كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
على الرغم من أن الكويت كان لها السبق والريادة في صناعة البتروكيماويات، خليجياً عندما، شرعت في هذه الصناعة في حقبة الستينات من القرن الماضي مع إنشاء مصنع إنتاج الأمونيا واليوريا في العام 1960، وحينها توقع الكثير من الخبراء أن تكون الكويت مركز الثقل لهذه الصناعة، انطلاقاً من قاعدة السبق في التأسيس، وتوافر مقومات هذه الصناعة محليا، إلا أنه، ومع مرور السنين، تراجعت صناعات البتروكيماويات الكويتية بشكل كبير، حتى وصلت إلى المرتبة الرابعة خليجياً من ناحية حجم إنتاج بنسبة 6 في المائة، بعد المملكة العربية السعودية، التي تستحوذ على النصيب الأكبر من هذه الصناعة، بنسبة 68 في المائة، ثم قطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وفق تقرير الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات (جيبكا) للعام 2012.
وعلى الرغم من هذا التراجع في هذه الصناعة، لايزال الكثير من الخبراء يؤكدون أن صناعة البتروكيماويات هي الوحيدة القادرة على قيادة الاقتصاد الكويتي، وانتشاله من أحادية الدخل، المعتمد على العائدات النفطية، والبُعد عن مأزق تذبذب أسعار النفط وتراجع الأسعار المتوقع خلال الأعوام المقبلة، مع تزايد وتيرة تهديدات النفط الصخري في أكثر من دولة في جميع أرجاء العالم، بعد أن بدأت هذه الثورة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تقدر كميات الاستكشافات الجديدة بأكثر من 350 مليار برميل في 41 دولة، وأكبرها في روسيا بإجمالي يقدر بـ 75 مليار برميل، وأميركا بنحو 52 مليارا، والصين 32 مليارا، والأرجنتين 27 مليار برميل.
وهذه الكميات مرشحة للزيادة، مع تقدم التقنيات في العالم، بالإضافة إلى أن هناك أبحاثا متواصلة لخفض كلفة الاستخراج إلى أكثر من النصف، وهذا احتمال ممكن الحدوث، مع تكاثر وجود النفط الصخري في دول تتمتع بمراكز أبحاث وتقنيات متقدمة، وخصوصا أن النفط يمثل صلب الطاقة المطلوبة في جميع دول العالم والاعتماد المحلي المطلق لهذه الدول على هذه المادة، من دون الاعتماد على الاستيراد الخارجي يعني تراجعا كبيرا لأسعار النفط في الأسواق، وهذا بالتأكيد سيضع الفوائض المالية التي تحققها دول الخليج في خطر شديد، ويهدد اقتصادات هذه الدول والنمو فيها بشدة.
250 مليار دولار
ووفقا لتقرير الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات (جيبكا)، من المتوقع أن يبلغ حجم الاستثمارات الخليجية في صناعة البتروكيماويات نحو 250 مليار دولار بحلول عام 2015، منها نحو 50 مليار دولار استثمارات جديدة في هذا القطاع، وتتصدر السعودية قائمة الدول الخليجية في صناعة البتروكيماويات بمشاريع قيمتها 53 مليار دولار.
أما من ناحية حجم الانتاج الخليجي من البتروكيماويات، فقد استحوذت السعودية علي 67 في المائة منه بطاقة إنتاجية بلغت 86.4 مليون طن في العام 2012، وسجلت قطر 14 في المائة، والإمارات 7 في المائة، وتتوزع النسب الباقية علي دول مجلس التعاون الأخرى.
وتشير البيانات إلى أن السعودية تأتي في الصدارة، من حيث حجم النمو، إذ من المتوقع أن تزيد المملكة الطاقة الإنتاجية للقطاع بواقع 40.6 مليون طن بحلول عام 2020.
ومن المتوقع، أيضا، أن تصل الطاقة الإنتاجية لقطاع البتروكيماويات الخليجي إلى 191.2 مليون طن بحلول 2020، أي بزيادة نسبتها 50 في المائة، مقارنة بمستواها في العام 2012، والبالغ 127.9 مليون طن.
وقدر التقرير عدد الوظائف في قطاع البتروكيماويات في دول الخليج بما يزيد على 200 ألف وظيفة مباشرة بخلاف الوظائف في القطاعات والصناعات التكميلية، وتعد أكبر نسبة عمالة وطنية في هذا القطاع في السعودية بإجمالي 58 الف شخص يمثلون 74 في المائة من إجمالي عدد موظفي قطاع البتروكيماويات في دول الخليج.
أسباب التدهور
وحول أسباب تدهور صناعة البتروكيماويات في الكويت، وكيفية التغلب على المعوقات التي تواجه هذه الصناعة، يقول الخبير النفطي حجاج بوخضور، إن مشكلة الكويت لم تقتصر على تأخرها في قطاع صناعة البتروكيماويات فقط، بل الكويت تأخرت في كثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى، وهذا مرده إلى التدخل المتزايد من السياسة في الاقتصاد، وأصبحنا نرى المزايدات السياسية في كل الأمور، وليس في الاقتصاد فقط، وهذا ما أفسد كل عمل تنموي في الكويت، وأفسد الكثير من المشاريع، ولم تتقدم الكويت في أي من القطاعات الاقتصادية، فالكويت منذ عقود وهي تقبع في مكانها، وهذا ما أوصلنا إلى الحالة المتردية التي نعيشها الآن، يضاف إلى ذلك أن تشكيل الهيئات المختلفة في الدولة وحتى تشكيل الحكومة ذاته يقوم على المحاصصة السياسية والمحسوبية، ومن هنا فقدنا الكفاءات التي عندها القدرة على الإدارة والتطوير، وعندما كان يتم تشكيل الحكومة والوزارات والهيئات قبل أكثر من 25 عاما على مبدأ الكفاءة، ولم يكن هناك مجال للمحاصصة والمحسوبية كنا في الريادة الخليجية في كافة المجالات.
وأوضح بوخضور، أن تراجع الكويت في الصناعات البتروكيماوية ليس له أي علاقة بالمشكلات التقنية، مثل نقص الغاز الطبيعي أو نقص الخبرات، فكثير من الدول لا تملك أي من مقومات الصناعة البتروكيماوية، ولا تملك مواد أولية من أي نوع، سواء نفط أو غاز طبيعي، ومع ذلك حققت نجاحا كبيرا في هذه الصناعة، وتفوقت على الكويت التي تملك المقومات الكافية لهذه الصناعة، مؤكدا أن ما يتواجد في الكويت من غاز طبيعي، وما يتم استيراده يكفي لإقامة صناعات بتروكيماوية متطورة، ولكن مشكلتنا تكمن في النهج الذي تسير عليه الحكومة، ورضوخها للقوى السياسية أيا كان توجه هذه القوى.
وأكد بوخضور أن الاستثمار في قطاع البتروكيماويات من الأفضل أن يكون داخل الكويت، لافتا إلى أن مشكلة ارتفاع الدين الأميركي التي تتعاظم عاما بعد الآخر، حتى وصلت إلى ما يقارب الـ 60 في المائة من حجم الناتج المحلي الاجمالي، وهذا يعني عدم تحقيق الولايات المتحدة أي نمو اقتصادي، ما يهدد بحدوث أزمة اقتصادية كبيرة في المستقبل، ومن هنا، فإن من يذهب إلى العالمية والاستثمار الخارجي سيوسع على نفسه تداعيات هذه الأزمة، وسيكون عرضة لتداعيات هذه المشكلة الكبيرة جدا، والتي لن تقوى عليها حتى الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي، وبالتالي من الحكمة، ومن الأفضل أن توظف فوائض النفط وكل الاستثمارات داخل الدولة، وأن تحصن الدولة هذه الاستثمارات من أي صراعات، سواء كانت داخلية أو خارجية، لافتا إلى أن فكرة الاستثمارات الخارجية جيدة، ولكنها لا تعطي المزايا الاقتصادية الكثيرة التي تتحقق من الاستثمار في الداخل، من حيث توفير فرض عمل للمواطنين وتوطين التكنولوجيا، وضمان أن تكون هذه الاستثمارات، بعيدا عن أي هزات عالمية، وهذه الاستراتيجية هي التي يجب اتباعها في المرحلة المقبلة.
البكاء على اللبن المسكوب
من ناحيته، أكد نائب رئيس مجلس الإدارة في مجموعة عربي القابضة، حامد البسام، أن الكويت لم تواكب التطور الديناميكي المستمر لصناعة البتروكيماويات، وهذا من أهم الأسباب لعدم منافسة الكويت في السوق الخليجي للبتروكيماويات وتراجعها إلى هذه المراتب المتأخرة، لافتا إلى أن الجزء الأكبر من تأخر الكويت في صناعة البتروكيماويات يرجع إلى عدم وجود خطط واضحة للنهوض وتطوير هذه الصناعة، وهذا ما جعلنا نتخلف عن الركب الخليجي والعالمي الذي سبقنا، وأصبحنا لا نملك إلا البكاء على اللبن المسكوب.
وأوضح البسام، أن الشركات المحلية العاملة في صناعات البتروكيماويات عددها قليل جدا وصغيرة الحجم، باستثناء شركة أو شركتين لذلك هناك ضرورة ماسة إلى دمج هذه الشركات في كيانات كبيرة، أو دمجها مع شركات خليجية لمواجهة الصعوبات الحالية والمستقبلية المتمثلة في حدة المنافسة العالمية والمتغيرات المتلاحقة في أسواق الطاقة، وهجرة بعض الشركات العالمية من المنطقة إلى دول آخرى، بحثاً عن أسعار أرخص للغاز الطبيعي، وخصوصا مع تزايد الاعتماد على الغاز الصخري عاما بعد الآخر، لذلك سنجد أن غالبية شركات البتروكيماويات العالمية ستقلل من أعمالها خلال الأعوام المقبلة، ولن تستثمر وتطور مشاريع إضافية بالمنطقة، بل ستفضل العمل بالبلدان التي تقدم أسعار تنافسية للمواد الأساسية اللازمة لهذه الصناعة.
العودة ممكنة
من جانبه، أرجع رئيس مجلس الإدارة الأسبق لشركة نفط الكويت وصاحب مبادرة «الكويت عاصمة النفط في العالم»، أحمد العربيد، تراجع ترتيب الكويت في صناعة البتروكيماويات إلى عدم تنفيذ وتعطل مشروعات كبيرة ومهمة في هذه الصناعة، والتي كان آخرها مصنع البتروكيماويات بالشراكة مع شركة «داو كيميكال» الاميركية، حيث إن هذا المشروع كان من أضخم المشروعات التي ستنفذ في الكويت، ولكن نظرا للظروف التي مرت بها البلاد لم ينفذ، ولا شك أن تعطيل الكثير من هذه المشروعات أثر في مستوى انتاج الكويت من المواد البتروكيماوية، وأثر في ترتيبها خليجيا.
ويرى العربيد أن الكويت مازالت قادرة على احتلال مرتبة متقدمة خليجيا في صناعة البتروكيماويات، والمنافسة مجددا في هذه الصناعة، وذلك مرده إلى الامكانيات الكبيرة التي تملكها الكويت، ويمكن من خلالها النهوض مجددا بهذه الصناعة، ولكن ذلك يتطلب تضافر الجهود من جميع الجهات، وتحقيق تعاون كبير بين شركات القطاع النفطي المختلفة، من أجل تطوير صناعة البتروكيماويات الكويتية، فجزء مهم من تطوير القطاع النفطي بوجه عام وصناعة البتروكيماويات بصفة خاصة يعتمد على مدى التكامل والتعاون بين الشركات العاملة في هذا القطاع، فصناعة البتروكيماويات تعتمد بشكل أساسي على المواد النفطية الخام، وهذه المواد توفرها شركات القطاع النفطي.
تزايد الخوف
أما رئيس مجلس ادارة شركة الصناعات الكويتية القابضة، محمد النقي، فيؤكد أن ما آلت اليه صناعة البتروكيماويات الكويتية خلال السنوات الماضية يزيد الخوف والقلق، ويبشر أن المستقبل سيكون صعباً جداً، وإذ لم نتحرك من الغفلة التي نحن عليها الآن، ونبدأ بالاستثمار الجاد في تطوير هذه الصناعة، فإننا خلال سنوات قليلة سنجد أنفسنا خارج منظومة هذه الصناعة، فدول الخليج الاخرى ستلقي بكل ثقلها في هذه الصناعة التي تعد استثمارا ناجحاً لكل الدول، لافتا إلى أن الكويت تراجعت في هذه الصناعة، بسبب نقص الارادة للتطوير والتقدم، وعدم اتخاذ قرار استراتيجي بتطوير هذه الصناعة، فكثير من المشروعات في صناعة البتروكيماويات لم تأخذ الكويت خطوات جادة في تنفيذها، وتعطلت وتوقفت، وبالتالي خسرنا فرصا اضافية لتعزيز هذه الصناعة، في حين أن دول الخليج التي سبقتنا في هذه الصناعة سارعت إلى تنفيذ هذه المشاريع.
وقال إن هناك كثيرا من المشاريع الرائدة في صناعة البتروكيماويات حتى الآن حبيسة الأدراج، على الرغم من أن الكويت تعد أفضل مكان لتوطين هذه الصناعات، فالكويت تمتلك رؤوس الأموال، وتمتلك الفكر المتميز، ولكن عدم اتخاذ القرار المناسب يحول دون تحقيق أي تقدم في قطاع الصناعة بشكل عام، والملاحظ أن قطاع الصناعة على وجه التحديد يعاني تراجا كبيرا في الكويت، بسبب السياسات الخاطئة، وكثير من الصناعات هجرت الكويت إلى دول مجاورة، وتحولت كثير من المناطق الصناعية إلى مناطق تجارية ومكاتب تجارية ومناطق للتخزين وتتقلص فيها الصناعة تدريجياً.