
كتب محرر الشؤون البرلمانية:
لم تكن الخطوة التي قام بها النائب راكان النصف، والمتمثلة بتقديمه عدداً من التعديلات على مواد قانون إنشاء هيئة تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات، بمباركة بعض الأطراف النيابية، سوى تصحيح لخطئه وخطأ أغلبية من النواب لم تقرأ نصوص المواد بتأنٍ، قبل أن تصوّت عليه في مداولتين، ليتم إقراره بشكل نهائي، ليحق بعدها للجهات التنفيذية العمل به وببعض مواده، التي وصفت من قِبل القانونيين بأنها مثيرة للجدل، بعباراتها الفضفاضة، التي مست بتوسعها جانباً من الحريات الخاصة والعامة للمواطنين، إلى جانب انتهاكها لسرية الاتصالات.
ويُعد عدم التفات أغلبية النواب إلى تفاصيل المواد، أو ما قيل عنه «السم في العسل»، السبب الثانوي في إقرار القانون بعد السبب الرئيسي، والمتمثل في أن تلك الصياغة، سواء على مستوى العقوبات أو المواد الأخرى المثيرة للجدل، جاءت بنيران صديقة من قِبل النواب الخمسة مقدمي الاقتراح.
فالقانون، الذي أقر وسبب أزمة بين القوى السياسية والحكومة، لم يكن مشروعاً حكومياً قدمته الحكومة إلى المجلس، كما كان يعتقد البعض، ولكنه اقتراح بقانون قدمه خمسة نواب، واقتصر دور الحكومة على التقدم بتعديلات على عدد من مواد القانون الفنية لم تأخذ اللجنة بتلك التعديلات بشكل كامل.
دورة القانون
ونظراً لأهمية القضية، رصدت «الطليعة» دورة القانون منذ تقديمه وحتى إقراره، حيث أحال رئيس المجلس المقترح بقانون «هيئة تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات»، والمقدم من خمسة نواب، هم: د.علي العمير، د.عبدالرحمن الجيران، محمد الجبري، أسامة الطاحوس وحمود الحمدان إلى اللجنة التشريعية بتاريخ 12/9/2013 لتقديم تقريرها بعد وروده إليه كمقترح نيابي.
وقد تمت إضافة اسم العضوين يعقوب الصانع ود.عبدالحميد دشتي بدلاً من د.علي العمير، الذي تقلد منصب وزير النفط في التشكيلة الأخيرة، وأسامة الطاحوس، الذي أبطلت عضويته بحكم المحكمة الدستورية، وحل بدلا منه النائب الحالي نبيل الفضل.
وقد عقدت اللجنة التشريعية اجتماعاً بتاريخ 9 فبراير 2014، وتبين لها أن الاقتراح يهدف إلى إنشاء هيئة تنظم الاتصالات وتقنية المعلومات، لعدم وجود قانون ينظم هذا الأمر، إلى جانب أن الاقتراح يلبي المواكبة السريعة التي تشهدها ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهو يضمن أفضل الخدمات للمستفيدين وسد الفراغ التشريعي.
وقد أكدت اللجنة التشريعية في تقريرها، أن لجنة المرافق العامة في المجلس المبطل الثاني وافقت على مقترح إنشاء هيئة تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات، وقد وافق عليه المجلس في مداولتين، وأرسله إلى الحكومة، ولكن لم يُصادق عليه سمو الأمير، لصدور حكم المحكمة الدستورية بإبطال المجلس.
وبعد استعراض اللجنة التشريعية الاقتراح بقانون ومواده وتبادل الآراء ومناقشتها، وافقت عليه بإجماع أعضائها من حيث الفكرة، بعد أن رأت أن فكرته جيدة، ويسد نقصاً تشريعياً، وليس فيه ما يخالف الدستور.
وفي 11 فبراير 2014 أحال رئيس المجلس تقرير اللجنة التشريعية إلى لجنة المرافق العامة لدراسته وتقديم تقرير بشأنه إلى المجلس ليتم التصويت عليه.
المداولة الأولى
وقد عقدت لجنة المرافق لهذا الغرض «دراسة المقترح» وإعداد تقريرها الأول، «الذي حمل رقم 31»، أربعة اجتماعات كان آخرها بتاريخ 23 فبراير 2014 (بعد 12 يوماً فقط من تاريخ الإحالة)، حيث حضر تلك الاجتماعات ممثلون عن وزارة المواصلات وعن شركات الاتصالات، وانتهت اللجنة بعد اجتماعاتها الأربعة السريعة إلى الموافقة بإجماع أعضاء اللجنة على المقترح، ومن ثم رفع التقرير الأول في 24 فبراير إلى المجلس، الذي صوت على مداولته الأولى في جلسة 5 مارس 2014.
وبالعودة إلى القانون (الذي كان بالأصل مقترحاً نيابياً)، بفصوله الـ 12 ومواده الـ 89، وبالمقارنة بينه وبين الاقتراحات المقدمة، يلاحظ تفوقه بجهد كبير على صعيد الأعداد يفوق مراحل الاجتهاد التشريعي النيابي، الذي تتسلمه الأمانة العامة للمجلس من النواب، ويجعل ذلك التنظيم والجهد التشريعي أقرب إلى مشاريع القوانين الحكومية التي تحصر القوانين بمصطلحات تفسيرية وبأبواب تفصيلية وتعريفات واضحة، كثيرا ما تغيب عن المشرع النيابي.
تشابه بالقانون المصري
وقد يفسر ذلك أن المقترح قريب الشبه كثيراً بالقانون المصري رقم (10) لسنة 2003، والمتعلق بتنظيم الاتصالات عن طريق إنشاء هيئة قومية لإدارة مرفق الاتصالات تسمى «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» بمواد أعطت صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية والقومية في مصر، بهدف (وفقا لما قال عنه القانون) حماية قطاع الاتصالات.
وبالنظر إلى مواد القانون، الذي أقره مجلس الأمة، يتضح للجميع وجود مواد مثيرة للجدل، وأخرى تمس بصورة مباشرة الحريات العامة التي كفلها الدستور، فقد مرَّت المواد 53، 55، 59، 70، 83 دونما التوقف أمامها أو مراجعتها، بما يخدم رؤية الحكومة في مثل هذا القانون بتمكينها بالحد من «حرية الاتصالات وتداول المعلومات»، ما جعلها تقتصر ملاحظاتها وتعديلاتها على بعض الأمور الفنية وتعديلات أخرى تتعلق بالديباجة والتعريفات وميزانية الهيئة، ومجلس إدارة الهيئة، وتضارب المصالح لأعضاء مجلس الادارة.
وبالعودة إلى دورة القانون، فإنه وبعد إقرار المداولة الأولى في جلسة 5 مارس الماضي، عاد المقترح مرة أخرى إلى اللجنة، لإعداد تقريرها الثاني، كي تتاح لها مناقشة التعديلات المقدمة من الحكومة والنواب وصياغة تقرير ورفعه إلى المجلس للتصويت عل المداولة الثانية.
وقد عقدت اللجنة ثلاثة اجتماعات لهذا الغرض أيام 16 و17 و23 مارس الماضي، نظرت خلالها في التعديلات المقدمة من وزارة المواصلات والجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات وبعض النواب.
تعديلات على أمور فنية
وبعد تبادل الآراء، انتهت اللجنة إلى إجراء تعديلات على عدد من مواد القانون، ووافقت على بعض التعديلات الحكومية، وهي أمور فنية تتعلق بتحديد الوزير المختص من قِبل مجلس الوزراء، وتعديل في بعض التعريفات، وحذف بعض الفقرات، وتقليل عدد أعضاء مجلس الإدارة إلى سبعة، مع رفضها لبعض التعديلات الأخرى.
واقتصرت أيضاً التعديلات المقدمة من الأعضاء على تعديلات تتعلق بأمور فنية في القانون من دون التطرُّق إلى المواد التي تمس الحريات، ورفضت اللجنة مقترحات النائب يوسف الزلزلة، إلى جانب رفضها لأغلبية من تعديلات النائب راكان النصف، بحجة أن التعديلات متحققة في القانون، وموافقتها على إضافة بعض العبارات لعدد من مواد القانون وفقاً لرؤية النائب راكان النصف، وقد وافقت اللجنة على تعديل النائب عدنان عبدالصمد، بجعل ميزانية الهيئة مستقلة وليست ملحقة.
المداولة الثانية
وبعد إجراء تلك التعديلات وصياغتها، رفعت اللجنة في 24 مارس تقريرها الثاني والثلاثين إلى المجلس، والذي بالفعل تم التصويت عليه، ومرَّ القانون في المداولة الثانية بإجماع 45 صوتا في الأول من أبريل الماضي من دون أن يستخدم النواب حقهم في إجراء تعديلات في قاعة عبدالله السالم، عدا تعديل طفيف طلبته الحكومة يتعلق بالتجديد لمدة واحدة فقط لأعضاء الهيئة.
وبحساب الفترة التي قضاها القانون في مجلس الأمة حتى وصوله إلى الحكومة، فقد استغرقت تلك الفترة ما يفوق الستة أشهر، وهي مدة زمنية متوسطة لزمن دورة القانون في المجلس، ولم تشفع تلك المدة لجميع النواب، بمن فيهم مقدمو القانون، على قراءة النصوص بدقة، لكي تخرجها من مثالبها الدستورية وتعارضها مع الحريات.