في كتاب «السنة الرسولية والسنة النبوية» لمحمد شحرور: الله قائل والرسول ناطق والناس تفكر

محمد شحرور
محمد شحرور

كتب محمد جاد:
نقدّم هنا عرضاً موجزاً للكتاب الذي أنجزه أخيراً الباحث والمفكر السوري د.محمد شحرور، والذي جاء تحت عنوان «السنة الرسولية والسنة النبوية»، والصادر عن دار الساقي للنشر ببيروت في 350 صفحة، حيث يواصل شحرور منهجه العلمي الصارم في تقديم قراءة جديدة للسنة، ومراجعة نقدية لمفهومها وتجلياتها في التراث العربي الإسلامي، بكل ما تحمله من مفاهيم استقرت في الوعي الجمعي للمسلمين.. كالعصمة والمعجزات وعلم الغيب والشفاعة وعدالة الصحابة، وما شابه من تحويل النسبي إلى مطلق، والخلط بين الفعل والقول البشري والإلهي.

وللرجل العديد من المؤلفات التي سارت على النهج نفسه من وضع الأمور في نصابها، من حيث الفصل وتوضيح الفارق وتبعاته بين الإنساني والإلهي، نذكر منها «الدولة والمجتمع»، «الإسلام والإيمان»، «نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي»، و«تجفيف منابع الإرهاب».

مآل التغيير

في اللغة السُنة تعني اليسر والجريان والاستقامة على طريقة ومثال معين، ولا يتجسد معناها إلا من خلال ممارستها في نمط يتفق عليه المجتمع في ظرف اجتماعي وتاريخي مناسب لها، ثم بمرور الوقت يصبح هذا النمط مستساغاً، بفعل التداول بين الناس، مثل القوانين التي يتم سنها بداية، ثم تصبح في ما بعد مُتعارف عليها ممارسة وفعلاً في المجتمع.
إلا أن هذه السنن الحياتية مآلها التغيير والتبديل المستمرين، بفعل الزمن وتطورات بنية المجتمعات الاقتصادية والاجتماعية. ويستند شحرور في ذلك إلى القرآن الكريم، الذي لم يصرّح أبداً بتثبيت أي سنة من السنن، بدليل تعدد السنن وتعاقبها.

السنة الرسولية والسنة النبوية

تتمثل السنة الرسولية في الرسالة التي أنزلت وحياً على قلب الرسول الواردة في أم الكتاب، وما جاء فيها من منظومة القيم والشعائر ونظرية الحدود ومبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما السنة المحمدية/النبوية.. فأولها هو القص المحمدي الوارد في التنزيل الحكيم، وهو جزء من القرآني، جرت أرشفته بعد وقوعه، لذا فهو نسبي، ولا تؤخذ منه سوى العبرة فقط، ويجب الإيمان به والتسليم له، وهو الجانب التاريخي من السيرة.

وثانيها اجتهادات الرسول، كما جاءت في الأحاديث الواردة في كتب الرواة والسيرة، ومارس فيها الرسول الدور والفعل البشري كأمور القيادة العسكرية وتنظيم أمور المجتمع (كولي أمر)، والقضاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كقائد اجتماعي) بشكله التاريخي، وينطبق هنا سياق: تتغير الأحكام بتغيير الأزمنة، لأنها أفعال صادرة في حيز زمني وبيئي يختلف عما نحن عليه اليوم.

ما بين مقامي النبوة والرسالة

وتعود أهمية إدراك الفوارق الجوهرية بين مقامي النبوة والرسالة، وفق ما يرى المؤلف، إلى إدراك الفارق بين المطلق والنسبي، فالله قائل، والرسول ناطق، والناس تفكر، وتستنتج وفق تطور نظم المعرفة وأدواتها.

أما عدم التفريق، فسيؤدي إلى تحويل النسبي إلى مطلق، أي الفعل البشري إلى فعل إلهي، وهو ما يساعد على استغلال الإسلام كديانة في توترات وأفكار تضر منتسبيه لأقصى حد. وهو الذي يحاول الكثير من الفقهاء اليوم تصديره إلى الناس من أفكار بالية، يصرون على وضعها مقام التقديس، على الرغم من كونها لا تعدو أفكاراً بشرية، صادرة عن بشر وخاصة بفعل إنساني.

الذي لا يتغير

وهي المُلزمة بالأخذ بها عن الرسول، وطاعته فيها طاعة متصلة، والعمل بما جاء فيها، وهي التي قام الرسول بتبليغها كما وردت في التنزيل الحكيم، أو كما وفقه الله لبيان تطبيقاتها العملية، كحال الصلاة والزكاة، ولتبليغ الحدود التي أمره الله بتبليغها، وهي غير متغيرة وقابلة لاستيعاب كل التغيرات التي تطرأ على حياة المجتمعات الإنسانية، كلٌ وفق تطور مستواه المعرفي ومتطلباته الناتجة عن هذا التطور.

عالمية الرسالة

وتتبدى عالمية الرسالة المحمدية في مرونتها، واستيعابها لكل التشريعات الإنسانية عبر كل مراحل تاريخ الإنسانية. ويتمثل هذا الاستيعاب في نظرية الحدود التي جاءت في التنزيل الحكيم، تاركة الممارسات التطبيقية عبر التاريخ خاضعة لعملية الاجتهاد الإنساني، فالرسول بلّغ رسالته بما فيها من تشريع (ضمن نظرية الحدود) من مقام الرسالة، وهي تستلزم الطاعة المتصلة باحترام هذه الحدود، وعدم الخروج عنها، وذلك بالاجتهاد ضمن حدودها بمنهج مرن، يتماشى مع متطلبات الأفراد وفق ظروف مجتمعاتهم. بخلاف الاجتهادات التي مارسها الرسول وفق مقام النبوة ضمن مهام السلطة التشريعية التي كانت بين يديه، فطاعته فيها طاعة منفصلة فقط في حياته كولي أمر، ممن كان معه من المؤمنين من أفراد مجتمعه، ولا تلزم من بعدهم بذلك، لأنها كسنة نبوية بعد تغير الزمان تصبح غير سارية المفعول.

الأمر بالمعروف

يتوسع شحرور أكثر في مقولاته، ويرى أن مبدأ «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، هو مبدأ نظري من أركان الرسالة المحمدية، إلا أن تطبيقاته العملية وآلياته تختلف من مجتمع لآخر، وبالتالي، فإن السُلطة المخوّل لها القيام بذلك في عصرنا الحالي، هي مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات تعمل في حقل الدفاع عن حقوق الإنسان ووسائل الإعلام والصحافة.

والأمر هنا يصبح أداة دفاعية في وجه السلطة السياسية، ومَن يُساندونها من أفراد يدافعون عن وجودها، لبقاء وضع اجتماعي واقتصادي يحقق لهم أكبر فائدة ممكنة. ويرى شحرور أنه كلما قلت ممارسة تلك المؤسسات لدورها في حياة المجتمعات زاد القمع والتخلف، كما حال مجتمعاتنا العربية.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.