
كتب ماجد الشيخ:
تمر هذه الأيام الذكرى الـ 66 للنكبة الفلسطينية، حين تم تشريد الشعب الفلسطيني من وطنه، وإقامة إسرائيل، ككيان استعماري اغتصابي فوق أنقاضه، على الرغم من بقاء البقية الباقية، التي أصبحت تشكّل اليوم قوة بشرية وديموغرافية وازنة، في مناطق الجليل والمثلث والنقب.
وعلى الرغم من محاولات استشراف تسوية عمادها تبادل أراض، لا ولن تحظى برضى وقبول أصحاب الأراضي، في الوقت الذي يدفع الشعب الفلسطيني من أرضه ومن لحمه الحي ثمن أي تسوية سيتم التوصل إليها، وهو بالفعل من يدفع الثمن غاليا منذ 66 عاما وحتى اللحظة.
على الرغم من كل هذه السنين، لاتزال مسيرة إسرائيل كدولة احتلال كولونيالي وإحلالي، تتعقد أكثر وأكثر، من دون أن تجد صدى، ولو محدودا، للخروج من أزماتها المقيمة، ومن مأزقها الوجودي، الذي أضحت تتردى فيه.
ففي مقارنة ومقاربة مهمة يعقدها الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، يستنتج «أن إسرائيل ليست كمثيلاتها من الدول، يمكنها أن تعرف يقينا ما سيحدث في داخلها خلال عقد من السنين، فالأسئلة الوجودية أشد شمولاً وعمقاً بما لا يتيح المقارنة، ولا يجهد أحد نفسه في مجابهتها. فرئيس الحكومة يتحدث كأن المشكلات التي تقف على بابه أوروبية (لا تشمل هذا هستيريا الذرة الإيرانية)، في حين أن أسئلة أشد مصيرية بكثير لاتزال بلا أجوبة، ولا يُشتغل بها البتة إلى حد يبلغ بنا الحيرة.
على هذه الخلفية السوداوية، تنبأ بحث جديد أعدَّه معهد أبحاث الأمن القومي – التابع لجامعة تل أبيب، بأن إسرائيل ستجابه في السنين القريبة المقبلة الحاجة إلى اتخاذ قرارات في شؤون الأمن القومي المركزية، وستفعل هذا في واقع سيكون تركيبه أكثر تعقيدا، أو كما يقول مدير المعهد، د.عوديد عيران: فإن فراغا عظيما نشأ في الشرق الأوسط، كنتاج لثلاث ظواهر: أولاها الربيع العربي الذي حدث على خلفية انهيار ما اسماها مسيرة السلام الإسرائيلية – العربية كظاهرة ثانية، وضعف الولايات المتحدة الشديد، مشددا على أن الجمع بين العوامل الثلاثة قد يؤدي بإسرائيل إلى كارثة عظيمة.
يجري كل هذا، في ظل وضع يعاني جمودا مزمنا في عملية التسوية العتيدة، حيث يرى الكاتب الإسرائيلي رامي لفني، أن هناك ابتعادا من قِبل النخب الإسرائيلية والفلسطينية عن حل الدولتين، فالفلسطينيون يئسوا، في حين وجهت بقايا اليسار في إسرائيل معظم عنايتها إلى النضالات الاجتماعية التي تنتهي عند الخط الأخضر، وإلى جدالات داخلية. وتغيَّرت حركة السلام أيضا، فقد قلَّ وزن «منظمات السلام» التي تعمل على تقدُّم المسيرة السياسية، وزاد وزن «منظمات الاحتلال» التي تحصر عنايتها في جوانب إنسانية من السيطرة على «المناطق»، لكنها لا تمس مباشرة بسؤال حل الصراع. ويدل هذا الوضع على تغلغل تصور أن الاحتلال دائم.
وعلى حد تعبير جدعون ليفي، فإن سيناريوهات مستقبل إسرائيل الثلاثة باعتبارها دولة احتلال هي: استمرار الوضع الراهن إلى الأبد، أو دولتان، أو دولة واحدة، تبدو الآن بلا أساس، وتوقف الاشتغال بها تماما، وكأن عدم البحث فيها سيؤدي إلى حل قابل للتحقيق. لكنه لا يوجد لجميع الأسئلة المصيرية الأخرى أيضاً جواب حقيقي، ولا تكاد تثار في برنامج عمل الإسرائيليين الذين كان يجب عليهم أن يحصروا عنايتهم فيها وحدها تقريبا. إن دولة بلا مستقبل (واضح)، تتسلى بالماضي وتحصر عنايتها في الحاضر تشبه دولة لأمد قصير. ولا يسأل أحد حتى عشية أيام الانفعال القومي القريبة ماذا سيكون وجهها بعد عشر سنين، وهي مدة تُعد صفرا بالمعنى التاريخي؟
هكذا، وفي الذكرى الـ 66 لقيامها، لم تعد إسرائيل، ذاك الكيان الغاصب والإحلالي، مرتعا مريحا ليهود العالم، وهي تمضي من مسار انحداري إلى آخر، سماته الأساس مواجهة المزيد من التحديات الداخلية والخارجية الأكثر تعقيدا.. ووفق وثائق إسرائيلية أكاديمية وإعلامية، فإن المشروع الصهيوني يُعاني إشكالية ديموغرافية مرتبطة بالهجرة اليهودية المعاكسة من إسرائيل، إذ أظهرت تقديرات نُشرت أخيراً أن ما بين 700 و750 ألف إسرائيلي يعيشون خارج إسرائيل، يقيم 60 في المائة منهم في أميركا الشمالية و25 في المائة في أوروبا الغربية. كما تشير معطيات دائرة الإحصاء المركزية إلى أن 50 ألفا من المهاجرين الروس إلى إسرائيل في العقد الماضي قد عادوا إلى روسيا.