
كتب علي حسين العوضي:
صادف يوم السبت الماضي، 26 أبريل الجاري، الذكرى الثالثة لوفاة المفكر الكويتي أستاذ علم الاجتماع د.خلدون النقيب.
ولعلنا اليوم، ونحن نستعيد بعضاً من إسهامات الراحل، نتوقف أمام مسألة في غاية الأهمية، تكمن حول الأزمة السياسية التي تمر بها الكويت وعواملها ومسبباتها، وهو ما يطرح سؤالاً: لماذا التنمية في الكويت معطلة، بل متوقفة؟
أمور كثيرة تحتاج إلى إجابات واضحة، ولعل من الضروري هنا العودة إلى ما أنتجه فكر النقيب، في محاولة لإيجاد بعض الحلول التي من الممكن أن تخرجنا من مثل هذه الأزمات.
لقد نشر الراحل د.خلدون النقيب العديد من الكتب والدراسات والأبحاث، التي تتحدَّث مباشرة عن السلطة السياسية وآراء التخلف، التي تحيط بالمجتمعات العربية، كما أنه ناقش الأفكار الأصولية وطبيعتها، وكذلك المكون الاجتماعي الأهم في المجتمع العربي، وهو القبيلة.
من يرجع إلى سطور قلم النقيب يجد محاولة جادة وتصوراً خاصاً انطلق منه الراحل، لوضع التغيُّرات التي أدَّت إلى أن تبقى المجتمعات العربية في الصفوف المتأخرة، بعيدة تماماً عن العالم المتقدم.
ومن دون الدخول في تفاصيل كثيرة، يدخل النقيب في مصطلح عقلية «البوتيك»، فهي برأيه عقلية انتهازية سياسية: «كل الأشياء قابلة للبيع والتداول في السوق الذي تسوده علاقات المعزّب – الزبون، والمعزبون في تكتلات قبلية عائلية تقليدية تضع قوانين المنافسة والبيع والشراء.. هذه العقلية إذا نقلت من ميدان السوق إلى ميدان السياسة نصبح أمام حالة في السياسة لا تقبل الموقف الأيديولوجي، ولا منطق الصالح العام، إذ إن كل شيء قابل للبيع والتداول وفق قانون السوق السياسي».
ومن هذه الفكرة يؤكد النقيب أن الأزمات السياسية، التي شهدتها الكويت منذ عام 1963، تسببت فيها الحكومة جميعاً، بشكل مباشر وغير مباشر، لذلك يذهب إلى «أن النخبة الحاكمة في الكويت غير مقتنعة بالدستور، وهذا هو سر لغز الأزمات الدستورية المتكررة».
وهو في المقابل يتناول تواطؤ بعض نواب مجلس الأمة مع الحكومة «تحيّنهم» الفرص بالدستور وإصدار جملة من القوانين غير الدستورية.
أبدى النقيب في العديد من كتاباته هواجسه من فشل الدولة، أو أن تتحوَّل الكويت إلى دولة فاشلة، وهنا يحذر النقيب بشكل قاطع من مسألة استمرار«حالة التأزيم»، والتي هي «مؤشر على أن التحوُّل في القيم وفي المناخ السياسي العام وفي خيارات الناخبين إذا لم يصاحبه تغيير في تركيبة النخبة الحاكمة وفي اتجاهاتها السياسية بما يتناسب مع التطورات الحادثة في النظام الاجتماعي – الاقتصادي سيؤدي إلى احتكاك سياسي بين القوى المجتمعية وتضامنياتها القبلية – الطائفية».
ويستنتج د.خلدون النقيب في دراسة حولة «محنة الدستور في الكويت والعالم العربي» نشرت في «القبس» بتاريخ 1993/12/16: «أننا لم نخرج حتى الآن من محنة الدستور.. وما نشهده الآن، ما هو إلا حلقة من حلقات هذه المحنة، وأن النخب الحاكمة عندما تصل إلى السلطة لا تقبل القيود الدستورية على سلطتها، وترفض مساءلة الشعوب لحكوماتها، وهي في النهاية تستغل الصراع بين القوى الاجتماعية لصالحها، لأنها طرف فيه، ولكن نتيجة الصراع هي انتهاك مؤسسات الحكم الوطني وإضعاف مصادر شرعية الدولة، وما هذه إلا إيذان بضياع «الملك» وزوال «الدولة»، أي خسارة الجميع وضياع الكل».