كتبت شيخة البهاويد:
في الوقت الذي تتغنى فيه وزارة الداخلية في الكويت صباح مساء بحرصها على تطبيق القانون، وفي وقت يفترض فيه أن تكون هذه الوزارة صمام أمان للمواطنين والمقيمين على أرض الكويت، تبرز ممارسات وانتهاكات من بعض العناصر في هذه الوزارة العتيدة يندى له الجبين، فهم يشوهون صورتها ويسيئون لكيانها.
ومن باب الحرص على الإصلاح، وإعادة الاحترام والهيبة العسكرية لعناصر الشرطة، عبر التركيز على جانبي الضبط والربط العسكريين، نعرض بعض الممارسات المخجلة، التي بدأت تكثر وتنتشر في الآونة الأخيرة، وتؤثر سلباً في احترام عسكريي الداخلية والثقة بهم.
«وطلبنا من أهلهم إنهم يربونهم»
وزير الداخليه تعقيباً على تظاهرات البدون الكويت 25 فبراير 2014
ربما لم يربِ بعض البدون أبناءهم على أسس التربية الحديثة، لعدم توافر الإمكانات المادية والنفسية والعلمية اللازمة، خاصة أن كثيرا منهم قضى حياته على الأرصفة يبيع ما يوفر له قوت يومه، ويبيع معه أحلامه وحياته وفتات إنسانيتنا، لكن ما الذي منع وزارة بكامل ميزانيتها وقدراتها العلمية والعملية والأكاديمية من أن «تربي عيالها»؟
ممارسات مخلة
«أجمعت كافة السيدات اللواتي أجريت معهن المقابلات على وصف شكل من أشكال الانتهاك على يد الشرطة، بأنه يصل في بعض الأحيان إلى مصاف التعذيب أو المعاملة المهينة، والاعتداء أو التحرش الجنسي، رغم أن الشرطة أنكرت إساءة معاملتهن.. ثمة مزاعم بأن الشرطة جعلت بعضهن يتجردن من ثيابهن ويتجولن في قسم الشرطة عاريات، وأرغمتهن على الرقص للضباط، وعرَّضتهن للسباب اللفظي والترهيب، ووضعتهن في الحبس الانفرادي».
بلقيس ويل/ هيومن رايتس ووتش/ 15 يوليو 2014 حول معاملة المتحولات جنسياً في الكويت
إذا كانت وزارة الداخلية تحارب التحوُّل الجنسي والتشبه بالجنس الآخر، فهذه ليست محاربة، هذه ممارسة.. وبإذلال وانعدام إنسانية، في وزارتك يا معالي الوزير العديد من الانتهاكات غير الأخلاقية التي بالتأكيد لم تبدأ في عهدك، لكنها مستمرة خلاله، ليس على المتحولين جنسياً فحسب، فالسيدات في الكويت كثيراً ما يشعرن بالأمان بالقرب من أي شخص عادي أكثر من الأمان بجانب منتسبي الداخلية العسكريين، واسأل الفتيات عن التحرشات في نقاط التفتيش أو الاستيقاف على جانب الطريق أو عند استخراج رخصة القيادة، وكيف تتم مقايضة التوقيع على النجاح في اختبار القيادة مقابل قبول الفتاة بأخذ رقم هاتف رجل الأمن على أمل الاتصال والدخول في علاقة.. كلنا يعرف هذه الممارسات، وكلنا نتحدث عنها!
تطبيق القانون
«الوضع هنا أكثر راحة، الكل سواء، حين كنت أقود في الكويت أتوقع المخالفة على أي شيء، شرطي أوقفني يوماً وخالفني، لعدم ربط حزام الأمان، فيما مرر الكويتيين الذين قاموا بنفس مخالفتي».
من حواري مع سائق تاكسي في دبي ترك الإقامة في الكويت.
الذين يريدون تطبيق القانون سيطبقونه عليك، على ألا تكون كويتياً، فالكويتيون كالبنيان المرصوص، لا يخالف بعضهم بعضا.
ثقافة المجتمع التي تشجع العنصرية يجب ألا تنعكس على الأداء الوظيفي لحماة الأمن ومطبقي القانون الذي عماده السواسية والعدالة، الوافد في الكويت يخشى الشرطة، بدلاً من شعوره بالأمن حولهم، وبدلاً من أن يكونوا سبيله للحصول على حقه، يشعر غالباً بأنهم سبيله لضياع حقه.
تويتر وفيسبوك
معالي وزير الداخلية.. من شرطتك من تم تصويره يرقص «ع الوحده ونص» باللباس العسكري!
لم نكن قبلها نعلم بأنكم بالإضافة لتخريج ضباط الشرطة تخرجون ضباط إيقاع!
منهم من يركن في مواقف ذوي الاحتياجات الخاصة من دون أدنى خجل ولا شعور بالواجب الذي يجب أن يكون قد تربّى عليه في أكاديمية الشرطة، وبدلاً من أن يكون دوره تقديم الاحتياجات لذويها ومساعدتهم يقدم احتياجاته الخاصة أولاً.
معالي الوزير مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بصور الشرطة في أوضاع مخجلة، أحد أفراد القوات الخاصة يضرب زميله بالعصا على مؤخرته، آخرون يخرجون ألسنتهم للكاميرا وسط تظاهرة كالمراهقين!
لماذا تنادون باحترام أفراد الداخلية وهيبة الشرطة، في حين لا يحترمون هم أنفسهم اللباس العسكري الذي يرتدونه؟ وعن أي هيبة نتحدث حين نشاهد فيديو لمجموعة سيارات «تقحص» بجانب دورية، فتعجز الدورية عن تطبيق القانون وتكمل طريقها؟ الهيبة تُصنع بتطبيق القانون والعدالة والمساواة واحترام الذات والانضباط والالتزام بواجبات العمل، الهيبة لا تُصنع بالتخويف والتلويح بالسلطة والعقاب.. الكل يحترم الشرطي محمد بلال، هو لم يلوح يوماً بعصا أو بسلطة، ولم يرعب أحداً، كل ما هنالك أنه يقوم بعمله على أكمل وجه، لأن الهيبة والاحترام يصنعهما الالتزام.
أعد هيبة الشرطة، بإصلاح تصرفات الشرطة أنفسهم يا معالي الوزير، لأنه من الصعب جداً أن نحترم شرطيا يصور نفسه وهو يدخل رأسه في الدورية ويخرج رجله للخارج بحركات بهلوانية سخيفة!
من يحمينا؟
«الداخلية تعلن عن ضبط سارق الأسلحة: وكيل عريف بالقوات الخاصة»
خدمة الوقيان لأخبار المحاكم/ 27 مارس 2014
«الداخلية» غير قادرة على حماية نفسها من السرقات، كيف إذاً ستحمينا؟ خبر كهذا في دول أكثر تقدماً تسقط قيادات، فيما لا شيء يتحرك في هذا البلد البرزخي، ولا تهتز شعرة لسرقات من رجال الداخلية أنفسهم!
معالي الوزير، أرجو إعداد إحصائية حول نسبة الجرائم التي يشترك، أو يكون الفاعل الأصلي فيها أحد منتسبي الداخلية العسكريين، أراهن بأنها ستكون مرتفعة.
أن تمتلك سلاحا وسلطة، فهذا قد يكون باباً لإفساد أي شخص، ويفترض أن تحميهم من أنفسهم التي قد تزوغ لاستغلال السلطة، وذلك عبر تطبيق العقوبات، وعدم التهاون مع كل من يخل بالأمن والهيبة العسكرية ويستغل وظيفته لمخالفة القانون.
من الخطر سعادة الوزير أن يملك شخص ما سلاحاً، ومن الأخطر أن يملك الشخص سلاحاً ورخصة، وكارثي أن يحمل سلاحا ورخصة وملفا في الطب النفسي، كمبرر لعدم مسؤوليته عن تصرفاته!
ليس من العيب أن يراجع أحدنا طبيباً نفسياً، العيب أن يكون هذا فرداً في «الداخلية» من دون أن يتم إيقافه عن عمله، حتى ينتهي من العلاج، والعيب الأكبر أن يتم قبوله كرجل أمن، من دون البحث في سجله النفسي، والتأكد من خلوه من الأمراض النفسية، لأنه من غير المنطقي أن تتكرر الحوادث التي تحدث من عسكري، فنكتشف فجأة أن لديه ملفا نفسيا يصل به إلى عدم وعيه بتصرفاته.. من الأفضل لو كان هناك جهاز نفسي في الوزارة يراجع هو الحالة النفسية للأفراد والضباط، فطبيعة عملهم تفرض عليهم مواجهة مواقف تؤثر بالتأكيد في صحتهم النفسية.. لا عيب في وضع هذه الأقسام النفسية في كافة الوزارات، لتكشف وجود أي مشكلة، من أجل أداء وظيفي أفضل، وبالتالي تفادي التعذر بعدم المسؤولية عن التصرفات حين اقتراف جريمة، والتي قد تطول حتى زملاءه في العمل، وهذا سيكون حماية له ولنا ولزملائه.
تحقيق
قال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إريك غولدستين «بدلاً من الأمر بالتحقيق حين قال هذان المتهمان إنهما تعرضا للتعذيب، أمر فرد النيابة بإعادتهما إلى الاحتجاز. وحين يتجاهل أحد أفراد النيابة مزاعم التعذيب، فإنه يرسل رسالة إلى الشرطة تفيد بأن الإساءة ستمضي بلا عقاب».
تقرير «هيومن رايتس ووتش» حول مزاعم تعذيب عبدالحكيم وعبدالناصر الفضلي/ 2 أبريل 2014
لا أشير هنا إلى فعل وكيل النيابة، فهو جزء من الجهاز القضائي لا الداخلية، لكن الإشارة حول تعذيب المتهمين في السجون، ولم تكن حالة الأخوين عبدالحكيم وعبدالناصر الأولى من نوعها.. الداخلية مليئة بحكايات التعذيب والإهانة التي يتعرض لها المتهم على أيدي ضباط المباحث.
قانونياً، تنص المادة (53) من القانون رقم 31 لسنة 1970 على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار، أو بإحدي هاتين العقوبتين كل موظف عام أو مستخدم عذب بنفسه أو بواسطة غيره متهما أو شاهدا أو خبيرا لحمله على الاعتراف بجريمة، أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها.
فإذا أفضى التعذيب أو اقترن بفعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد فيحكم بعقوبة هذا الفعل. وتكون العقوبة المقررة للقتل عمدا إذا أفضي التعذيب إلى الموت»
ويذكر الدستور الكويتي في مواده:
– (مادة 29) «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية..».
– (مادة 31) «ولا يعرض أي إنسان للتعذيب أو للمعاملة الحاطة بالكرامة”.
– (مادة 34) «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع ويحظر إيذاء المتهم جسمانيا أو معنويا».
كما وقعت الكويت عام 1996 على اتفاقية «مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية والمهينة»، والتي تنص مادتها الثانية على أن:
-1 تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أي اجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي.
-2 لا يجوز التذرع بأي ظروف استثنائية، أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي، أو أي حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب.
-3 لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب”.
جريمة
التعذيب جريمة.. لكن الصمت عنه جريمة أيضاً
إذا كان هدف فرد الداخلية في التعذيب دفع المتهم على الاعتراف، فالاعتراف تحت التعذيب لا تأخذ به المحكمة، وتعتبره كأنه لم يكن. إذاً إما أن مجرم التعذيب يستمتع بما يفعل، وهو عمل سادي مريض يحتاج لعلاج فوري، وحظر وجوده في وظيفته الأمنية، ويجب تقديمه للمحاكمة لقيامه بجريمة يعاقب عليها القانون، أو أن التعذيب هنا يستخدم كعقوبة مسبقة على الإدانة عبر محاكمة عادلة للمتهم تتوافر فيها كافة الحقوق، ووزارة الداخلية كجزء من الجهاز التنفيذي بالدولة، تضع نفسها موضع المشرع وتشرّع عقوبات ضاربة عرض الحائط بالنظام القانوني في الدولة، وبالمادة 32 من الدستور التي تنص على أن “لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها”.
وأضف للجانب القانوني للموضوع أنه مقزز وغير مقبول أخلاقياً وإنسانياً ودينياً.
معالي الوزير، لقد اعتدى بعض البدون على رجال الأمن، وحدثت إصابات وهذا عنف مجرّم قانونيا ومرفوض إنسانيا أيضا، لكن أبا الأسود الدؤلي يقول «لا تنه عن خلق وتأتِ بمثله عار عليك إذا فعلت عظيم».

رسالة مفتوحة
معالي وزير الداخلية.. ها نحن نقدم المعونة، ونذكر لك سلبيات الوزارة، حتى تمارس مع مسؤوليها سنة الحياة، والبدء بالتطوير والتغيير، إن النقد الذي نوجهه لكم هو السبيل الوحيد نحو أداء وظيفي أفضل، الصمت عن الأخطاء يساهم في استمراريتها، واعترافك في كلمتك بوجود تقصير من جانب الداخلية، لهو أمر مفرح، فالاعتراف بالمرض أول العلاج.
ننتظر منك إيقاف ممارسات التعذيب في المخافر، قطع دابر التعيين بالواسطة أو المحسوبية الذي قد يضع أشخاصاً في غير محلهم الصحيح، ما يعيق سير العملية الأمنية بشكل سليم، إيجاد حلول لمشكلات المنتسبين للداخلية التي قد تجعلهم يستخدمون سلطاتهم الوظيفية على نحو يخالف الأسباب والأهداف التي من أجلها أعطيت لهم، إعادة الاحترام والهيبة العسكرية للشرطة، عبر التركيز على جانبي الضبط والربط العسكريين، كما ترددت أخبار عن قرارك في إخضاع ضباط الداخلية وأفرادها للفحص المتعلق بتعاطي الكحول والمخدرات.. هذا ممتاز إن كان خبراً صحيحاً، فبداية أي إصلاح يبدأ من النفس، من الداخل.
أنا على علم بأن الممارسات التي سبق ذكرها لا تشمل كل منتسبي الوزارة، وأن الكثير من الردود ستأتي على غرار «هذه ممارسات فردية لا تعممي»، لكن هذه الممارسات تكثر وبدأت تنتشر أكثر وتؤثر سلباً في احترام عسكريي الداخلية والثقة بهم، ووزارة الداخلية على الأخص، هي عمود الدولة والشعب، فالأمن أهم من الكثير من الحاجات الأخرى، ويجب عدم التهاون به.. نعلم جيداً أن في كل مجال عمل هناك الصالح والطالح، هذا بديهي.. لذا، لسنا مضطرين هنا لشرح البديهيات والتذكير بها ووضع كلمة «بعض» في كل فقرة.
لا يكاد يخلو منزل كويتي من موظف في الداخلية، لذلك نحن لسنا خصوماً، إنما هو التقويم لأجل وطن أكثر أماناً.