
كتبت حنين أحمد:
انطلقت الأحد الماضي فعاليات احتفال جمعية الخريجين، بمناسبة مرور 50 سنة على تأسيسها، وذلك في مقر الجمعية ببنيد القار.
بدأ الاحتفال بكلمة ترحيبية من جمعية الخريجين، ألقاها نائب رئيس الجمعية، إبراهيم المليفي، عُرض بعدها شريط تسجيلي مدته نصف ساعة، وثق تاريخ الجمعية، وأورد شهادات لأشخاص عايشوها وساهموا في نشاطاتها وأعمالها، فضلاً عن عرض الدور الذي لعبته في مجمل القضايا الوطنية.
أعقب ذلك تكريم أعضاء مجلس الإدارة السابقين والحاليين، عبر تقديم دروع تقديرية لهم ولممثليهم، تضمَّنت أيضا أعداداً سابقة من جريدة «الفجر»، التي كانت تصدرها الجمعية.
اليوم الثاني
في اليوم الثاني من الاحتفالات، استكملت الجمعية فعالياتها خلال الجلسة الأولى من المؤتمر الوطني للخريجين الذي عقد ندوة تحت عنوان «الخريج.. أحلام المستقبل وأوهام الواقع»، حاضرت فيها مديرة برنامج الحوكمة الديمقراطية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أ.هدى الدخيل، ورئيس تحرير الصفحة الاقتصادية في جريدة «الجريدة» محمد البغلي، ومدير الجامعة العربية المفتوحة د.موضي الحمود.
سوق العمل

في البداية، اعتبر إبراهيم المليفي أن سوق العمل في الكويت يُعد أحد أوجه الاختلالات الهيكلية العميقة في الاقتصاد الكويتي، «فالواقع الحالي يحتوي على العديد من التشوهات التي يصعب استمرارها على المديين المتوسط والطويل، من حيث تركز العمالة الوطنية في القطاع الحكومي وعدم اتساق مخرجات النظام التعليمي مع متطلبات سوق العمل وضعف قدرة القطاع الخاص على استيعاب شريحة أساسية من حجم العمالة الوطنية، فضلاً عن البطء الشديد في تسهيل أعمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وما يواكبها من تعقيدات تتعلق بالأراضي والتمويل».
وشدد المليفي على أن الحديث عن اختلالات سوق العمل يجب أن يشمل العديد من المحاور المرتبطة في تأهيل العمالة الوطنية ورفع معايير استقطاب العمالة الوافدة وتوفير بيئة للاستثمار في القطاع الخاص وتشجيع العمل على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والعمل على تغيير فلسفة التعليم، لتصبح أكثر اتساقاً مع متطلبات سوق العمل.
فرص العمل
من جهتها، تناولت هدى الدخيل في ورقتها البحثية التحديات التي يواجهها الخريجون لناحية التقلص المستمر لفرص العمل أمامهم، حيث أشارت إلى أن التركيز على فئة الشباب من فئة الخريجين من سن 20 إلى 34 الذين يشكلون 60 في المائة من تعداد السكان، سيؤدي إلى السعي لمعالجة المشاكل المباشرة والملحة، وهذه الحلول غالباً ما تكون جزئية وغير فعالة وغير مستدامة، لأنها لا تأتي في إطار معالجة شاملة متكاملة تستهدف كل أوجه المشكلة وكل أطرافها.

ولفتت إلى أن توفير فرص العمل للشباب، أمر ضروري، لكن نوعية العمل الذي سيقومون به والبيئة التي سيعملون بها، هي أيضاً أمور يجب أن تولى القدر نفسه من الأهمية.
وتطرَّقت كذلك إلى فئتين أخريين لا تؤخذان عادة في الحسبان حين التحدث عن الخريجين والتحديات التي تواجههم:
الفئة الأولى، تشمل الخريجين والموظفين ما بين سن 35 وسن التقاعد، والثانية الخريجين المتقاعدين، الذين لديهم أحلام للمستقبل، وواقعهم مليء بالتحديات، التي ربما فاقت حتى تحديات الخريجين الشباب.
تحديات تواجه الخريجين
وعدَّدت الدخيل أبرز التحديات التي تواجهها الفئة الأولى من الخريجين الموظفين من سن 35 إلى سن التقاعد وحصرتها في:
● العمل في بيئة حدود الاختصاصات، المسؤوليات فيها مائعة وغير محددة، بسبب عدم وجود توصيف وظيفي واضح لأغلب الوظائف الحكومية، وافتقار أغلب المؤسسات الحكومية للإجراءات التشغيلية القياسية التي توضح خطوط وحدود المسؤوليات داخل المؤسسة.
● فرص التطور الوظيفي محدودة جداً، وتتم غالباً وفق اعتبارات ومعايير غير واضحة، وغالباً ما تقع خارج إطار المهنية، وهذا بدوره يؤدي إلى مراوحة الموظف في الموقع نفسه الذي بدأ به لسنوات وسنوات.
● على الرغم من توفير ديوان الخدمة المدنية لكثير من البرامج التدريبية، فإن إلزامية هذه البرامج للتطور الوظيفي تقتصر فقط على مجموعة محدودة من الوظائف التقنية.
● الغياب التام لثقافة التدريب، من أجل التطوير المهني. فالموظف الذي يعيَّن في وظيفة ما، أياً كانت، تصبح وظيفته وكأنها قدره الأبدي.
تحديات تواجه المتقاعدين
أما الفئة الثانية، التي تشمل المتقاعدين، ويبلغ إجمالي عددهم 12090 فرداً، منهم 4559 امرأة و7531 رجلاً، فمن التحديات التي تواجههم:
● غياب ثقافة التدريب المهني والتدريب وفق المسارات الوظيفية عن القطاع العام، وعدم إتاحة الفرصة للمتقاعدين خلال سنوات خدمتهم في التطور مهنياً، من حيث التدريب المستمر والمتنوع، أو التطور وظيفياً.
● فرص التدريب المتاحة للمتقاعدين لتطوير قدراتهم على تأسيس أعمال خاصة بهم، شبه معدومة.
● عدم وجود آلية وطنية تعيد دمج المتقاعدين الراغبين بالعمل في المجتمع واستثمار ما لديهم من خبرات ومهارات متراكمة.
مشكلة مجتمعية
وتساءلت الدخيل: هل مشكلة التوظيف هي التحدي الأهم الذي يواجه هذه الفئة فعلاً؟ مؤكدة أن التوظيف، وما يرتبط به من مشكلة مستوى التعليم وملاءمته لحاجات سوق العمل والمهارات التقنية التي يزود الشباب بها، هي بالتأكيد أكثر التحديات إلحاحاً، لكنها ليست الأهم.
واعتبرت أن مشكلة الخريجين ليست مشكلتهم فقط، وليست مشكلة الدولة فقط، بل هي مشكلة المجتمع ككل، ومعالجتها يجب أن يشترك فيها المجتمع كله، ضمن إطار مجموعة من الحلول المتكاملة، يأتي على رأسها:
● وضع استراتيجية وطنية للتوظيف، لا تحدد فقط أعداد الموظفين وجهات توظيفهم وما هي مواصفات الموظف التي يريدون، بل تتجاوز ذلك إلى وضع آليات جديدة لعمليات الترقي الوظيفي والتطوير المهني لكل العاملين في القطاع الحكومي.
● تحديث وتطوير نظم الخدمة المدنية والسياسات الإدارية في مؤسسات القطاع العام.
● وضع سياسة وآلية وطنية واضحتين، لاستثمار طاقات المتقاعدين الراغبين في مواصلة العطاء لخدمة المجتمع في تخصصاتهم المختلفة.
● تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في قيادة عملية التحول الثقافي.
رحلة البحث عن الوظيفة

بدورها، تحدثت مديرة الجامعة المفتوحة، د.موضي الحمود، عن رحلة البحث عن الوظيفة، حيث كشفت عن توجه 18000 – 20000 خريج وخريجة، بمختلف التخصصات، معظمهم من حملة الشهادات الجامعية أو ما يعادلها، والأقلية من حملة الدبلومات المهنية 20 في المائة تقريباً سنوياً، إلى سوق العمل.
وذكرت أن عدد العاملين في الحكومة من الكويتيين بلغ 150.214 موظفاً، وذلك وفقاً لتعداد 2011، من إجمالي القوى العاملة الكويتية في هذا القطاع، وعددهم 350.220 موظفاً، أي بنسبة 72 في المائة، ويستقطب القطاع الخاص من 10 إلى 11 في المائة من الكويتيين من إجمالي هذه القوى، وفقاً لإحصاءات العام نفسه.
وبيَّنت أن كل 4.5 من السكان الكويتيين يقابلهم موظف حكومي أي بنسبـة 1 إلى 4.5، وهذا المعدل يعد من أعلى المعدلات العالمية.
خلل كبير
وأوضحت الحمود أن هناك خللاً كبيراً في أسلوب التوظيف والاستقطاب للشباب المتعلم من ناحية، وغياب كامل لتوصيف احتياجات سوق العمل من المهارات التي يجب أن تعنى بها مؤسسات التعليم العالي لتوجيه الملتحقين بها إلى هذه التخصصات، وحددت أوجه هذا الخلل بالتالي:
● غياب «توصيف وتحديد» احتياجات سوق العمل من التخصصات العلمية، وذلك بالطبع دفع جهة، مثل جامعة الكويت، بتقدير تلك الاحتياجات من كافة التخصصات.
● الخلل في هيكل الأجور والرواتب.
● انعدام الشفافية في أسلوب الاستقطاب والتوظيف في وزارات ومؤسسات الدولة الأخرى.
● تخلف تشريعات العمل في القطاع الحكومي، واستمرار العمل بقانون الخدمة المدنية الحالي، الذي يحدد الراتب بناءً على الشهادة.
● اتساع الفجوة في كثير من الأحيان بين قدرات الخريج واحتياجات سوق العمل، وخاصة الخبرة والمهارات التي تتطلبها مؤسسات القطاع الخاص.
حلول علاجية
وعن الحلول المقترحة، شددت الحمود على أن ذلك يتطلب مراجعة جملة من الأمور التي يجب الوقوف عندها ومعالجتها، وذلك بتضافر جهود جهات عدة، سواء على مستوى السلطة التشريعية أو التنفيذية أو الحكومة، وجهاتها وأجهزتها المختلفة، أو حتى على مستوى الأفراد والخريجين أنفسهم، نذكر منها ما يلي:
أولاً: العمل على مستوى السلطة التنفيذية بالدولة، ممثلة بأجهزة التخطيط فيها، وبالتنسيق مع ديوان الخدمة وجهاز دعم العمالة ووزارة الشؤون على تحديد التدفقات من الشباب خريجي الجهات التعليمية المختلفة أو المتسربين من التعليم ومعدلات هذا التدفق إلى سوق العمل.
ثانياً: دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص، وتعزيز السياسات الحالية ومراقبة تطبيقها، وخاصة في الشركات والمؤسسات الكبيرة على مستوى الدولة، وتفعيل سياسات التكويت (الفعلي) التدريجي وبنسب متدرجة، ومحاربة التوطين الوهمي للعمالة الكويتية، وخاصة في المهن التي تحتاج إلى مهارات متوسطة.
ثالثاً: العمل على تعديل كثير من التشريعات (من قِبل الجهاز التشريعي في الدولة ومجلس الأمة)، وعلى رأسها تشريعات العمل، وقانون الخدمة المدنية وهيكل الرواتب في الدولة.
رابعاً: على الصعيد نفسه، واستكمالاً لدراسة ومعالجة الاختلالات في هيكل الأجور والرواتب الحادث حالياً بين جهات العمل المختلفة وبين الجهات الحكومية نفسها، لابد من النظر بجدية إلى هذا الأمر ومعالجته بين الجهات ذات الكوادر الخاصة، كالقطاع النفطي وديوان المحاسبة و«الفتوى والتشريع»، وقد يكون من المناسب اتباع سياسة «تجميد الرواتب» لهذه الجهات، حتى يتسنى للجهات الأخرى أن تعدل هياكلها، بما يحقق العدالة في الأجر لنفس التخصص في جهاز الدولة ومؤسساته.
خامساً: التوجه المطلوب من قِبل المؤسسات التعليمية لتوجيه الملتحقين بها إلى التخصصات المطلوبة في سوق العمل، والاهتمام بتأهيل العمالة ذات المهارات الوسطى.
سادساً: إقامة مؤسسات التدريب والتأهيل، وإعادة التأهيل لإعداد وتدريب الخريجين ذوي الاختصاصات التي يقل الطلب عليها في سوق العمل، وذلك لتسهيل استيعاب العمالة الوطنية من قِبل منظمات القطاع الخاص.
سابعاً: لابد من بذل جهود جادة وكبيرة للتوعية المجتمعية لشبابنا للإقبال على الوظائف المختلفة، والتي يعزف عنها الشباب حالياً، مع تشجيع العاملين فيها بالامتيازات والأجور.
وختمت الحمود قائلة: لابد أن تتضافر الجهود جميعها، وعلى رأسها أجهزة الدولة وسلطاتها التشريعية والتنفيذية وأجهزة الإعلام والتربية وجهود الأسر وأفراد المجتمع ومؤسساته المعنية لتغيير ثقافة العمل والإنتاجية، لنتمكن من بناء الوطن أولاً، وبناء مستقبل أجيال تقع مسؤولية تأهيلها وإعدادها على عاتقنا نحن اليوم.
ربط مخرجات التعليم في الكويت بسوق العمل

تطرَّق رئيس تحرير الصفحة الاقتصادية في جريدة «الجريدة» محمد البغلي إلى الاختلالات التي تشوب عملية ربط مخرجات التعليم في الكويت بسوق العمل وما يرتبط بهذين القطاعين (التعليم والعمل) من مشكلات في السياسات والتنفيذ.
وتوقف أمام مجموعة من الاختلالات الجوهرية، في وقت تشير فيه معظم التقارير المحلية والدولية إلى ضرورة إصلاح نظام العمل في الكويت الذي يوظف 85 في المائة من قوة العمل الكويتية، وهي نسبة عالية جداً، وتبيّن مدى الحاجة إلى تنويع سوق العمل بالتوافق مع مخرجات جديدة ومختلفة كلياً من النظام التعليمي.
وأكد أن هناك تحديات وعوائق يجب على متخذ القرار أن يضعها في الحسبان عند معالجة هذه الاختلالات، منها :
● كثافة أعداد القادمين الجدد إلى سوق العمل التي ستصل بحلول 2030 إلى 74 ألف قادم جديد سنوياً، كما يتبين من التركيبة العمرية للسكان في عام 2011، أن حوالي 48 في المائة من جملة السكان هم تحت 19 عاماً، وهؤلاء نتاج النظام التعليمي الحالي الذي يعاني اختلالات كثيرة وجوهرية.
● ازدياد مشاركة المرأة في سوق العمل، حيث إن توفير الوظائف للمرأة، وخاصة في القطاع العام، يفرض بعض التحديات الإضافية، نظراً لإمكانية تكرر الدخول والخروج من سوق العمل، وطول إجازات الأمومة وصعوبة الالتزام بالتطوير المستمر، من خلال البرامج التكوينية والتدريبية، وخاصة التي تنفذ بالخارج والتقاعد المبكر.
● ضعف إنتاجية عنصر العمل، وخاصة في القطاع العام، حيث يرتفع حجم القوى العاملة فيه وتزداد تكلفته باستمرار، من دون أن يترتب على ذلك زيادات مماثلة على مستوى القيمة المضافة ومعدلات تحصيل الناتج المحلي.
● عدم التوافق بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل، حيث تتواصل في مؤسسات التعليم العالي، وخاصة جامعة الكويت الهيمنة النسبية للدراسات التي تميل باتجاه التخصصات الإنسانية والتربوية.. وفي ظل التزام الدولة بتوظيف الجميع، فإن استيعاب الأعداد المتزايدة من خريجي هذه التخصصات يترتب عليه تفاقم ظاهرة ما يسمى بـ«البطالة المقنعة».
