
كتب محرر الشؤون المحلية:
في الأسبوع الماضي نشرت وكالة الأنباء الفرنسية خبراً طريفاً وذا مغزى متعلقاً بالتوصية التي تبناها مجلس الأمن الوطني للسلامة المرورية في فرنسا، ضمن دراسته للحد من حالات الحوادث في الطرقات المكتظة، ومفادها خفض السرعة القصوى إلى 80 كلم في الساعة، بدلاً من 90 كلم في الساعة، وهذا من شأنه تقليل نسبة الحوادث المؤدية للوفاة بمقدار 450 حالة، كما تشهدها فرنسا حالياً.. وهي كما قلنا مجرد توصية نابعة من دراسة، وليس قرارا مفروضا من مجلس السلامة المرورية.. وتذهب التوصية في ما بعد إلى لجنة بين عدد من الوزارات المعنية للموافقة عليها أو رفضها من قِبل الحكومة الفرنسية.. وقد أثار هذا الاقتراح ردود فعل ليست كآراء، بل كوجهات نظر مستندة إلى دراسات.. رئيس إحدى الشركات ذات التخصص المحاسبي والدراسات الحسابية خلص إلى نتيجة معززة بالأرقام، تفيد بأن من شأن خفض حدود السرعة من 90 إلى 80 كلم خلق مائة ألف عاطل عن العمل في سوق العمل، ورئيس الجمعية الفنية للطرق والبنى التحتية رأى أنه ليس المهم خفض السرعة القصوى، بل الاهتمام بخطوط الطرق والإشارات المرورية، وبيَّن أن عوائد الدول من ضرائب الوقود للسيارات تبلغ سنويا 37 مليار يورو، فيما المخصصات السنوية المرصودة لتحسين الطرقات تبلغ 17 مليار سنوياً، وبالتالي يفترض زيادة المصروفات لتحسين الطرق، وليس تقليل السرعة.
من جانبه، أدلى أحد الأساتذة المختصين بالتخطيط الحضري بدلوه، مبينا أن خفض السرعة القصوى من 90 إلى 80 كلم في الساعة من شأنه أن يوفر 300 مليون يورو، وهي مبالغ مخصصة للعلاج من الحوادث، إن كانت بسيطة أو بليغة، ولكن في الوقت ذاته سيؤدي ذلك إلى زيادة الكلفة إلى 44 مليار يورو، باحتساب الأوقات الضائعة والمهدورة لدى مستخدمي المركبات الخاصة.
التوصية لم تعتمد بعد، والنقاش مستمر، وكل طرف يعزز آراءه بالأرقام والدراسات الإحصائية.. لماذا نقول إن الخبر يحمل مغزى؟
جميعنا نتذكر القرار الذي اتخذه مدير الإدارة العامة للمرور منذ أكثر من شهرين، بخفض السرعة في العديد من الطرقات، ومباشرته بإجراءات عملية لتغيير كاميرات ضبط السرعة أو اللوحات الدالة عليها.. بعدها بأيام من إصدار قراره هذا، قام وزير الداخلية بإلغاء القرار المتسرّع لمدير المرور! وهذا يعني أن حتى وزيره المباشر لم يكن يعلم بقراره!
فشتان ما بين توصيات تتخذ ضمن إطارها الصحيح، وقرارات ارتجالية تتخذ لدينا.. وما أكثرها!