
كتب محرر الشؤون العربية:
أسف وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس على عدم قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربة جوية على النظام السوري في خريف العام الماضي.. تصريح أدلى به الأسبوع الماضي خلال زيارته للولايات المتحدة الأميركية، واجتماعه مع وزير خارجيتها.
في ذلك الوقت كانت فرنسا من أشد الدول حماساً لتوجيه الضربة، بعد ورود أخبار عن قيام النظام السوري باستخدام أسلحة كيماوية في الغوطة الشرقية في شهر أغسطس من العام الماضي.. وقد كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند رافعاً لراية الحرب وتوجيه الضربة، مبدياً استعداده لمشاركة الولايات المتحدة في حال قيامها بذلك.
حماسه نابع من صفقات الأسلحة التي أبرمتها بلاده مع بعض الدول الإقليمية، كنوع من ردّ الجميل على تلك الصفقات، ولتحريك قدر ما من عجلة الاقتصاد الفرنسي، الذي يتعرَّض لأزمات قادت إلى إقالة رئيس مجلس الوزراء، وإحلال مانويل فالس مكانه، الذي اتخذ إجراءات تقشفية في أبريل الماضي، وبالكاد حصل على موافقة مجلس النواب على خططه التقشفية تلك.
الخديعة.. والمصالح الغربية
لايزال وزير الخارجية الفرنسي أو«غورو» الحديث، متحسراً على هذه المناسبة التي فوتتها الإدارة الأميركية.
منذ شهر ظهرت معلومات أكدها الصحافي سيمون هيرش من واقع مستندات أميركية تشير إلى أن استخدام تلك الأسلحة كان من قِبل جبهة النصرة، بالتعاون مع الاستخبارات التركية، بقصد توجيه الاتهام للنظام السوري، وإعلان وصوله إلى الخط الأحمر، الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي أوباما، بأنه سيقوم بعمل ما في حال استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية في تصديه للمقاتلين.
الخديعة النصراوية – التركية لم تنجح في جر قوى عالمية لتوجيه ضربات جوية على سوريا، على غرار ما حدث في ليبيا، والتي كانت فرنسا قائدة لهذا الهجوم.. الاختلاف الوحيد أن مَن كان يقود فرنسا في ذلك الوقت هو نيكولا ساركوزي من يمين الوسط، ومن يريد ضرب سوريا الرئيس الاشتراكي هولاند، فالاتجاه العدواني واحد، بغض النظر عن المسميات أو الأحزاب.
يصرّح وزير خارجية فرنسا هذه التصريحات، في الوقت التي تجرى فيه بعض الترتيبات الإقليمية، للوصول إلى حل سياسي ينقذ سوريا كبلد عربي ذي أهمية كبيرة، فالأمر بالنسبة لهذه الدول ليس حقوق إنسان أو عطف إنساني على الشعب السوري، بقدر ما هو مصالح اقتصادية متداخلة، تحاول الدول الغربية، ومنها فرنسا، الحصول عليها.. ويأتي على رأس تلك المصالح النفط والغاز، ليس في إمكانية استخراجهما من سوريا فقط، بل عن طريق الأنابيب التي تُمد من دول إقليمية نحو المنافذ السورية البحرية. احتياج الغاز متعاظم الآن وفي المستقبل، وما زاد من وتيرته وخطورة التزود منه الأزمة الأوكرانية، ومرور خطوط الغاز الروسي في أراضيها.. حدثت حروب وانقلابات ومؤامرات مدروسة في سبيل هذه المادة الحيوية منذ أن بدأت الاستكشافات النفطية بتنصيب أنظمة وإزالة أخرى.
عقلية الجنرال غورو
لاتزال عقلية الجنرال غورو، الذي وجَّه إنذار فترة الأربعة أيام للملك فيصل الأول عام 1920 – كتنفيذ عملي لاتفاقية سايكس بيكو – مستمرة ومفضوحة، حتى لو تم تغليفها بغطاء إنساني وبقدر من الدموع والتباكي على الشعب السوري.
هكذا تقتضي المصالح، لتستمر الحروب والأزمات يوما بعد آخر، وسنة بعد أخرى.. ولا نعرف بأي حق ينادي الوزير الفرنسي بضرب سوريا، ويتحسر على ضياع هذه الفرصة.
هل يمنحه القانون الدولي هذا الحق؟ هل هناك قرار من الأمم المتحدة يجيز استخدام قوة دولية ضد سوريا؟ هذا التصريح صادر من القوة العسكرية فقط لا غير.. دولة عسكرية قوية تستطيع أن تتخطى قواتها حدودها لتضرب دولة أخرى، بصورة فردية أو مع مجموعة من الدول.. هي القوة العسكرية وحدها التي تحرك مثل تلك التصريحات، وفي ذلك إجازة صريحة لأي دولة ذات قوة عسكرية أن تقوم بحملات عسكرية على دول أخرى بذرائع مختلفة.. ألا تفعل إسرائيل ذلك، بل تعدَّت في ممارسة قوتها العسكرية لتصل إلى تونس والسودان وغيرها؟ التصريح العدواني القائم على القوة وحدها لم يأتِ من وزير دفاع أو داخلية، فهؤلاء لهم علاقة بالقوة الخارجية أو الداخلية، بل من وزير الخارجية المفترض به أن يمثل تحرك أي دولة في إطار العلاقات والأسس الدولية، وليس القوة العسكرية وحدها.. ولكن هذا منطق الاستعمار الجديد حاليا.. وهذا ما يُمارس.