
كتب محرر الشؤون المحلية:
في مقابلة تلفزيونية مع إحدى المحطات المحلية، صرَّح النائب الحالي في مجلس الأمة عبدالله التميمي، بأنه تلقى مبالغ مالية من مجلس الوزراء في الانتخابات التي جرت العام الماضي، أو تلك التي جرت في عام 2012، بعد إعلان مرسوم الصوت الواحد، وأنه قام بتوزيع ما تلقاه من مبالغ من مجلس الوزراء على شكل مساعدات لمن يحتاج لمساعدة مالية في الدائرة الخامسة أو غيرها من الدوائر.
لم يتردد التميمي في مقابلته تلك الاعتراف بأنه تلقى المبالغ المالية، لكنه لم يحدد مقدار ما تلقاه من أموال، كما أنه أشار إلى أن هناك نوابا آخرين تلقوا أموالا لذات الغرض!
حديث التميمي التلفزيوني أتى كحديث عابر من دون خشية أو حياء، ولنا عدة تعليقات حول هذا الأمر، الذي مرَّ مرور الكرام، وكأن موضوع المال السياسي غدا من الأمور العادية التي لا يستحق التوقف عندها أو إعارتها أي اهتمام.
رشوة لأهداف سياسية
هنا نحن أمام اعتراف واضح وصريح، بأن مجلس الوزراء، وتحديداً من يتولى هذا المكان، وهو رئيس مجلس الوزراء، يقوم بتقديم الأموال لبعض المرشحين في فترات الانتخابات، وفي هذا الأمر هناك جريمة استخدام المال في العملية السياسية، وعلى رئيس مجلس الوزراء أن يوضح هذا الأمر.. إما أن ينفي ما قاله التميمي، وإما أن يتوكل على الله.. فعندما نتكلم عن الفساد، فإن الفساد السياسي يأتي في المقدمة وعنوان لـ «كتاب الفساد» المستشري في الكويت.

لم يقدم رئيس مجلس الوزراء المال لمرشح ما، ومنهم عبدالله التميمي، كرمى لعينه أو لجمال طلعته، بل لكونه مرشحا في الانتخابات النيابية، وهي بترجمة مباشرة تعني شراء مرشح، ليكون نائبا في المستقبل، كنوع من العربون لهذا الشراء. فما سيحصل عليه رئيس الوزراء من النائب جراء هذه الأموال التي دفعها، وبالطبع ليست من جيبه الخاص، بل من المال العام، نقول ما سيحصل عليه من هذا المرشح الذي أصبح نائبا يتلخص بأن يتحول إلى أداة له من حيث التشريع أو الرقابة البرلمانية.. فالأموال التي دفعت ليست في سبيل الله، أو حسنات إنسانية، بل لأهداف سياسية بحتة.. ولو كان رئيس الوزراء يبتغي الحسنة والرضا، فأبواب وجهات من يتلقى تلك الأموال كثيرة جداً ومتعددة، منها الإسلامي السني أو الشيعي، أو الجمعيات الإنسانية البحتة، كالهلال الأحمر، مثلا، حيث كان يستطيع رئيس المجلس دفع الأموال لها كما يشاء، على أن يكون من ماله الخاص، من أملاكه أو ثروته الشخصية. وليست من الأموال العامة، أما أن يتم الدفع عن طريق مرشحين محددين في الانتخابات النيابية، فيعد ذلك رشوة كاملة الدسم، مهما قلبنها على وجهها أو لطفنا فجاجتها أو لوينا كلماتها.. والرشوة السياسية تعد جريمة بحق الوطن.
لا نعتقد بأنه توجد إيصالات ممن يتلقى الأموال من مجلس الوزراء، كما لا نعتقد بأنه توجد كشوف صرف لمن يستحق المساعدة، فالعملية هبة مالية لا رقابة عليها أو تدقيق، لتكون رافداً أساسياً من روافد الفساد، الذي اشتكى منه الرئيس عدة مرات.
مرحلة تتعدى الفساد
الجميع يعلم منذ عقود بأنه توجد أموال تدفع في فترات الانتخابات لبعض المرشحين، ولكن كانت تتم وفق مقولة «إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا»..
ولكن الآن مع هذا الوضع البائس والمتردي، والذي تعدَّى مرحلة الفساد، وصل الأمر للإعلان، جهاراً نهاراً، بأن بعض المرشحين يتلقى أموالا من مجلس الوزراء، ولتقديمها لمن يحتاج من الناخبين.. عيني عينك من دون خجل أو حياء أو ومضة ولو خفيفة من احمرار الوجه.
وهذا يعني ويترجم في النهاية بأن أي جهة خارجية تملك أموالا قد تفوق الأموال التي يملكها رئيس مجلس الوزراء، تستطيع أن تدفع لمرشح ما للانتخابات النيابية لتطوعه ملء إرادتها مادامت المعونة والأموال هي أحد معايير النجاح في الانتخابات، ليتم هدم الوطن من الخارج، مادام الهدم يتم من الداخل.
وتبقى ملاحظة أخيرة في حديث النائب التميمي، وهي تمتعه بالشجاعة الأدبية في إقراره بتلقي أموال من مجلس الوزراء، من دون نكران أو تبرير أو نفي، خلاف آخرين عندما صرحوا في حادثة مماثلة، بأن الأموال التي تلقوها هي رسوم لمكاتب المحاماة أو تبرع لمؤسسة خيرية.
وهكذا، تظل ساحة الفساد تروى، والري ليس بالتنقيط، كما كان سابقا، بل بالصب والإغراق، لتزيد الطحالب وتكثر الأوبئة.. التميمي قال مقولته تلك في تلك المقابلة وكأن الأمر عادي لا يستحق التوقف أو التعليق على مستوى صحافتنا المحلية.
وبعد ذلك يقولون إن الصوت الواحد يقضي على الفئوية والفساد.