
كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
يقيناً، ستظل قضية قروض المواطنين الاستهلاكية مستمرة فصولاً طويلة قد لا تنتهي، على الرغم من توقع البعض أن هذه القضية قد انتهت، بعد إقرار صندوق الأسرة العام الماضي، فيما اعتبره الكثير من النواب حينها نصرا كبيرا.
وقد ظن خطأ أعضاء السلطة التشريعية، أنه بإصرارهم على قانون صندوق الأسرة، رغم المثالب التي تضمنها، والتي فندتها أكثر من جهة اقتصادية حينها – منها جهات حكومية وجهات خاصة متخصصة – ظنوا أنهم وجدوا حلا عبقريا لمشكلة القروض الاستهلاكية، في حين أن مشكلة القروض الاستهلاكية، لن تحل بمثل هكذا قوانين، هدفها في المقام الأول غايات انتخابية، فالحل يكمن في وضع قوانين تعزز المسؤولية، وتحمي المال العام من أخطاء أفراد اقترضوا للسياحة والسفر، وشراء سيارات جديدة فارهة، وتجعل الفرد يتحمَّل مسؤولية ما اقترفت يداه، وتقضي على الاتكالية.
فإقرار قوانين لحماية من أخطأ تولد قناعة وثقة تامة لدى المواطنين، أن عليهم الاقتراض بكل السبل والطرق، وسوف تأتي دائما فئة من النواب باحثة عن بناء قواعد انتخابية توجد لهم الحلول، حتى وإن كانت التكلفة على حساب المال العام ومستقبل الأجيال المقبلة.
وانطلاقا من هذه الثقة، أصبح المواطن يقبل على الاقتراض من دون أدنى خوف من العواقب، وهذا ما تؤكده الأرقام، حيث بدأ عدد المقترضين يرتفع بشكل ملحوظ، بعد إقرار صندوق الأسرة.
وقد بدأت تقارير اقتصادية تحذر من بوادر تكون مشكلة قروض استهلاكية جديدة، من ظهور أرقام حديثة تؤكد نمو القروض الاستهلاكية، وارتفاع وتيرتها بشكل كبير منذ بداية العام الحالي. فقد زاد الإقبال بشكل ملحوظ على الاقتراض، بعد إقرار تعديلات على صندوق الأسرة مرتين، المرة الأولى، ليشمل المقترضين من شركات الاستثمار الإسلامية، والتعديل الثاني، كان عقب تولي الوزير أنس الصالح حقيبة «المالية»، حيث شكل لجنة لدراسة قانون صندوق الأسرة، وإمكانية تعديله، ليشمل شريحة أوسع من المواطنين، وهذه التعديلات أقرها مجلس الأمة بعد ذلك، لتفتح الباب مجدداً أمام شريحة جديدة من المواطنين المقترضين لإسقاط فوائد قروضهم، مع فتح باب التسجيل لمدة 3 أشهر إضافية لمن يرغب في الالتحاق بالصندوق. أما المشكلة الأخرى، التي ستزيد الإقراض مستقبلا، والتي جاءت متزامنة مع تعديلات صندوق الأسرة، فهي التعديلات التي أدخلت على صندوق المعسرين، والتي تعطي المستفيدين من الصندوق الحق في الاقتراض مرة أخرى، إذا كانت التزاماتهم الشهرية تقل عن 40 في المائة من الدخل، وفي هذه الحالة فإن نحو 28 ألف حالة سيكون لها حق الاقتراض مجددا، وفقا للأرقام التي ذكرها وزير المالية.
حقائق وأرقام
ووفقاً لبيانات بنك الكويت المركزي، فإن أرصدة التسهيلات الائتمانية النقدية المقدمة من القطاع المصرفي ارتفعت بنهاية أول شهور العام الحالي بنسبة 0.176 في المائة، عما كانت عليه في ديسمبر من 2013، لتصل إلى 29012.1 مليون دينار، واستحوذت التسهيلات الشخصية على حصة الأسد منها، بواقع 11361.7 مليون دينار وبنسبة 39.2 في المائة، موزعة على القروض الاستهلاكية بواقع 1161.1 مليون دينار، والقروض المقسطة بواقع 7126.3 مليون دينار، وشراء الأوراق المالية 2722.2 مليون دينار، والقروض المصنفة تحت خانة أخرى بواقع 352.1 مليون دينار.
وهذه الأرقام أكدها تقرير شركة الشال للاستشارات الاقتصادية، موضحا أنه بخصوص إجمالي قروض العام 2013، فقد سجلت ارتفاعا ملحوظا في إجمالي التسهيلات الائتمانية بلغ نحو 2.164 مليار دينار، عما كانت عليه في نهاية ديسمبر 2012، مبينا أن إجمالي التسهيلات الشخصية في 2013 بلغ نحو 11.282 مليار دينار، مقارنة مع نحو 10.055 مليارات دينار في نهاية ديسمبر 2012، أي بنسبة نمو بلغت نحو 12.2 في المائة، وهو ما يفترض الانتباه له قبل أن تتكرر مشكلة القروض الاستهلاكية والمقسطة.
زيادة مقلقة مستقبلاً
ووفقاً لهذه التقارير، وآراء بعض المتخصصين، من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة طفرة في القروض الاستهلاكية والمقسطة، مدفوعة بالميل السياسي، من قبل النواب، لتقديم خدماتهم في هذه القضية الأكثر شعبية، فقد بدأت هذه الخدمات بصندوق المعسرين، ثم قانون صندوق الأسرة، وربما في المستقبل القريب نجد مطالبات نيابية جديدة بقانون جديد من أجل هذه القضية، وهذا كله سيحفز المواطنين على مزيد من الاقتراض، حتى من لم يفكر في الاقتراض مطلقا، قد يأتي الوقت عليه ليفكر في الاقتراض، في ظل هذه الاهتمام الخاص بهذه القضية.
وتقدر التقارير عدد العملاء المرجح اقتراضهم مجددا من البنوك، بما يتراوح بين 50 و60 ألف مقترض، وذلك بعد استفادتهم من فتح باب التسجيل في صندوق الأسرة، وللاستفادة من تعديلات صندوق المعسرين، منهم نحو 28 ألف مقترض جديد، بفضل تعديل صندوق المعسرين، كما أن 30 ألف مواطن يستطيعون الاستفادة مجددا من صندوق الأسرة، بعد تعديله، وبالتالي إسقاط فوائد قروضهم، وخلق هامش لحصولهم على تمويل جديد استهلاكي أو إسكاني.
محفزات
ومن العوامل التي سوف تساعد في تزايد القروض الاستهلاكية والمقسطة، بالإضافة إلى تعديلات قانوني صندوقي الأسرة والمعسرين، ثبات سعر الفائدة الأساسي في الكويت عند أدنى مستوياته عند 2 في المائة، بخلاف ما كانت عليه سابقا، حيث كانت أسعار الفائدة في الفترة بين 2002 و2007 مرتفعة، وتتراوح بين 7 و9 في المائة، ومما يحفز الافراد على المزيد من الاقتراض، كذلك توافر سيولة كبيرة في البنوك المحلية بفضل الارتفاع المستمر في الودائع، وبالتالي تسعي البنوك إلى توظيف هذه السيولة في عمليات الاقراض للاستفادة من الفوائد، وكثير من البنوك انطلاقا من ذلك تقدم تنازلات كبيرة للعملاء، وخصوصا في ظل عدم ارتياح البنوك للإقراض التجاري لشركات العقار والاستثمار، بسبب تعثرها منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، ما يجعل البنوك تركز وبشدة على قروض الأفراد، يضاف إلى ما سبق النزعة الاستهلاكية الكبيرة التي تسيطر على المواطنين، مدفوعة بالزيادات المستمرة في الرواتب.
ومن المؤكد أن استمرار الدولة في الرضوخ للضغط النيابي في ايجاد الحلول للمقترضين، واستمرار هذا النهج، ينافي مبدأ العدالة، سواء بين المقترضين أنفسهم، لتفاوت ديونهم، وبينهم وبين من سدد، ومن لم يقترض نهائيا، وعلى الحكومة إلا تتخاذل أمام مطالب غير موضوعية وغير عادلة، وإذا كان النواب يبحثون عن وسيلة لشراء أصوات الناخبين أو رضاهم، بغض النظر عن التكلفة على المال العام، ومخالفة معيار العدالة وغياب الدراسة الموضوعية، فيجب على الحكومة ألا ترضخ لهذه المطالبات.