القرارات الحكومية قاصرة الرؤية.. ولا عزاء للمستهلك الأخير!

إلغاء الدعم عن الديزل لن يقتصر عليه وحده
إلغاء الدعم عن الديزل لن يقتصر عليه وحده

كتب محرر الشؤون المحلية:
لم نصل بعد إلى حافة سياسة تقشفية في ميزانية الدولة، على غرار الدول التي تمر بأزمات مالية كبيرة، كحال إسبانيا أو البرتغال أو اليونان، وبقدر ما إيطاليا أو فرنسا، فهذه الدول وبالذات الثلاث الأولى منها لسعتها الأزمة المالية العالمية، بالتزامن مع وجود قدر كبير من حالات الفساد، ولاسيما في اليونان، بإعطاء أرقام غير صحيحة عن حجم الأزمة لا تعكس الواقع المالي للدولة، لأهداف ترجع لتحسين أوضاعها المالية والحصول على قروض قبل تفاقم الأزمة.. لم نصل بعد إلى هذه المرحلة من إجراءات، فلاتزال الفوائض المالية السنوية على مستوياتها منذ سنوات، ليس بالطبع من جراء عملية إنتاجية وتصديرية لمحاصيلنا الزراعية أو منتوجاتنا الصناعية، بل لاستمرار الطلب على النفط، واستمرار إيراداته المليارية.

فوضى عارمة

ما تتحدَّث عنه الحكومة في رؤاها ومحل بحث في مجلس الأمة هي عملية تصحيح لبعض مناحي الصرف السنوية في الميزانية، وهناك حديث عن تصحيح تفاوت، بل تضارب الرواتب، في ما بين مؤسسات الدولة ذاتها، فالمحاسب في هذه الجهة، مثلاً، راتبه يزيد على مثيله في جهة أخرى، حتى لو كان المستوى ذاته، والمهام الوظيفية واحدة، وهذا ينطبق بشكل صارخ على المهندسين ما بين قطاع وآخر، ولاسيما في القطاع النفطي، وأيضا ينطبق على خريجي الحقوق لذات الوظيفة وسنوات الخبرة، لكن هناك اختلافات صارخة في رواتبهم، ما بين قطاع وآخر، ومنذ سنوات كانت تمارس عملية «رش»، إرضاء لهذا القطاع المهني أو ذاك، بدأت بالمهندسين، لأسباب شبه سياسية، وآخرها كانت حتى لموظفي مجلس الأمة، إبان عهد رئيس مجلس الأمة المبطل الثاني، بمنحهم كوادر، حالهم حال الآخرين في القطاعات المختلفة.

وقد نتج عن ذلك فوضى عارمة في سلم رواتب موظفي القطاعات الحكومية، بغض النظر عن المهام الموكلة لهم، لذا هناك اتجاه لم يتبلور بعد لإعادة التعديل، ليس للماضي، بل للمستقبل، والعملية فنية فيها قدر كبير من التعقيد، كما أنها قد تحتاج إلى وقت طويل في إجراءات عملية التعديل.

حديث الديزل

الحديث الآخر بخصوص موضوع تصحيح أو توجيه صرف الميزانية السنوية العامة يتمثل بمراجعة أوجه الدعم، ويتضمَّن ذلك المحروقات، وقد يتم البدء بإلغاء الدعم عن منتج الديزل، كخطوة أولى لتقليص أوجه الصرف هذه، ولا حديث عن فرض ضرائب في الوقت الحالي، وفق ما أعلن وزير المالية الأسبوع الماضي.. العملية تنحصر فقط في معالجة الدعم، وكون المواطن لا يتحمَّل مصاريف يومية أو أسبوعية، باستخدامه لمادة الديزل، فإنه يمكن رفع الدعم الحكومي وبيعه بموجب أسعاره العالمية.

قانون القطاع الخاص

وهنا نتوقف أمام عدة ملاحظات حول هذا الموضوع، موضوع الدعم بصفة عامة، والتفكير برفع الدعم عن الديزل خاصة:

الملاحظة الاولى: نحن في الكويت لدينا سياسة تتمثل باتخاذ إجراء ما قد يأتي على شكل قانون أو إجراء حكومي، ثم معالجته بصورة منفردة، وكأنه حالة قائمة بذاتها من دون معالجة لترتيباته، وما ينتج عنه من مشاكل، ولدينا عدة شواهد على ذلك، فقد تم عام 2010، إقرار القانون رقم 2010/6، المتعلق بالعمل في القطاع الخاص، وجرى تطبيقه في فبراير من العام ذاته، من دون تحديد فترة زمنية لترتيب أوضاع الجهات الخاصة وتنظيم أمورها بموجب هذا القانون، والذي أتى بتحديد الحد الأدنى للرواتب، وزيادة سنوات مكافأة الخدمة والإجازة السنوية، وهذه حقوق مستجدة على العامل، وفي الوقت ذاته كانت جهات حكومية وخاصة قد أبرمت في ما بينها العقود السنوية، بموجب معطيات القانون السابق القديم الذي يخلو من هذه البنود، ومع إقرار القانون الجديد وتنفيذه بصورة مباشرة، وجدت العديد من المؤسسات التي ترتبط مع الجهات الحكومية بعقود، نفسها عاجزة عن الاستمرار بعقودها، من جراء هذا القانون، لأنها لم تُمنح الفترة الزمنية الكافية لعملية التطبيق، كي تكون عن دراية في المستقبل بمتطلبات التكاليف الجديدة.. وبعض هذه الشركات تركت أو تخلَّت عن عقودها أو عجزت عن إتمامها.. ونجزم أنه عندما أقرّ هذا القانون لم يتم التطرُّق لمثل هذه العقود، أو تأثير تنفيذ القانون الجديد على مختلف أوجه الأعمال في القطاع الخاص، وكان يفترض أن تكون هناك نظرة شمولية في مسألة تطبيق القانون الجديد، وليس وضعه كحالة منفردة، كما تم تنفيذه.

تداعيات حتمية للرفع

الملاحظة الثانية: يكرر البعض أن مادة الديزل لا تهم، أو لا تدخل ضمن المصروفات التي يتحملها المواطن كوقود للسيارة، وبالتالي يمكن رفع الدعم عن هذه المادة، من دون أن يشعر المواطن بوطأة هذا الرفع، وهذا تفكير أيضا منفرد، وليس شموليا.. فرفع الدعم عن الديزل سيؤدي إلى زيادة تكلفة النقل الداخلي للشاحنات التي تستخدم الديزل في أعمالها، وهذه التكلفة ستنعكس حتما على كلفة المواد المنقولة، والتي في النهاية ستترجم على المواد الاستهلاكية المنقولة، وستضاف هذه الزيادة على تلك المواد، والمستخدم الأخير هو المستهلك، وهو الذي سوف يتحمَّل هذه الزيادة في تكاليف الشحن، وبالقدر نفسه هناك شاحنات تعمل ما بين الكويت ودول أخرى تنقل منتجات غذائية بشكل يومي، وهذه الشاحنات تستخدم مادة الديزل كوقود، وزيادة كلفة الوقود ستؤدي بالتبعية إلى زيادة كلفة المنتجات المستوردة تلك، وحتى لو لم تكن هناك زيادة في الكلفة، فهناك من يتذرع بذلك، ليزيد أسعار منتجاته.. فالعملية ليست محصورة في رفع الدعم عن الديزل و«مع السلامة»! بل هناك تداعيات تتجلى في زيادات الأسعار التي يتحملها المستهلك في النهاية.

إيجارات أملاك الدولة

وقد تناول عدد من الكُتاب موضوع معالجة الميزانية، وأيضا طرحوها بصورة الحلول المنفردة، وليس بنظرة شمولية وواسعة، منهم د.بدر الديحاني في أكثر من مقالة في جريدة «الجريدة»، وآخرها في العدد الصادر بـ 2014/5/12، حيث طرح عدة مرئيات لمعالجة الميزانية، ومنها «إعادة تسعير الكهرباء والماء والخدمات الإدارية في المناطق الصناعية والتجارية، وإعادة تسعير أراضي الدولة وأملاكها بأنواعها كافة التي تمنح حاليا بأسعار زهيدة».. وقد طرح هذا الموضوع من دون شروط محددة والتزامات على الشركات، وسيؤدي ذلك أيضا إلى تحمل المستهلك هذه الزيادات في النهاية، وليس الشركات التي تفرض عليها إيجارات أو أسعار جديدة في الكهرباء والماء.. وأمامنا حالة ليست قديمة، فقد قامت إدارة أملاك الدولة أخيراً بتعديل عقودها الإيجارية مع عدد من الشركات العقارية التي تستأجر منها عددا من المباني، وبعد مرور الفترة الزمنية وانتهاء تلك العقود، قامت بتجديد تلك العقود من دون وضع ضوابط عليها، فقامت تلك الشركات مباشرة برفع إيجاراتها على المستأجرين في المباني التي تستغلها بصورة مضاعفة.. البعض من هؤلاء المستأجرين ذهب لقصر العدل، لفتح ملف إيداع الإيجار، وآخرون انصاعوا، قسراً، للزيادة، وبدورهم فإن هؤلاء المستأجرين زادوا من أسعار منتجاتهم التي يعرضونها لديهم، من جراء زيادة الإيجار المفروضة عليهم، سواء كانت منتجات للبيع، أو خدمات يؤديها البعض، كالمطاعم أو محال الخياطة، وبالتالي من دفع زيادة الكلفة هو المستهلك، من مواطن أو مقيم، وحتى مواقف السيارات التي لم يُجرَ عليها أي تحسين، زادت رسومها للساعة من 100 إلى 250 فلسا، أي بنسبة 150 في المائة.. وفي النهاية أملاك الدولة زادت إيراداتها بالعقود الجديدة، والشركات العقارية غطت هذه الزيادة المفروضة عليها، وصارت الكلفة الزائدة على رؤوس المستأجرين والمستهلكين، بل خرجت الشركات العقارية «ربحانة»، من جراء عدم وجود شروط وضوابط، وهذا ما أعلنه رئيس إحدى الشركات العقارية، ونشرته الصحافة يوم الإثنين، 5 مايو الجاري، بقوله «إن الشركة حققت أرباحا تقدَّر بستة ملايين وسبعمائة ألف لعام 2013، بزيادة مقدارها 293 في المائة عن عام 2012».

المستهلك الأخير

هذه صورة جلية وواضحة حول موضوع اتخاذ إجراء ما بشكل منعزل، فلا نعتقد بأن أملاك الدولة وضعت شروطا وضوابط عندما رفعت عقودها التأجيرية على الشركات، بل «تركت الحبل على الغارب».. وفي النهاية، مَن تحمَّل هذه الزيادة فعليا هو المستهلك.. وبالتالي، فإن الدعوة لزيادة الرسوم، سواء كانت إيجارية، أم رسوم كهرباء وماء من دون وجود ضوابط وشروط، سيتحمَّل تبعاتها المستهلك، أو باللغة الاقتصادية The last user أو المستخدم الأخير.. وهذا ما تم فعليا من جراء المعالجات المعزولة والانفرادية.

وأخيراً، هناك ملاحظة مهمة تسبق ملاحظات الدعم أو المعالجات المنفردة من دون ضوابط.. نتحدَّث هنا عن حالات الهدر الكبيرة في المشاريع والمبالغات في الأسعار، ألم يلغِ وزير الأشغال والكهرباء عبدالعزيز الابراهيم أربع مناقصات للمستشفيات المقرر إنشاؤها، لمبالغتها في الأسعار المقدَّمة؟!

وهناك العديد من المشاريع الأخرى خارجة عن نطاق «الأشغال» وخارجة أيضا عن نطاق الرقابة البرلمانية، وخارجة أيضا عن مجلس الوزراء، ونقصد هنا المشاريع المليارية التي يتولاها الديوان الأميري، فهي لا تخضع إطلاقا لرقابة المجلس، من جراء تولي الديوان أمورا تنفيذية يفترض أن يقوم بها مجلس الوزراء وتكون تحت الرقابة البرلمانية.. ألا يوجد فيها مبالغات في الأسعار؟! هنا لا نتحدَّث عن حالات الفساد التي أصبحت مادة دسمة في أدوات التواصل الاجتماعي.. ووصل الأمر لقيام أحد النواب، ومن على شاشة التلفزيون، بالكشف عن تلقيه أموالاً من مجلس الوزراء، والتفاخر بذلك، وكأن المادة 122 من الدستور التي تمنع النائب حتى من تلقي أوسمة أثناء توليه منصبه، غير موجودة!

بوتقة الشراكة الدستورية

قول أخير كخاتمة، ولابد من التذكير به: بعد عقود من الحياة الدستورية، يفترض بالقرارات أو القوانين أن تخرج من بوتقة الشراكة الدستورية السليمة على نحو تكون فيه بالنهاية محل تبنٍ في أوساط المجتمع، ولكن في ظل الانتهاكات الدستورية وسياسة التفرُّد وقانون الانتخابات الأخير الذي يهدف إلى تهميش الإرادة الشعبية، فقد أصبح الوضع الدستوري غير سليم، وغدت البوتقة الديمقراطية محل تعارض مع الدستور، وأصبحت القوانين نابعة من جراء ذلك من سلطة تنفيذية تستطيع أن تسيّر ما تراه أو توقف ما تشاء ولا إطار دستوريا من الناحية العلمية تجاه قراراتها أو قوانينها، حتى لو أتت بتصويت مجلس الأمة.. وما استقالات عدد من النواب منه أخيراً إلا شاهد على هذا الاستفراد والتفرد.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.