ترجمة: ظافر قطمة
تناولت صحيفة الغارديان البريطانية الموقف الأميركي الأخير من النزاع العربي – الإسرائيلي، وقالت في تعليق بقلم روبرت فيسك: إن أوباما أصبح آخر رئيس أميركي يتخلى بشكل فعلي عن العملية السياسية في الشرق الأوسط.
كما توقع العالم بأسره – باستثناء باراك أوباما وجون كيري – ومبعوثنا المفضل للسلام توني بلير، فإن كل الهراء المتعلق بتحقيق «سلام» فلسطيني – إسرائيلي قد انهار ثانية.
ويقول أوباما: إن الوقت حان، من أجل «توقف». هل من كلمة أكثر بروداً للتعبير عن العجز الأميركي في الشرق الأوسط؟
وطبعاً شجب أوباما، تماشياً مع الموقف الإسرائيلي، خطوة محمود عباس «غير المفيدة» إزاء محاولة تشكيل حكومة وحدة مع حركة حماس في ترديد لمزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو المتوقعة، بأن الرئيسس الفلسطيني «شكل تحالفاً مع منظمة أرهابية قاتلة تدعو إلى تدمير إسرائيل».
دعك من إصرار عباس على أن هذه الوحدة الفلسطينية سوف تقوم على الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف وقبول الاتفاقيات السابقة.
ونظراً لأن نتنياهو كان يطالب بقبول عباس – حتى قبل تجدد علاقته الوثيقة مع حماس – بأن إسرائيل «دولة يهودية» (وألغى بذلك وجود عشرات الآلاف من عرب إسرائيل)، فإن ما من «اعتراف بإسرائيل» من دون تعريفها اليهودي سينطوي على أي فائدة بالنسبة إليه.
نهاية «السلام»
ظل الإسرائيليون طوال سنوات يقولون بعدم وجود جانب فلسطيني للتفاوض معه، لأن عباس لم يكن يمثل الفلسطينيين في قطاع غزة، ولكن بمجرَّد أن حاول عباس والسلطة الفلسطينية تحقيق الوحدة التي تفضي إلى شريك مفاوض مع إسرائيل يعلن نتنياهو نهاية «السلام» وحل الدولتين.
كيف ظن كيري أن في وسعه إنهاء هذا الهراء خلال تسعة أشهر؟ ومادامت الإدارة الأميركية مرتهنة للحكومة الإسرائيلية وتستمر في دعمها لإسرائيل، في الصواب والخطأ، فإنها لن تتمكن من التفاوض حول السلام بين الجانبين.
آخر حرب استعمارية
وقبل شهر واحد فقط، وافقت إسرائيل على بناء 186 وحدة سكنية أخرى في المناطق اليهودية المستعمرة حديثاً في القدس الشرقية، والاستيطان هو محور كل شيء في هذا السياق. ثم كيف تطالب إسرائيل بتحقيق سلام مع الفلسطينيين، فيما تستمر في قضم الأرض العربية في الضفة الغربية؟ إن النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي هو آخر حرب استعمارية. وإذا أنكرت ذلك، لن تتمكن حتى من البدء بمحادثات.
كان الأجدر بنتنياهو أن يشجب الطبيعة غير الديمقراطية للسلطة الفلسطينية وقمعها للمعارضين – على الرغم من أن ذلك القمع في الضفة الغربية أساسي لمنع الفلسطينيين من معارضة «العملية السلمية» – ورئاسة عباس غير الديمقراطية وغير الشرعية. ولكن عباس كان «رجلنا» المفترض والشخص الذي يستطيع أوباما وكيري وبلير التحدث معه، لذلك لم تكن هناك من طريقة لاستبعاده.
كانت الكتابة على الجدران – ولنذكر أن هذه الكليشيه تأتي من عيد بلشازار ومن اللحظة التي أبلغتنا كيري فيها قبل ثلاثة أسابيع أن الولايات المتحدة سوف «تعيد تقييم» دورها في المحادثات الفلسطينية – الإسرائيلية.
يومها قال إن الوقت حان من أجل «مراجعة واقعية». وكان على ذلك الوزير الأميركي البائس أن يتذكر قبل ذلك وعده السخيف في السنة الماضية، بأن كل شيء سيتم حله بحلول نهاية هذا الشهر.
باب واحد
وفي الأصل كانت «العملية السلمية»، التي نادراً ما كانت حول السلام ولم تكن قط عملية – يجب أن ترجع إلى مسار في كل مرة تعرَّضت فيها إلى انهيار، ثم دعمت الرباعية وبلير «خارطة طريق» للسلام التي يفترض أن تعني أننا نتوجه نحو سلام بدلاً من ركوب القطار، ولكننا نتشجع الآن للظن أن السلام محتجز في داخل غرفة يتعيَّن الخروج منها عبر باب.
ولهذا السبب، أبلغ أوباما العالم أخيراً أن «الواقعية تقول بوجود باب واحد، وأن على الطرفين القيام ببعض التسويات الصعبة. ونحن نشجعهما على الخروج من خلال ذلك الباب».
وبعد ذلك، وفي خطابه في كوريا الجنوبية أعلن أنه «لا يتوقع خروجهما عبر ذلك الباب في الأسبوع المقبل، أو الشهر المقبل أو خلال الأشهر الستة التالية».
وبكلمات أخرى، توقف أوباما عن العمل في هذا الميدان. وسيتعيَّن على الرئيس المقبل – وربما هي السيدة كلينتون التي تتمتع بخبرة في «صنع السلام» في الشرق الأوسط لدفع الفلسطينيين والإسرائيليين لفتح الباب ووضع القطار على الخط، ودفع السيارة على مسار خارطة الطريق، ولكن لا جدوى من التخمين حول مكمن الخلل في كل هذا.
ومنذ البداية، وافق ياسر عرفات على أن بلاده ستتواجد على 22 في المائة من أرض فلسطين في عهد الانتداب، ثم قبل بالمستوطنات المتوسعة في الضفة الغربية، وسمح لأميركا بإملاء شروط السلام – التي كان يفترض أن تمنع أي توسع إقليمي بعد اتفاقية أوسلو – ثم سمح للولايات المتحدة بأن تلومه على فشل المفاوضات. وقدمت حركة حماس بعلاقاتها مع سوريا ثم مع قطر وإيران ومصر (في عهد محمد مرسي) هدية إلى إسرائيل عبر قصف سديروت من قطاع غزة بآلاف من الصواريخ غير الدقيقة معظمها محلي الصنع.
وسمح ذلك لإسرائيل بقتل المئات من المدنيين الفلسطينيين، سعياً وراء الانتقام وحرم اليسار الإسرائيلي من دعم الانسحاب الإسرائيلي الأصلي من غزة، وهو انسحاب كان يهدف، باعتراف اليد اليمنى لشارون، إلى توسع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية.
وقال أوباما يوم الجمعة الماضي «الأمر متروك لهم»، وهكذا أصبح على إسرائيل القوية وعلى فلسطين المحتلة بصورة جزئية التوصل إلى «تسويات»، فيما تقول واشنطن – بتعابير أوباما نفسه – إنها لن تتخلى عن الأمل أو الالتزام بإمكانات السلام. وبحلول ذلك الوقت سوف تكون فلسطين قد ماتت مثل «العملية السلمية».