بيان «النور» الظلامي.. ودعم السيسي

حملة «كمل جميلك» تكمل مشروعها
حملة «كمل جميلك» تكمل مشروعها

كتب محمد الغربللي:
منحى الانتخابات المصرية يصب في اتجاه واحد، نحو التصويت للمشير عبدالفتاح السيسي أمام منافسه حمدين صباحي، وهذا ما أظهرته نتائج الاستبيان الذي جرى أخيراً، والدعم الذي يلاقيه من أغلبية عظمى من الأحزاب المصرية، ومنهم الناصريون وحزب التجمع، المفترض بالنهج والممارسة أن يكون توجهه نحو صباحي.. لكنه أعلنها صراحة، من خلال بيانات تأييده للمشير السيسي، ويبدو أن لكل هذه الأطراف حساباتها الخاصة.

وفي اتجاه سياسي معاكس تماماً، أعلن حزب النور- الذي يمثل اتجاه السلف في مصر، منذ أيام تأييده للسيسي في الانتخابات الرئاسية القادمة، ولم يكن إعلانه عاما كما الحال في بعض القوى السياسية الأخرى، بل حدد في بيانه أسباب تبنيه هذا الموقف، وعدَّدها بتسعة أسباب، ولدينا بعض الملاحظات الثانوية والرئيسة على هذه الأسباب.

تميز السيسي

ففي السبب الرابع، ذكر بيان حزب النور السلفي، أن «السيسي من أفضل المرشحين وأنسبهم لهذه المرحلة»، ولا نعرف لماذا أتى هذا السبب بالجمع، مع أنه لا يوجد إلا مرشحان اثنان، السيسي وصباحي، وخلاصة قولهم إن السيسي أفضل من صباحي لتحديد الأمر بقصد الدقة في المفاضلة.. أما السبب السادس الذي ذكره في بيانه «أنه صاحب فرصة فوز كبيرة، وليس هناك مصلحة للحزب في عدم دعمه أو دعم غيره»، ولا نعرف في الحقيقة طبيعة التفكير السياسي الذي قاد حزب النور إلى استجلاء القادم من الأيام، والجزم بأن فرصة السيسي بالنجاح كبيرة، في أجواء الزفة الكبيرة التي يتولاها الإعلام الرسمي حتى قبل أن يترشح للانتخابات، ومنذ بدء الدعوات في صيحات «كمّل جميلك»، بحيث وصل الأمر إلى أن يوصم مَن يترشح ضد السيسي بالخيانة العظمى!

ففرصة نجاح السيسي، وعلى ضوء التسخير الإعلامي والسياسي، أكبر من الكبيرة بمراحل، وستكون الانتخابات الرئاسية القادمة أشبه بالاستفتاء، وما يهم السيسي وجماعته ومطبخه الانتخابي حاليا ليس النجاح، فهذا مضمون بالكامل، بل تجميع ملايين الأصوات، لتكون لصالحه، ليس خوفا من منافسه صباحي، بل لإثبات أنه رشّح نفسه للمنصب بناءً على أغلبية كاسحة من الأصوات الانتخابية، وهذا هو الهدف، ولكي تكون ملايين الأصوات جزءاً من «إكمال الجميل» للسيسي.

السبب الخامس

هذه أسباب ثانوية، ولكن ما يلفت الانتباه، هو السبب الخامس، الذي ذكره حزب النور في بيانه، بالقول «إن السيسي يعلم خطر الشيعة جيداً، وانها قضية أمن قومي».. هكذا جاء السبب الخامس الذي سطره الحزب في بيانه.. لم يحدد دولة، بل حدد مذهبا إسلاميا معترفا به من الأزهر، كما لا نعرف عن أي شيعة تهدد الأمن القومي المصري، في السعودية، أم البحرين أم الكويت أم اليمن أم لبنان أم سوريا أم إيران أم باكستان أم الهند أم أفغانستان وغيرها من الدول الأخرى.. فقط حدد المذهب الإسلامي وخطره على الأمن القومي، وأن السيسي يعلم هذا الخطر من وجهة نظره (حزب النور).

الخطر الصهيوني

هل هناك ولو إشارة لخطر العدو الصهيوني؟ إشارة وليس صراحة القول؟

في الحقيقة لا يوجد أي سبب متعلق بالخطر الصهيوني إطلاقاً في بيان حزب النور السلفي الذي أصدره منذ أيام.. لقد ألقى حزب النور وراء ظهره الخطر الصهيوني، وأغمض عينيه عن كل الجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني في مصر منذ حرب 1948 عند محاصرة الجيش المصري في الفالوجا ومنع وصول المؤن من غذاء أو شراب إليه طوال فترة الحصار.. تناسى حزب النور السلفي العمليات الإرهابية التي قامت بها المخابرات الإسرائيلية بتفجيرات في الإسكندرية والقاهرة لمصالح أجنبية ومصرية عام 1954، وهي القضية التي عرفت باسم فضيحة لافون، وزير الدفاع الإسرائيلي ذلك الوقت، وأدَّى فشلها إلى استقالته من الحكومة الإسرائيلية.. تناسى حزب النور السلفي قيام إسرائيل التعاون مع فرنسا وبريطانيا بشن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ضمن محاولة لإحداث انقلاب في مصر، لإزاحة نظام عبدالناصر، تناسى حزب النور السلفي حرب يونيو 1967، التي فتكت بالجيش المصري واحتلال سيناء وقتل الأسرى المصريين، وهذا ما بثه التلفزيون الإسرائيلي منذ ما يزيد على السنة.. تناسى حزب النور السلفي العمليات الإرهابية التي قام بها الجيش الإسرائيلي، ومنها هجومه على «بحر البقر» عام 1970 وقتله لعشرات الأطفال في مدرسة هناك.. هنا لا نتحدث عن العمليات الإسرائيلية الإرهابية التي نفذتها إسرائيل في العديد من الدول العربية الأخرى من لبنان وسوريا والأردن والعراق وتونس والسودان ودبي وبعض الدول الغربية الأخرى التي جرى فيها تصفية مسؤولين فلسطينيين أو عرب ناشطين للقضية الفلسطينية.. فقط نتحدث عن الاعتداءات المتواصلة التي قامت بها إسرائيل ضد مصر طوال عقود.

ولا نتحدث أيضا عما تقوم به إسرائيل حاليا من ابتلاع منهجي للضفة الغربية، والمحاولات الدؤوبة لنسف المسجد الأقصى، وحالات القتل والملاحقة التي تتم بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما لا نتحدث عن حالة الحصار المفروض على قطاع غزة، والذي قال عنه الوفد الفلسطيني الذي قام أخيرا بزيارة غزة لإجراء المصالحة مع «حماس» بأنه «وضع مأساوي وكارثي».. نتحدث فقط عما ارتكبته إسرائيل ضد الشعب المصري وضد مصر، وإسرائيل لاتزال تشكل أكبر تهديد قومي على مصر.. كل هذا التاريخ طواه حزب النور السلفي في بيانه، ولم يذكر أي شيء عن الدولة التي يجري التطبيع معها، فقط حدد الخطر الشيعي، كتهديد قومي على مصر، وفق بيانه الذي نشره وذكره ضمن أسباب أخرى دعته لاختيار المشير السيسي للمنصب الرئاسي.

أمر مستغرب

الأمر العجيب أنه وفقا للدستور المصري الذي تم الاستفتاء عليه يحظر إنشاء أحزاب سياسية ذات منابع إسلامية، وحزب النور السلفي لا يخفي مرجعيته الإسلامية، ولا يخفي أيضا توجهه المتطرف إسلاميا، ومع ذلك لايزال يعمل ويصدر البيانات التي يُرحب بها، والسبب معروف تماماً، فالمواءمة الإقليمية والعطايا المليارية تقتضي غض الطرف عن المادة الدستورية التي لا تجيز إنشاء الأحزاب الدينية، كما تغض الطرف عن الاتجاهات العصبوية المذهبية التي يعلنها هذا الحزب.. فالسياسة تجيز كل شيء، بما في ذلك استخدام الدين للأهداف السياسية.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.