
حوار عزة عثمان:
قالت رئيسة الجمعية الكويتية لأولياء أمور المعاقين، رحاب بورسلي، إن إنشاء رابطة الدعم الذاتي التي أنشأتها الجمعية وتعنى بالمعاقين ذهنيا، جاء بعد نجاحها في دول أخرى أجنبية وعربية، مشيرة إلى أن الرابطة أشهرت منذ سنوات قليلة.
وأكدت في حوار مع «الطليعة»، أن رابطة الدعم الذاتي لا تحصل على دعم من أحد، مشيرة إلى أن الجمعية عرضت موضوع الرابطة على القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية، ولم توافق على الدعم إلا مؤسسة الكويت للتقدم العلمي والصندوق الكويتي للتنمية، إلى جانب دعم من صحيفتي الأنباء والقبس وطيران الإمارات، مشيرة إلى أن هؤلاء المعاقين سيمثلون الكويت في مؤتمر عالمي في كينيا ويرفعون علمها خلال مشاركتهم فيه، ويقدمون ورقة يشرحون فيها التجربة الكويتية في مجال تشغيل الإعاقة الذهنية، وسيحضرون ورشاً علمية.
«الطليعة» التقت بورسلي، وسألتها عن هذه الرابطة والصعوبات التي تواجههم، وكان هذا الحوار:
● الجمعية الكويتية لأولياء أمور المعاقين لديها تجربة ناجحة جداً في إنشاء رابطة الدعم الذاتي للمعاقين ذهنياً، فما هذه الرابطة؟ وما وظيفتها وأبرز إنجازاتها؟
ـ رابطة الدعم الذاتي أشهرت رسمياً تحت مظلة الجمعية الكويتية لأولياء أمور المعاقين من قِبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهي تختص بالإعاقات الذهنية، بحيث إن المعاقين ذهنيا يشكلون مجلس إدارة منهم وبأنفسهم، ليكونوا قادرين على النقاش في أي قضية خاصة بهم، أو أي أمر يهمهم بشكل عام، وتكون لديهم القدرة أيضاً على الطرح البناء والخروج بنتائج مثمرة، وهذه الرابطة عندما أشهرناها وعملنا عليها وضعنا في الاعتبار نضوج قدرات الأبناء الذهنية في هذه المرحلة وتأهيلهم، من خلال محاضرات وندوات تحاكي الواقع، من خلال مشهد تمثيلي يمثل الواقع، كل وفق الموقف المتعلق به، ومن خلال المشاهد التمثيلية تم تبسيط المفاهيم الموجودة في الاتفاقية الدولية للمعاقين، وخصوصا أن هناك كثيراً من البنود يصعب فهمها بالنسبة للأشخاص العاديين.. أما بالنسبة لهم كأشخاص معاقين، وكون الاتفاقية خاصة بهم، فلابد أن يفهموها، لذلك قررنا أن نوصلها لهم بلغة استيعابهم، ونعطيهم من خلال المشاهد نص بنود الاتفاقية، ونقوم في الوقت ذاته بشرح حقوقهم وواجباتهم وكيفية التعامل معها ومع المجتمع.
● لكن ذلك يحتاج إلى متخصصين ليقوموا به، فهل استعنتم بمختصين لتلك المهمة؟
ـ بالفعل، أحضرنا اختصاصيين، ونظمنا حلقات يجلسون من خلالها مع الاختصاصيين، واستعانوا بعرض مشاهد توضيحية من خلال الكمبيوتر، وتولينا نحن كأعضاء في الجمعية مهمة تدريسهم.
● وكيف كانت النتيجة؟ وهل تحقق النجاح المطلوب؟
ـ الحمد لله نجحت تلك التجربة معنا بنسبة 80 في المائة، وهي نسبة ممتازة جدا، ووجدنا من الأولاد تجاوباً كبيراً، وكانوا سعداء جدا، وشعروا بوجودهم من خلال تعبيرهم عن أنفسهم حالهم حال الأسوياء.
معوقات
● وما المعوقات التي واجهتكم في تلك التجربة؟
ـ من أهم المعوقات التي واجهتنا حضور ولي الأمر مع الابن، لأن أحد معوقات المعاق الذهني تدخلات ولي أمره، لأننا في البداية عندما نسأل سؤالاً تجيب الأم عن ابنها أو ابنتها، على الرغم من أن الأبناء يفهمون جيداً، ومن خلال ذلك اكتشفنا أن فرض الحماية الزائدة على الأبناء المعاقين ذهنيا يخربهم ويجعلهم غير مؤهلين، فقررنا حضور الأبناء للجلسات من غير ولي الأمر، حتى نستطيع أن نشجعهم، ليعبروا عن أنفسهم ويتناقشوا.. وبالفعل بدأنا نشعر بالنجاح الحقيقي للتجربة عندما غاب أولياء الأمور عن الجلسات، وبدأنا نكتشف المشاكل الموجودة عند كل واحد منهم، وتمكنا من وضع الحلول المناسبة، وكان ضمن المشاكل لدى أحد الأبناء المعاقين ذهنيا أنه يرى نفسه أحسن من الأصحاء العاديين، وكان يرفض الجلوس مع المعاقين ذهنيا، وبعد إقناعه بحضور الجلسات كان يجلس صامتاً، ولا يريد أن يعبر عن نفسه خلال أي نقاش، فكان ينظر ولا يعبر، وعندما عرضنا أحد الموضوعات التي لامست ما في داخله، حينها تكلم وتحدَّث عن مشكلته، والتي كانت عبارة عن تحرش جنسي تعرَّض له، فأخرج ما في داخله، والحمد لله أنه استفاد من الجلسات، وعلى الأقل أخرج ما يضايقه، وخصوصا أنه لم يكن هناك أحد يعلم الموقف الذي حدث معه، ووضحنا لهم كيف يتصرفون إذا ما تعرضوا لمثل هذه التحرشات، وضرورة الحرص على النظافة الداخلية، وليس الخارجية فقط، وأكدنا عليهم أن لا أحد أبدا يضحك على أشكالهم، لأن ما فيهم طبيعي ومن عند الله تعالى، ويجب عليهم فقط أن يحرصوا على أن يظهروا مرتبين.
● وهل استجاب الأولاد لذلك أم شعروا بعدم الرغبة في الحضور مرة أخرى؟
ـ على العكس، وجدنا تجاوباً وإقبالاً، ولاحظنا تغيراً كبيراً عليهم، ومع مرور الوقت صاروا فاعلين أكثر، وخصوصا بعد أن تحدثنا معهم عن الصداقات وكيفية اختيار الصديق، وفهمناهم أنه ليس أي شخص يقابلونه يمكن أن يكون صديقاً، ولكن فقط مَن يشعرون براحة روحية معه، كما عرفناهم على حقوقهم وشددنا عليهم بضرورة البعد عن الكسل والنوم الزائد، وأنهم لابد أن يتحركوا.
حق المعاق في الزواج
● أنتم من أكثر المنادين بحق المعاق في الزواج مهما كانت درجة إعاقته، فما الطريقة الصحيحة من وجهة نظرك لارتباط المعاق أو اختياره لشريك حياته؟
ـ نعم، للمعاق حق اختيار الشريك، وفهمنا الأبناء في الرابطة أن هناك إطاراً معيناً وعرفاً يجب أن يتم على أساسه الارتباط، وعملنا على أن يتقبل المجتمع الشخص المعاق ذهنيا، ولكن وفق الشريعة والفتوى التي يراها رجال الدين، لأنه للأسف في السابق كان المعاقون يتزوجون من بعضهم، وكان المجتمع من حولنا لا يفهم نتيجة هذا الزواج، والأهل لا يفكرون إلا بأن يتزوج أبناؤهم المعاقون، لكننا وضحنا لهم أنه ليس من الضروري أن يتزوج المعاق معاقة مثله، وأنه من الممكن الزواج من أصحاء، حتى لو كان زواج مصلحة، فهو ليس عيباً، وقد يكون المعاق يحتاج إلى إنسانة ترعاه وتهتم به، والصحيحة قد تكون أجنبية تحتاج إلى أمور أخرى، وهناك زيجات من هذا النوع تمَّت وكانت ناجحة جدا ومستمرة، ودعونا بعض الحالات وعرضناها عليهم، وخصوصا من تزوجوا من أجنبيات ويعيشون حياة سعيدة جدا، ولا ننسى أن هناك بعض الزوجات يبقين مع الزوج المعاق لكسب الأجر وقد لا يمارسن الحياة الزوجية كاملة، ولكنهن يشعرن بالرضا والسعادة.
● هل أخذتم تجربة رابطة الدعم الذاتي من خلال نجاحها في دول أخرى؟
ـ هذه الرابطة أنشأناها، لأنها بالفعل موجودة في دول أخرى، عربية وأجنبية، وفي سنة 2007 استضافت الجمعية عضو منظمة الاحتواء الشامل للمعاقين عن الشرق الأوسط لرابطة الدعم الذاتي ميا فرح من لبنان، وهي من متلازمة الداون، لكنها تتحدث بلباقة وتحدثت عن تجربتها، واستفدنا منها، وناقشت حينها وزير الشؤون في ذاك الوقت الشيخ صباح الخالد بأهمية التوقيع على الاتفاقية الدولية للمعاقين، ووعد الوزير، وتم توقيع الاتفاقية العام الماضي بالفعل.
مؤتمر عالمي للمعاقين ذهنياً
● علمنا بأن هناك مؤتمراً لرابطة الدعم الذاتي، وهو من التجارب المهمة لأصحاب الإعاقات الذهنية، كونهم يمثلون أنفسهم في مؤتمر دولي.. حدثينا عن تلك التجربة وكيف تعدونهم لمثل هذه التجارب الدولية؟
ـ هذا مؤتمر عالمي ومهم جدا للمعاقين ذهنيا، وقد عقد في عام 2010 في كندا، ويحمل عنوان «المؤتمر العالمي لرابطة الاحتواء الشامل للدعم الذاتي»، وقد شاركنا فيه للمرة الأولى في العام 2010 من خلال 16 شخصاً، منهم 7 من المعاقين ذهنيا مع الإداريين، وكانت أول مرة يتحدثون عن أنفسهم ويناقشون مشاكلهم في مؤتمر عالمي، وهذه التجربة نجحت جدا معهم، وشددت على أولياء الأمور هنا في الكويت أن الأولاد لديهم قدرات، واليوم نكرر التجربة مرة أخرى من خلال سفرهم لنفس المؤتمر، ولكن هذه المرة في كينيا، حيث يسافر 22 أيضا لتمثيل الكويت من المعاقين ذهنيا.
● لا شك في أن رابطة الدعم الذاتي تحتاج إلى دعم مادي، وخصوصا إذا كان هذا العدد من الأولاد سيسافر لمؤتمر عالمي، فمن أين لكم هذا الدعم؟
ـ الجمعية لا تحصل على دعم من أحد، وقد عرضنا موضوع رابطة الدعم الذاتي من البداية على القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية، ووافقت على دعمنا جهتان فقط، هما مؤسسة الكويت للتقدم العلمي والصندوق الكويتي للتنمية، إلى جانب دعم من صحيفتي الأنباء والقبس وطيران الإمارات، وما أود أن أؤكده أن هؤلاء الأولاد لا يمثلون أنفسهم في المؤتمر، لكنهم يمثلون الكويت ويرفعون علمها، ويقدمون ورقة يشرحون فيها التجربة الكويتية في مجال تشغيل الإعاقة الذهنية، كما يقدمون مشاركة اجتماعية عبارة عن فقرة يقدمون فيها العرس الكويتي القديم وسيحضرون ورشاً علمية.
● في مثل هذا المؤتمر يعتمد المعاقون ذهنيا على أنفسهم اعتمادا كاملا في تمثيل الكويت أم يحتاجون للمساعدة؟
ـ يعتمدون على أنفسهم ويتحدثون ويناقشون من دون أي تدخل، فقط نرسل معهم مترجم.
برنامج تشغيل المعاقين وإشكاليات عدم نجاحه
ونحن على أبواب عطلة الصيف، تستعد بعض الجهات العاملة في مجال الإعاقة لإطلاق برنامج تشغيل المعاقين خلال تلك العطلة، والهدف من هذا البرنامج، الذي يأخذ وقتا وجهدا من القائمين عليه، هو إعطاء المعاقين فرصة حقيقة للعمل والانخراط في المجتمع بشكل مباشر، والاعتماد على أنفسهم، ليثبتوا أن لديهم قدرات وإمكانات، ويستطيعوا أن يبدعوا ويقدموا من إنتاجهم ما يفيد مجتمعهم، ولكن مع تقدير جهد المؤسسات في القطاع الخاص التي تساهم في هذا البرنامج منذ انطلاقه قبل عدة سنوات، إلا أن هناك أكثر من إشكالية في تشغيل المعاقين، ولا تزال هذه الإشكاليات موجودة حتى الوقت الحاضر، وأولاها أن المؤسسات التي تقبل تشغيلهم وتدريبهم خلال عطلة الصيف لا يزال عددها محدوداً، وتشمل وظائف وتخصصات بسيطة، على الرغم من ضرورة مشاركة مؤسسات القطاع الخاص في برنامج مهم مثل هذا يخدم فئة مهمة في المجتمع، فأغلب مؤسسات القطاع الخاص في الدول المتقدمة تقدم المساعدات الممكنة لتشغيل وتدريب المعاقين لصقل قدراتهم واستغلال إمكاناتهم، كنوع من الدعم الإنساني لتلك الفئات، والأهم لماذا لا يتبنى عدد من أعضاء مجلس الأمة نشر تلك الثقافة في المجتمع الكويتي، من خلال تمثيلهم للمعاقين وغيرهم؟
أما الإشكالية الأخرى في تشغيل المعاقين، فهي عدم تشغيلهم فعليا، وقبولهم فقط شكليا أمام وسائل الإعلام، وهذا ما يتحدث عنه بعض المعاقين باستمرار في المؤتمرات الخاصة بهم، حيث يعتبرون أن وجودهم في أي شركة من دون أداء عمل فعلي، هو فقط من باب العطف عليهم، من دون أي قناعة بقدراتهم وإمكاناتهم، ما يسبب لهم ألما وحزنا شديدين ويشعرهم بالإحباط الشديد، وخصوصا أن منهم من يمتلك بالفعل قدرة عجيبة في مجال الكمبيوتر والعمل على الشبكات بنظام ممتاز، وبعضهم لديه قدرة على تصميم مشاريع كثيرة، لكنهم لا يجدون من يستغل تلك القدرات، والإشكالية الأخرى التي يواجهها هذا البرنامج، أنه رغم أهميته الشديدة وأنه برنامج اجتماعي، فإن مؤسسات المجتمع المدني ليس لها أي دور فيه على الإطلاق، على الرغم من أن دور تلك المؤسسات يفترض أنه اجتماعي بالدرجة الأولى، ويقتصر العمل فيه على جمعية أولياء أمور المعاقين فقط، فهل كونها جمعية متخصصة في هذا المجال أن تعمل بمفردها؟ فهذا العمل بالتحديد لا يتوقف أبداً على جهد فردي ويحتاج إلى أكبر مجهود جماعي ممكن.