الدريعي: كلما كانت الدولة ديمقراطية كانت الحركة النقابية متطورة

سامي الدريعي

حوار ياسر أبوالريش:

أكد بروفيسور القانون، والمهتم بالعمل النقابي، الأستاذ في جامعة الكويت د.سامي عبدالله الدريعي، أن للعمل النقابي في الدول المتطورة دوراً مهماً في إدارة المنشأة، وأن له الحق في عرض مرئياته في تطوير المنشأة، اقتصاديا وإداريا، مشيرا إلى أن تطوُّر العمل النقابي في أي مجتمع يعكس الحرية التي يتمتع بها أبناؤه.

وأضاف في حوار مع «الطليعة» أنه كلما كانت الدولة ديمقراطية كانت الحركة النقابية فيها متطورة، مبيناً أن قصر ممارسة الحرية النقابية على المواطنين من دون الأجانب في دولة الكويت، مخالف للدستور من جهة، والمعاهدات الدولية من جهة ثانية.

قضايا كثيرة حول العمل النقابي تناولها الحوار، وفي ما يلي التفاصيل:

● كيف ظهر العمل النقابي؟

– تاريخياً، كان الثوار الفرنسيون متأثرين بمفاهيم الحرية الاقتصادية المعروفة بالرأسمالية، لذلك فقد تبنوا عند وضع القانون منهجا يعتمد على حرية العمل الاقتصادي والاستثماري، فكان من المنطقي أن ينظر إلى التجمُّعات العمالية (النقابات) على أنها تحد أو تقيد من فكرة الحرية الاقتصادية، وهذا ما يفسر لنا منع القانون الصادر في 14 يونيو 1791 بحق العمل النقابي.

ولكن بعد ازدهار الحركة الصناعية والتجارية في فرنسا، ظهر الجانب السلبي لمفهوم المذهب الرأسمالي الحُر، حيث مكَّن هذا المذهب التجار من فرض سيطرتهم الكاملة، بل والتحكم في مصير العمال، فأخذ ينظر إلى العمل النقابي، باعتباره الإجراء المصحح لحماية العمال، وبذلك، فقد اعترف القانون الصادر في سنة 1884، ولأول مرة، بحق العمال في تكوين نقابات تدافع عن حقوقهم، بل أصبح العمل النقابي وسيلة لممارسة الديمقراطية، على اعتبار أن العامل يختار من يمثله في النقابة، وقد اصطلح على تسميته «دمقرطة المنشأة»، ثم توالت التدخلات من قِبل المشرّع، حتى أصبح هناك تنظيم كامل للعمل النقابي منصوص عليه في قانون العمل الفرنسي.

وقد تأثر المشرّع الكويتي بتلك الأفكار، فتبنى بعضها في قانون العمل، كما صادقت دولة الكويت على المعاهدة رقم 78، الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي في سنة 1961.

الكويت رائدة في العمل النقابي

● كيف ترى الدعم المقدم من الدولة للعمل النقابي؟ وما ترتيب دولة الكويت في العمل النقابي على مستوى العالم؟

– لقد حرصت دولة الكويت على تقديم الدعم المادي والمعنوي للنقابات العمالية المختلفة، حتى بلغ عدد النقابات 54 نقابة و38 اتحادا مشهرا في الكويت.

ولا يوجد ترتيب معيَّن يبيّن مرتبة الدول من حيث العمل النقابي، ومع ذلك يمكن القول بأن دولة الكويت أرست دعائم العمل النقابي منذ صدور قانون العمل في سنة 1964، لذلك كانت رائدة في العمل النقابي على المستويين العربي والخليجي.

● هل يحظى العمل النقابي في الكويت بمساحة من الحرية؟

– لا يماري أحد في أن الشعب الكويتي حتى قبل صدور الدستور كان يتمتع بحرية كبيرة في ما يتعلق بإبداء الرأي، وكان الحاكم- آنذاك- يستمع ويشاور رعيته في جميع شؤون الحياة، وقد ترجم واضعو دستور دولة الكويت تلك الحرية في المادة 6، والتي تنص على أن «نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا»، لذلك، فإن ممثلي النقابات العمالية يتمتعون بحرية كبيرة في إبداء آرائهم، إذ لا يستطع رب العمل معاقبة العامل النقابي على ما يبديه من آراء وملاحظات خاصة بالعمل.

وفي ذلك تنص المادة 46 من قانون العمل على أنه «لا يجوز إنهاء خدمة العامل من دون مبرر، أو بسبب نشاطه النقابي، أو المطالبة أو التمتع بحقوقه المشروعة وفقا لأحكام القانون».

وينبغي التنبيه إلى أن تطور العمل النقابي في أي مجتمع يعكس الحرية التي يتمتع فيها أبناؤه، فالقاعدة أنه كلما كانت الدولة ديمقراطية كانت الحركة النقابية فيها متطورة.

قانون العمل

● ما مدى احترام حق تكوين النقابات في الكويت؟

– لقد نصت المادة 98 من قانون العمل الجديد على أن «حق تكوين اتحادات لأصحاب الأعمال، وحق التنظيم النقابي للعمال، مكفول وفقا لأحكام هذا القانون، وتسري أحكام هذا الباب على العاملين في القطاع الأهلي وتطبق أحكامه على العاملين في القطاعين الحكومي والنفطي، في ما لا يتعارض مع القوانين التي تنظم شؤونهم».

وقد نصت المادة 99 من القانون ذاته على أنه «لجميع العمال الكويتيين الحق في أن يكونوا في ما بينهم نقابات ترعى مصالحهم وتعمل على تحسين حالتهم المادية والاجتماعية وتمثلهم في كل الأمور الخاصة بهم، ولأصحاب الأعمال حق تكوين الاتحادات لهم لذات الأهداف». يلاحظ المتخصص أن هذا النص خرج عمَّا هو متعارف عليه في حق الانضمام إلى النقابات العمالية، حيث قصر ممارسة الحرية النقابية على المواطنين، من دون الأجانب، وهو بذلك يخالف الدستور الكويتي من جهة، والمعاهدات الدولية من جهة ثانية.

● هل يمكن أن توضح لنا كيف يخالف القانون؟

– إن منع العامل الأجنبي من الانضمام للنقابات العمالية يخالف الدستور الكويتي، حيث تنص المادة 43 منه على أن «حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون»، بل يتضمن مسلك المشرع هذا ردة غير مبررة عن موقف المشرع في قانون العمل القديم، حيث كانت الفقرة 2 من المادة 72 من قانون العمل القديم تنص على «ويجوز للعمال غير الكويتيين إذا توافر فيهم هذان الشرطان بجانب حصولهم على بطاقة عمل أن ينضموا إلى النقابة، من دون أن يكون لهم الحق في أن ينتخبوا، وإنما لهم أن ينتدبوا أحدهم لكي يمثلهم ويبدي وجهة نظرهم لدى مجلس إدارة النقابة».

● إذن، هناك مخالفة صريحة لأحد مواد الدستور.. فماذا عن التنظيم النقابي الدولي؟

– يتضمَّن هذا المنع أيضا مخالفة صريحة للمعاهدة رقم 78، الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، والتي صادقت عليها دولة الكويت في سنة 1961، حيث جاء في المادة الثانية من الباب الاول فيها أنه «للعمال وأصحاب العمل، دون تمييز من أي نوع، الحق في إنشاء ما يختارونه هم أنفسهم من منظمات، ولهم كذلك، دون أن يرتهن ذلك بغير قواعد المنظمة المعنية، الحق في الانضمام إلى تلك المنظمات، وذلك دون ترخيص مسبق»، بل نجد أن الفقرة الثانية من المادة الثامنة من المعاهدة تنص على أنه «لا يجوز للقانون الوطني، ولا للأسلوب الذي يطبق به، انتقاص الضمانات المنصوص عليها في هذه الاتفاقية».

غياب الرؤية

● ما المقصود بالعمل النقابي؟

– لم يحدد المشرّع في قانون العمل الذي يجب على النقابات القيام به.

وفي الحقيقة تحرص القوانين الحديثة على تحديد موضوع العمل النقابي، فنجد قانون العمل الفرنسي يقول إنه «يقتصر عمل النقابة على الدفاع عن المصالح المالية والمعنوية للعمال»، ونجد أن المشرّع الفرنسي حدد نطاق العمل النقابي بالدفاع عن حقوق العمال المتعلقة بالعمل، أو ما يسمى بالحقوق العمالية، كتغيير أوقات عمل العمال أو تخفيض مرتباتهم ونحوه.

أما المشرّع الكويتي، فإنه لغياب الرؤية الواضحة – والتي ترجع بالدرجة الأولى إلى قلة الخبرة في نطاق قانون العمل والقانون المقارن لدى الخبراء الذين صاغوا هذا القانون – نجد أن صياغة نص المادة 99 من قانون العمل استخدم مصطلحات بعيدة عما هو متعارف عليه في قانون العمل، حيث جاء فيها «لجميع العمال الكويتيين الحق في أن يكونوا في ما بينهم نقابات ترعى مصالحهم وتعمل على تحسين حالتهم المادية والاجتماعية وتمثلهم في كل الأمور الخاصة بهم».

● وما العيب في هذا النص؟ ولماذا أشرت إلى أنه جاء لغياب الرؤية الواضحة؟

– أعتقد بأن من أسهم في صياغة هذا النص ابتعد كثيرا عن مفهوم العمل النقابي، أو أنه جاهل به، إذ كيف ينص على أن عمل النقابة يشمل تحسين أوضاع العمال من الناحية الاجتماعية، وأنها تمثلهم بكل الأمور الخاصة بهم.

إن هذه الصيغة معيبة جدا، لأنها توحي بأن للنقابة حقاً في تمثيل العمال المنتسبين لها في كل جوانب الحياة، وهو ما لم يقله أحد من المتخصصين في قانون العمل، وإنما يجب قصر عمل النقابة في الدفاع عن الحقوق العمالية، أي الحقوق المرتبطة بالعمل فقط من دون غيرها من الأمور الأخرى.

لقد أسهمت تلك الصياغة المعيبة في نشر وعي خاطئ لدى العامة، حيث يعتقد البعض بأن العمل النقابي جزء من العمل الشعبي السياسي، في حين أن جميع القوانين المعاصرة تمنع النقابات من العمل بالنشاط السياسي والتجاري، وهو ما نص عليه المشرع الكويتي في المادة 104 من قانون العمل بقوله «ويحظر على النقابات:

– الاشتغال بالمسائل السياسية والدينية أو المذهبية

– توظيف أموالها في مضاربات مالية أو عقارية أو غيرها من أنواع المضاربات».

وبناء على ذلك، فلا يجوز مطلقا لأي نقابة أن تخرج عن الأهداف المنصوص عليها في القانون، وعلى وجه الخصوص العمل في الشأن السياسي.

دور المرأة

● وما دور المرأة في العمل النقابي في الكويت؟

– من الناحية النظرية، لم يفرق المشرّع الكويتي في حق الانتساب إلى النقابات وفق الجنس، بمعنى أنه يجوز للمرأة العاملة أن تنتسب للنقابة التي تمثلها في مجال عملها، شأنها في ذلك شأن الرجل، إلا أننا نلاحظ قلة العاملات في النقابات العمالية من العنصر النسائي، ولا أظن أن ذلك يرجع إلى نقص في تكوين المرأة المهني وشغفها في الانخراط في العمل النقابي، وإنما قد يكون ذلك راجعا إلى أسباب اجتماعية، حيث إن للمرأة دوراً بارزاً في المنزل، فهي تحتاج إلى وقت كبير في إدارة شؤون المنزل ورعاية الأبناء، لذلك، نرى مشاركة نسائية كبيرة في الانتخابات العمالية من دون أن يتمخض عن هذه المشاركة وجود بارز للمرأة في عضوية إدارة النقابات، بل إن هذا الأمر نراه أيضا في الانتخابات البرلمانية، حيث تشارك فيها المرأة بقوة، ومع ذلك، فلا يفزن إلا بعدد قليل من المقاعد.

الوعي النقابي

● ما تقييمك للعمل النقابي في الكويت؟

– أعتقد بأن التشريعات التي تنظم العمل النقابي لا بأس بها، إذا أخذنا بالحسبان أن دولة الكويت من دول العالم الثالث والآخذة في التطور، لذلك فإننا بحاجة إلى نشر الوعي النقابي، حتى لدى المنتسبين للنقابة، فليس المقصود بالدفاع عن المصالح العمالية الإضرار بالمنشأة، لذلك، فلا ينبغي للعمال أن يستجيبوا لمطلب النقابة بالإضراب لأغراض خارجة عن النشاط العمالي، كالإضرابات ذات الطابع السياسي، الذي تعبر فيها النقابة عن موقف أعضائها السياسي، أو أن تطالب النقابة بزيادات مالية غير مبررة، لأن في ذلك ضرراً سيلحق المنشأة، وقد يؤدي بعد ذلك إلى غلق المنشأة أو انهيارها، ومن ثم يفقد العمال وظائفهم.

إن للعمل النقابي في الدول المتطورة دوراً مهماً في إدارة المنشأة، فله الحق في عرض مرئياته في تطوير المنشأة، اقتصاديا وإداريا، بل بعض الدول تفرض على أرباب العمل عرض موضوع فصل العمال على النقابة قبل القيام به، ولاسيما إذا كان سبب الفصل لا يرجع إلى خطأ ارتكبه العامل، كالفصل لأسباب اقتصادية أو لأسباب شخصية، كما هي الحال في القانون الفرنسي.

● هل ترى أن العمل النقابي غرق في هاوية القبلية والطائفية؟

– انتخابات النقابات سيطر عليها التنافس القبلي والعائلي والديني، الأمر الذي سيؤدي في المستقبل إلى تراجع الحركة النقابية في الكويت.

● كلمة أخيرة.

– أتمنى أن يهتم كل من المشرع والمواطن بالحركة النقابية، لما لها من ثمار جيدة على المستوى الوطني، وأعتقد بأن ذلك يمكن أن يتحقق، إذا أقمنا ندوات متخصصة من كفاءات قادرة على بيان أهمية العمل النقابي، بما يعود بالنفع على دولتنا الحبيبة الكويت.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.