مجمع بتروكيماويات الصين.. مكابرة وعدم اعتراف بالفشل

تخبط مشروعات مؤسسة البترول الخارجية يتطلب إعادة النظر في جدواها الاقتصادية مجدداً
تخبط مشروعات مؤسسة البترول الخارجية يتطلب إعادة النظر في جدواها الاقتصادية مجدداً

كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
قد يكون البعض ملَّ الحديث عن مشروع مجمع «بتروكيماويات الصين»، الذي تعتزم مؤسسة البترول الكويتية، ممثلة في شركة البترول الكويتية العالمية، تأسيسه في الصين، أو على الأقل فقد الأمل تماما في هذا المشروع، ومن ثم ترك الحديث عنه، بعد أن تأكد أنه لا طائل من هذا الأمر، ولكننا نؤكد للجميع أن الحديث عن هذا المشروع يستحق العناء، فحجم الأموال المرصودة لهذا المشروع، وحجم الأموال التي أنفقت حتى الآن، تستحق الكتابة عنها، ليس مرة واحدة فقط، بل مرات ومرات، فهذه الأموال ملك الشعب، والحديث عنها واجب على الجميع.

الحديث عن مشروع مجمع «بتروكيماويات الصين» يجب ألا يتوقف، ليدرك المسؤولون عن هذا المشروع حجم الفشل الكبير الذي وضعوا الكويت فيه، وحجم الأموال التي تكبدتها، من دون أن نرى أي شيء ملموس على أرض الواقع حتى الآن، وهو ما يعد إهدارا صريحا للمال العام (وفق ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة عن المشروع)، والحديث يجب ألا يتوقف أيضا حتى يخرج علينا المسؤولون بكل الحقائق عن هذا المشروع، ومصارحة الرأي العام بكل شفافية بالأخطاء التي تمَّت فيه منذ بدايته، والتي جعلته أشبه بلغز يصعب حله.

9 سنوات من الكلام

لقد مرَّت أكثر من 9 سنوات منذ الإعلان عن المشروع في العام 2005، ورغم أن الفترة الزمنية التي كانت محددة للانتهاء منه في العام 2015 قاربت على الانتهاء، فإن المشروع مازال على الأوراق حتى الآن، فبعد أكثر من 9 سنوات من الإنفاق المتواصل في السفر والتنقلات والرحلات المكوكية والدراسات والبدلات، لم نرَ أي إنجاز ملموس على أرض الواقع، ومازال الحديث دائرا عن معوقات تعترض المشروع، وآخر هذا الحديث ما جاء على لسان الرئيس التنفيذي لشركة صناعة الكيماويات البترولية، أسعد السعد، في شهر مارس الماضي، مؤكدا أن مجمع البتروكيماويات في الصين، مازال يواجه معوقات سياسية.

مصيبة نفطية جديدة

وقال السعد في تصريح صحافي: «الشركة (صناعة الكيماويات البترولية) تطمح إلى تنفيذ مجمع للبتروكيماويات في الصين، إلا أنه مازال يواجه معوقات سياسية»، متمنياً أن يتم حلها في أقرب وقت، حتى يتم المشروع، الذي سيكون من أكبر المشاريع للشركة، ليضيف السعد بهذا الكلام لغزا جديدا إلى الألغاز التي تحيط بهذا المشروع منذ بدايته، ويزيد الجميع حيرة حول مصير الأموال التي أهدرت منذ بدء التخطيط له.

كما أن هذه التصريحات يمكن أن نفهم منها أن هذا المشروع لن يكتمل، ومن ثم سيكون مصيبة الكويت النفطية الثانية، فإذا كان البعض يعتبر أن غرامة «كي – داو» مصيبة الكويت الأولى، فإن المؤكد أن مشروع مجمع بتروكيماويات الصين سيكون الكارثة النفطية الثانية.

وما يؤكد أن إنشاء مجمع بتروكيماويات الصين أصبح احتمال اكتماله ضعيفا جدا، التأكيدات الصينية أن مجمع البتروكيماويات ليس ذا أهمية بالنسبة لهم، فقد سبق تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة صناعة الكيماويات البترولية، أسعد السعد، تأكيد من الجانب الصيني خلال شهر ديسمبر الماضي، أنه ينظر إلى المجمع بأنه ليست له أولوية في الوقت الحالي، بالمقارنة مع إنشاء المصفاة، التي يعدها ضرورية لتزويد السوق الصيني المتعطش للمشتقات البترولية المكررة من المصفاة، كالبنزين والديزل.

تباين الأولويات

وإذا كان إنشاء مجمع البتروكيماويات بجانب المصفاة، يمثل أهمية قصوى للكويت، إذ إنه في حال إنشائه سيعوض خسارة المصفاة، حيث إن المصافي في الصين تتعرَّض للخسائر، لأن اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح – أعلى هيئة تخطيط اقتصادي في الصين- تنظم أسعار الوقود، بحيث تكون أقل من 20 إلى 30 في المائة من مستويات السوق العالمية، الأمر الذي يجعل مصافي التكرير الصينية غالبا ما تفقد أرباحها عندما تكون أسعار النفط الخام أعلى من 100 دولار للبرميل، وهو ما يعني أن المصفاة المزمع إقامتها ستحقق خسائر حتمية لحين إنشاء مجمع البتروكيماويات، ومن ثم ستتكبَّد الكويت جزءاً من هذه الخسائر، والأمل معقود على مجمع البتروكيماويات في تعويض هذه الخسائر، إلا أن الأولوية عند الجانب الصيني تتمثل في إنشاء المصفاة، ولا أهمية كبيرة لمجمع البتروكيماويات، وهذا يفسّر تشدد الجانب الصيني، وتمسكه بتخفيض عدد الوحدات في مجمع البتروكيماويات، وتخفيض إنتاج المجمع، وهو ما سيخفض هامش الربح للجانب الكويتي، ومع تمسك الجانب الكويتي بإنشاء مجمع البتروكيماويات تضع الصين العراقيل الواحدة تلو الأخرى أمام هذا المشروع، لترضخ الكويت في النهاية للأمر الواقع، وتقبل بالمشروع على هذا النحو.

عدم اعتراف بالفشل

ورغم أن مشروع مجمع بتروكيماويات الصين، اتسم بالتخبُّط وعدم الوضوح منذ بدايته، ومع مرور الوقت تزداد الأمور تعقيداً، ويزداد انفاق الأموال من دون نتيجة، وتزداد التعقيدات من الجانب الصيني.. ورغم فقدان المشروع جدواه الاقتصادية، مازالت القيادات النفطية تردد على مسامعنا، أن كل خطوات المشروع صحيحة، وتصر على أن المشروع مازال مجديا اقتصاديا، بل ذهب بعضها إلى أبعد من ذلك، بالتأكيد أنه لا يوجد أي تأخير في الجدول الزمني المحدد للمشروع، ولا يوجد أي إهدار للمال العام في هذا المشروع، وهذا كلام يفتقد إلى الدقة والموضوعية، فالمشروع مثال للتخبُّط وإهدار المال العام، وهذا ما أكدته أكثر من جهة اقتصادية، وأكده أيضا تقرير ديوان المحاسبة في ملاحظاته على المشروع، فقد أكد تقرير «المحاسبة» التخبُّط الذي يسير عليه مشروع مصفاة الصين، منتقدا تأخر تنفيذ المشروع، مؤكدا أن عشرات ملايين الدولارات أنفقت، ولا تقدم فيه.

وبيَّن التقرير أن إنشاء مجمع للتكرير والبتروكيماويات تكلفته الإجمالية التقديرية بلغت نحو 11.08 مليار دولار، كما تم اعتماد مبلغ وقدره 152 مليون دولار لتمويل الدراسات والتصاميم الأولية للمشروع، ومن المراجعة، تبيَّن استمرار تأخر تنفيذ المشروع طبقا للمراحل المقررة، على الرغم من تحميل المشروع مصاريف مرتبات العاملين والمصروفات الخاصة بالمكاتب الاستشارية، والتي بلغت 22.5 مليون دولار حتى نهاية شهر مارس من العام 2012.

وطالب «المحاسبة» في التقرير دراسة جدوى الاستمرار في هذا المشروع، في ظل الخلافات مع الجانب الصيني، وما تتحمله المؤسسة من مصروفات سنوية خاصة بهذا المشروع.

وزير النفط.. والمال العام

ورغم كل ما سبق ذكره، وما تضمنه تقرير ديوان عام المحاسبة من حقائق واضحة عن المشروع، والتي مر نحو عام على ذكرها، لم نجد أي تحرُّك من المسؤولين في القطاع النفطي لاتخاذ موقف حاسم في هذا المشروع ووقف نزيف الأموال المستمر منذ سنوات، بل لم يكلف أي من المسؤولين في القطاع النفطي نفسه عناء توضيح الحقائق للرأي العام.

ألا يستحق الوقت الذي أهدر منذ 2005 وحتى الآن، وكل هذه الأموال التي انفقت خلال هذه السنين أن يتحرك المسؤولون؟! أليست كل هذه الأموال التي أنفقت إهدارا للمال العام، الذي أكد وزير النفط أن القطاع النفطي حريص على المحافظة عليه؟ فإذا كان القطاع النفطي حريص على المال العام، وحريص على عدم التستر على أي خلل، أو أي معاملة غير قانونية، مثلما أكد وزير النفط د.علي العمير خلال حضوره اجتماع لجنة حماية الأموال العامة للتحقيق في العقد المبرم بين شركة نفط الكويت وشركة شل العالمية مطلع أبريل الجاري، لماذا لم يشكل لجنة لبحث جدوى المشروع الاقتصادية؟ وفيما إذا كان سيحقق للكويت منفعة عامة ويدر عوائد مالية، بعد أن فقد كل مزاياه، وبعد كل هذا الهدر في الأموال، وخصوصا مع تشدد الصين ووضع العراقيل المستمرة في طريق المشروع، وتهديدها بأنها مستعدة لتنفيذ المشروع من دون الكويت، أو على الأقل يوضح للجميع الحقائق المخفية في هذا المشروع، ويضع حدا لهذه المهزلة، ويوقف هذا الهدر في المال العام الذي امتد لأكثر من 9 سنوات.

تنازلات عديدة.. والمشروع لم ينفذ

تنازلات كثيرة قدَّمتها الكويت في هذا المشروع، ورغم ذلك لم يتم تنفيذه حتى الآن، حيث قامت شركة سينوبيك الصينية (الشريك في مجمع البتروكيماويات مع مؤسسة البترول الكويتية)، بتخفيض عدد محطات الوقود المتفق عليها إلى 200 محطة، بدلاً من 1000 محطة، وهذا لا يتناسب مع الطاقة التكريرية للمصفاة، التي تبلغ 300 ألف برميل يوميا، بالإضافة إلى أن مؤسسة البترول الكويتية لا يحق لها امتلاك تلك المحطات، وإنما لها فقط حصة الإدارة، يضاف إلى ذلك تأخير عمليات بناء مجمع البتروكيماويات، وهو ما سينعكس على نتائج المشروع، لأن المصفاة لن تدر أرباحا مثل مجمع البتروكيماويات.

ومرة أخرى لم يلتزم الجانب الصيني بالعقود المبرمة، وأعلن عن نيته تخفيض القدرة الإنتاجية لمجمع البتروكيماويات حال إنشائه إلى 800 ألف طن في العام، بدلاً من مليون طن. وتحججت الشركة الصينية حينها بأنه سيكون هناك خلال الأعوام المقبلة عدة مصانع للبتروكيماويات في الصين، وتختلف في مواد اللقيم لها، بعضها سيكون من الفحم والنافثا والزيت الصخري.. وبالتالي، فإن المشروع الذي يعتمد على «النافثا» قد يكون غير مربح اقتصاديا، لذلك يجب تخفيض الطاقة الإنتاجية لمجمع البتروكيماويات، مع إعطاء الأولوية لمصفاة تكرير النفط.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.