كتب محرر الشؤون البرلمانية:
على الرغم من محاولة وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبدالله، نفي الاتهامات التي وردت في كتب استقالات النواب الخمسة في جلسة الاستقالات، من خلال بيان الحكومة الذي ألقاه في الجلسة ذاتها نهاية الأسبوع الماضي، رداً منه على نقاط وردت في صحيفة الاستقالات الجماعية والفردية للنواب السابقين، اعتبرها الوزير وحكومته اتهامات للحكومة تجافي الواقع والحقيقة ولا أساس لها من الصحة، فإن كل المتابعين لشؤون المجلس يدركون أن ما قيل مجرَّد أرقام شكلية لا تستند إلى عمق العلاقة الحقيقية، التي تربط بين المجلس بـ«أغلبيته الكاسحة» والحكومة «صاحبة اليد الطولى» في الوقت الحالي.
81.2 % نسبة الرد
ففي تعقيبه على بندي تعطيل الحكومة الأدوات الرقابية ووأد الاستجوابات وعدم الإجابة عن كثير من الأسئلة البرلمانية، أكد العبدالله أن ما يُقال عن عدم الرد على كثير من الأسئلة، هو محض افتراء، مستندا إلى أرقام الأمانة العامة لمجلس الأمة، التي تشير إلى أن عدد الأسئلة الموجهة بلغت 1020، أجابت الحكومة عن 833 سؤالاً، منها 54 سؤالاً طلب الإخوة الوزراء تمديد الإجابة عنها، بموجب نصوص اللائحة الداخلية، معتبرا أنه من خلال تلك الأرقام، فقد وصلت النسبة «نسبة الرد» إلى 81.2 في المائة.
اعتذار رئيس مجلس الوزراء
وبالنظر إلى الشكل العملي للأسئلة البرلمانية، بعيداً عن الأرقام المسجلة التي قيلت في بيان وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، فإن الأوضاع تؤكد أن الأمانة العامة لمجلس الأمة لم تسجل رداً واحداً من رئيس مجلس الوزراء على الأسئلة الموجهة إليه من النواب، فقد اعتذر رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك عن الرد عن أي من الأسئلة الموجهة إليه، مستندا في ذلك إلى مذكرات من إدارة الفتوى والتشريع تؤكد أن توجيه الأسئلة مخالف للدستور وقرار سابق للمحكمة الدستورية يقيد أطر السؤال الموجه لرئيس الوزراء بالسياسة العامة للحكومة.
تكرار الاعتذارات
وعلى صعيد الأسئلة الموجهة للوزراء، فقد انتشرت ظاهرة الرد بجملة «نعتذر عن الإجابة.. فالسؤال غير دستوري»، وقد سجلت مضابط جلسات المجلس أثناء مناقشة بند الأسئلة في جلسات منفصلة استياء عدد من النواب من تكرار تلك الجملة، فقد أشار النائب فيصل الدويسان إلى أنه وجه سؤالاً عن مقدار المكافآت السنوية للأعمال الممتازة في الصندوق الكويتي للتنمية، مستغرباً أن يأتي رد وزير المالية بأن السؤال غير دستوري، وبسبب ذلك طالب بتحويل السؤال إلى الخبراء في اللجنة الدستورية، للوقوف على مدى تحجج الحكومة بعدم الدستورية.
«دودهة» النواب
ولم يختلف الوضع كثيراً مع النائبة المستقيلة صفاء الهاشم، فقد أكدت أنه إلى جانب عدم الرد على السؤال، فهناك بعض الوزراء يرسلون أوراقاً كثيرة في ردودهم على الأسئلة، لأجل «دودهة» النواب، معتبرة أن ذلك وسيلة جديدة لإعاقة دور السؤال البرلماني في بادرة تعيد إلى الأذهان أسلوب الوزير أحمد العبدالله في مجلس 2009 إبان توليه حقيبة «النفط»، والذي كانت إجاباته عن الأسئلة تحتوي على مرفقات تفوق على خمسة صناديق (كرتون) من الحجم الكبير.
وفي المقابل، سجلت المضبطة مداخلة لأحد النواب يؤكد فيها أن ردود الوزراء بشأن خطط محاربة الفساد جميعها إنشائية، لافتا إلى أنه لم يجد رداً شافياً على أسئلته في ذلك الشأن، ضارباً مثالاً برد وزير المالية على سؤاله عن خطوات الوزارة في محاربة الفساد الذي وصف إجابته بالإنشائية.
واعتبر النائب صالح عاشور، وفقا لمضبطة إحدى الجلسات، أن أكثر الاجابات الوزارية، التي ترد على الأسئلة، تفيد بعدم دستورية الأسئلة، معتبرا ذلك الرد مؤشراً خطيراً قبل أن يؤكد تناقض الحكومة في تعاملها مع الأسئلة، قائلاً إن هناك أسئلة سبق أن أجاب عنها وزراء سابقون، وتعذرت الحكومة الحالية بعدم دستوريتها، متسائلا عن سبب هذا التناقض.
«عدم الدستورية» لم يكن فقط السلاح السهل لعدد من الوزراء في ردهم على أسئلة النواب، فقد سجلت الأمانة العامة اعتذاراً لوزير العدل عن الإجابة لأحد الأسئلة تحت ذريعة أن السؤال يعد «تدخلاً في أعمال النيابة العامة والمجلس الأعلى للقضاء»، وذلك بعدما وجَّه النائب فيصل الشايع سؤالاً إلى وزير العدل، يستفسر منه عما إذا كان التقرير الدوري للمجلس الأعلى للقضاء قد تناول قرارات النيابة العامة بحفظ التحقيق في قضية الإيداعات المليونية، وما إذا كانت أسباب الحفظ راجعة إلى نقص أو غموض في التشريعات القائمة، التي تصدَّت لجرائم غسل الأموال من عدمه، وهل تناول المجلس الأعلى للقضاء في تقريره الدوري قرارات النيابة العامة بحفظ التحقيق ودراسة أسباب الحفظ؟
وعلى الرغم من تيقن الجميع من أن السؤال البرلماني أداة رقابية مهمة فقد رونقه، ولم يعد كما كان، بفضل ما حدث مع الاستجوابات في الفترة الأخيرة، ووصول الأمر إلى رفعها من جدول الأعمال أو شطب محاورها، فإن الحكومة لا تزال تؤكد عكس ذلك، وتنوه إلى احترامها الكامل لتلك الأداة الرقابية، أو كما قال وزير شؤون مجلس الأمة د.علي العمير في إحدى الجلسات إن الحكومة لا تخفي أي معلومة، وليس من مصلحتنا ذلك، ولكن نحتاط بشأن دستورية الأسئلة من عدمها، مشيرا إلى أن الوزراء كثيراً ما يستفيدون من أسئلة النواب، ويتخذون إجراءات بمعالجة أخطاء، وذلك قبل أن يؤكد بقوله «نريد ألا نوفر أي أرضية للتصادم مع المجلس، وإجاباتنا بعدم الدستورية تغطي أسئلة قليلة جداً، ونحن ملتزمون بالدستور واللائحة الداخلية».
ما يحدث على صعيد الأسئلة البرلمانية ومحاولة تقليصها أعاد إلى الأذهان محاولات مكتب المجلس بطلب من الحكومة لوضع آلية لدراسة مدى دستورية السؤال الموجه إلى الوزير أو سمو رئيس الوزراء، في محاولة منه لضبط الأسئلة، دستوريا وقانونيا، الأمر الذي قوبل بانتقادات عاصفة من قِبل عدد من النواب وقتها في القضية المعروفة بـ«مذكرة المجلس لتقنين الأسئلة البرلمانية».
إلى ذلك، خرجت دعوات نيابية في الفترة الأخيرة تطالب بتعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، بهدف منع الحكومة من التعلل بعدم الدستورية، سواء على صعيد الأسئلة أو الاستجوابات، ويعتبر البعض أن تلك الدعوات حتى وإن تمَّت صياغتها في شكل اقتراح بقانون، فإنها لن ترى النور، كونها ستجبر الحكومة على الصعود إلى المنصة وتفنيد الاستجواب أو الرد على السؤال مباشرة من دون التعلل بحجج عدم دستوريته.