لنا الشرف في التعرف على أي منهم أقتيد إلى القضاء ونال ما يستحقه من جزاء.

يتحدَّث أفراد بيت الحُكم عن خلافاتهم بأعلى صوت، وبياناتهم تتصدَّر صفحات الجرائد وفي محطات التلفزيون بالصوت والصورة، فلم يعد سرهم حبيس البيت، بل في الشارع وعلى رؤوس الاشهاد، من دون أن نرى أو نسمع أن هناك من لديه النية لوضع حد لهذه المسألة، وكأن بيت الحُكم لا يأبه أو أنه عاجز عن معالجة مشاكله.

نتابع فشل الحكومات المتعاقبة في تقديم الحد الأدنى مما يجب عليها القيام به، ولا نرى في الأفق ما يمكن أن نسميه بارقة أمل في تعديل الوضع لتجنيب البلد كوارث اقتصادية واجتماعية وأمنية قادمة لا محالة، إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه الآن.
ما يتم تداوله في وسائل الإعلام عن مشاريع وخطط تعتزم الحكومة تنفيذها يسقط فوراً من خانة التصديق في ذهن المواطن، الذي فقد الثقة في كل الوعود التي ملَّ سماعها.

نشاهد أمام أعيننا كل يوم وفي كل زاوية من البلد مثالا صارخا على الفساد وفشل إدارة الدولة.

جيل الشباب مخنوق ويحتقن غضباً، لما يواجهه من مُحبطات في جميع المجالات، وصعوبة الحصول على تعليم عصري، ومعجزة الحصول على وظيفة تتلاءم مع مؤهلاته، وتأمين سبل تكوين أسرة تحتاج إلى مسكن ملائم (لا نتحدَّث هنا عن تملك منزل)، وخدمات صحية عامة آمنة ومهيأة له ولعائلته.. وغيرها من متطلبات الحياة الكريمة، التي كان من البديهي توافرها، من دون منة، لما يتوافر لدى الدولة من إمكانيات مادية وبشرية.

بالطبع، يعيش الشباب هذا القلق، وهم يقرأون كل يوم عن التجاوزات والاختلاسات والهدر غير المعقول في نفقات تنفيذ مشاريع الدولة التي لا تنتهي ولا تنجز أبداً بالوقت أو الميزانية المرصودة. يسمعون عن «التظبيطات» المالية السياسية بالملايين التي تتم من دون خجل أو وجل من المستفيدين منها أو فاعليها، ومن دون أن تطول العدالة أياً منهم.

هذه حالة تحتاج للانتباه إليها، لأن ما يمكن السكوت عنه اليوم قد لا يكون متاحاً في الغد تحمله أو تجاوزه، بل قد يكون ردّ الفعل عليه التدخل المباشر بوسائل غير معتادة لتغييره، كما حصل في بلاد أخرى.. هذا ليس تهويلا ولا تخويفا، وإنما للتفكر، قياسا على ما حصل من حولنا، وبنظرة موضوعية، فهذا يُلزمنا بألا نستهين مطلقا بما قد يحدث هنا.. نعم عندنا، هذا بالطبع إذا استمرت المكابرة والاستخفاف بما ستكون عليه ردات الفعل على أحوالنا البائسة.. أليس منكم رجل رشيد؟!

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.