
حوار شيخة البهاويد:
الصحافي وكاتب المقال الشاب أحمد سمير، أحد شباب ثورة 25 يناير المصرية، والذي صمد مع رفاقه الشباب في الميدان لإسقاط حكم خانق ظل يحطم أحلامهم طيلة ثلاثين عاما، لم يتراجعوا أمام حكم عسكري مستبد أو حكم يستبد باسم الدين.
أحمد سمير، من الذين آمنوا بأن الظلم فعل غير مقترن بأسماء محددة، وقد كانت له عبارة، قال فيها: «من كان يعارض مبارك، فإن مبارك قد سجن، ومن كان يعارض الظلم، فإن الظلم حي لا يموت»!
شاب مصري استنشق الغازات التي ملأت الميادين وأصمت آذانه أصوات الرصاص الحي.. عايش معركة الجمل الشهيرة، ونجا ليواجه رفقاء الأمس في الاتحادية، فهو الذي قال «لن نعدكم بأننا سننتصر قريبا، لكننا نؤكد لكم أننا حتى الآن لم نمت».
«الطليعة» التقت أحمد سمير في حديث حول ما جرى وما يجري:
● ما الذي تغيَّر أو تحقق في مصر بعد ثلاث سنوات من الثورة؟
ـ الذي تغيَّر هو نسبة اهتمام الناس بالشأن العام، فقبل الثورة كان الناس منفصلين عن السياسة.. أما اليوم، فهناك اهتمام كبير بالشأن العام وبالحملات الانتخابية ورفض سياسات الدولة، وهو الذي تغيَّر بدرجة كبيرة.
● مَن يحكم مصر الآن؟
ـ المؤسسة العسكرية، وتحديداً المشير عبدالفتاح السيسي.
● هل تعتقد بأن الدستور الذي أصدر أخيراً سيحقق الاستقرار في مصر؟
ـ الدستور غير مرتبط بالاستقرار إطلاقاً، فضلاً عن كونه دستوراً استثنائياً جاء في وقت استثنائي، كخطوة للتمهيد لإجراء انتخابات ولمواجهة الإخوان، ويحتوي على مواد بالضرورة ستتغير، لذلك فهو دستور مؤقت.
● كيف ترى وضع المؤسسة العسكرية في الدستور الجديد؟
ـ المؤسسة العسكرية تأخذ وضعا استثنائياً في الدستور، بسبب دورها في الحسم في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، والتحالف القائم بين الأحزاب المدنية والمؤسسة العسكرية، فضلاً عن اهتمام الطرفين بتأمين المستقبل السياسي للمشير السيسي.
شعبية الجيش
● قلت في إحدى مقالاتك إنك تستغرب تشجيع رئيس المخابرات أيام مبارك وعضو المجلس العسكري أيام طنطاوي ووزير الدفاع أيام مرسي لترشيح نفسه، هل تعتقد بأن الناس ينسون كل ذلك؟
ـ صحيح، من ناحية شعبية المشير السيسي ليست شعبيته هو بذاته، بل هي شعبية الجيش، لأن الدولة كلها في الأساس قائمة على دولة يوليو التي أسسها عبدالناصر، وبالتالي شعبيته من شعبية المؤسسة، ما يعني أنه لو حصل خلاف بين المؤسسة العسكرية والمشير السيسي، فإن الشعب سينحاز للمؤسسة، لذا فالشعب مع المؤسسة، وليس مع اسم محدد بذاته.. أما من ناحية ثانية، في ما يخص المناصب التي أخذها، فهي تفرق مع المجموعات الثورية، وهذه المجموعات بالنهاية ليست كل الشعب، نعم هي جزء كبير ومؤثر، لكنها ليست كل الشعب، مثلا هناك 12 مليوناً صوتوا لشفيق في جولة الإعادة، وهؤلاء بالتأكيد لا يرون أي مشكلة في مناصب المشير السيسي.
● وماذا عن ترشح المشير السيسي؟
ـ الموضوع معقد بشكل ما، فأوضاع البلد سيئة جدا، وسيصطدم مع الإخوان، ومن ناحية أخرى سيضطر لمواجهة المجموعات الثورية وتصفيتها بشكل أو بآخر عن طريق اعتقالات دورية، لذا، فاحتمال ترشحه قائم، لكنه محفوف بالمخاطر على مستقبل البلد، ككل، لكن المؤكد أن وراءه مجموعة من مؤيدي النظام السابق ومجموعات أخرى كانت قد شاركت في الثورة، والآن ترى أنه هو الزعيم والقائد والمخلص من الإخوان، لذا فهناك احتمال كبير أنه سيترشح، لكن من الصعب تأكيد ذلك.
● كيف ترى شكل حكم السيسي لو وصل إلى الحكم؟
ـ سيستمر الوضع الحالي لفترة طويلة، وسيظل الإخوان يتظاهرون بشكل دائم كل جمعة، وستظل مجموعة الاعتقالات بين صفوف الإخوان المسلمين، وسيجر هذا غالبا مجموعات إسلامية أخرى، وستظل الصراعات بينهم وبين التيار الإسلامي، وهو الصراع المقرر في عدة دول عربية، كالصراع الذي خاضه بشار والقذافي وجمال ومبارك، لذلك نحن لسنا أمام حالة استثنائية، فنحن نتحدَّث حول إعادة إنتاج لكل الأنظمة العسكرية السابقة التي تصطدم بالإسلاميين بشكل أساسي، وتجعلهم واجهة للمعارضة، وفي حالة القمع هذه سيبدأ قمع المجموعات المدنية والمجموعات الشبابية أيضاً، وسيتراجع دورها أمام مجموعات غير مهتمة بالشأن العام وأمام إسلاميين يتصارعون على السلطة، وأمام دولة بوليسية.. أما بالنسبة للاقتصاد، فكل من في السلطة اليوم يدركون هذا بشكل كبير، وسيواجه مشاكل كبيرة، ولن يكون الدعم الخليجي كافيا، لأن هناك قطاعين سيتأثران بالصراع الدائم بين الإخوان والسلطة في الشارع، هما قطاعا السياحة والاستثمار، لأنه من الصعب جدا أن يأتي مستثمر أو سائح والدولة كلها تظاهرات وتفجيرات واعتقالات، هذه ليست أجواء مناسبة لا للسياحة ولا للاستثمار، والثورة ستتأثر جداً في حال وجود رئيس عسكري، وهناك توقع بانسحاب بعض المجموعات الثورية من الاهتمام بالشأن العام والاهتمام بالشأن الخاص، كالعمل الخيري والعمل داخل الاحزاب، أو من المحتمل أن تتفجر موجة أخرى ضد النظام عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وهنا نتحدَّث عن قطاع الشباب بالطبع، وأعتقد تبين من الاستفتاء عدم مشاركة الشباب، لذلك، فإما أن يعودوا إلى وضع سلبي أو يشتبكوا مع السلطة.
اعتقالات أكبر
● هل ترى أن نظام مبارك قد عاد؟
ـ لا، لا أعتقد لسبب بسيط، وهو أن الدولة الأمنية الآن لا تقارن بالدولة الأمنية أيام مبارك، فكم الاعتقالات أكبر، وكم القتل أكبر، فتوصيف ما يحصل بأن نظام مبارك قد عاد ليس حقيقياً، لأن ما يتم حاليا مختلف حتى في التعامل مع الإخوان، ومبارك لم يكن يعتقل المرشد ولم «يطلق النار» على المسيرات، فالكلام عن عودة نظام مبارك غير دقيق، وما يحدث الآن أسوأ بكثير.. وعلى جانب آخر في عهد مبارك، لم يكن هناك شباب يهتم بالشأن العام ويتواصلون مع بعض على «تويتر» و«فيسبوك»، والدولة لم تكن بهذا الشكل، لكن حتى القدرة على التواصل والحشد لم تكن بهذه القوة.
● هل تعتقد بأن المنح والقروض الخليجية قد تؤثر في الثورة بشكل أو بآخر؟
ـ لا، المنح الخليجية غير مرتبطة بالثورة، النظام القطري كان يدعم نظام مرسي، والأنظمة الإماراتية والسعودية والكويتية تدعم نظام السيسي، وفي الحالتين هم يدعمون أنظمة موالية، لا يقصد أن تكون دعما للثورة أو دعما لأعداء الثورة، فبالنسبة لهم هي أنظمة مطمئنة لدول الخليج، وأعتقد بأن الأنظمة الخليجية ليس لديها صراع مع الثورة بقدر صراعها مع الإخوان تحديداً.
● هل تعده تدخلاً في السياسية المصرية؟
ـ لا، في الحالتين: حالة قطر وحالة السعودية والكويت، في النهاية الأموال تدعم مصر، والاعتراض هو على اعتماد نظام مرسي على أموال قطر فقط، فيما البلد منهار، واعتماد النظام الحالي على المال الخليجي فقط والبلد منهار أيضاً، لذا، فلا أحد يخلص هذا البلد من انهياره، لكن ليس من المنطقي أن أعترض على أن تعطي قطر أو أي دولة لمصر، فهو شيء جيد في النهاية، لأنه نوع من المساعدة، وهذا ليس وجه اعتراضي، أنا اعترض على الأنظمة التي تعتمد كليا على هذه الأموال من دون أن تهتم ببناء دولة.
● ما رأيك في القول بأن دول الخليج تسعى لتخريب الديمقراطية في مصر؟
ـ أنظمة دول الخليج أنظمة ملكية وليست ديمقراطية، وبالطبع هي قلقة مما حصل في تونس ومصر، ومن الطبيعي رغبتها في إيقاف ذلك، من أجل مصالحها وحماية أنظمتها أكثر من كونه متعلقا بمصر أو تونس، لذلك جزء من سؤالك حقيقي، فهناك رغبة في إيقاف ما يحصل، والمنح التي تعطى اليوم تعطى لنظام عسكري لا يعلن أنه مع الديمقراطية، على عكس نظام مرسي، بغض النظر عن خلافنا معه، فأعتقد بأن هناك جزءاً من العداء للديمقراطية واضح، لكن لا أرى عيباً في إعطاء المنح، لأنها في النهاية ستعود للشعب بشكل ما، ولا يمكنني القول لدولة تعطي منحة بأن هذا خطأ، لأن الأموال ستساعد فقراء ومحتاجين، وأنا لست غاضباً من هذه الأنظمة، ولا آخذ الموضوع من باب الكرامة المصرية، هو مجرد تحليل.
إشكاليات القضاء
● ما تقييمك للجهاز القضائي في مصر حالياً؟
ـ الجهاز القضائي في مصر لديه إشكاليات ضخمة في ما يتعلق باستقلال القضاء، وهذه كانت أحد المطالب الثورية من قبل ثورة 25 يناير، ولم تحدث أي إصلاحات حقيقية بعدها، فالجهاز القضائي لديه مشكلة في ارتباطه بالسلطة التنفيذية، والنقطة الأخرى أن عداء جماعة الإخوان مع جهاز القضاء أدَّى إلى نتيجة عكسية، كما أن عداء نادي القضاة مع الإخوان واضح وأثر في الكثير، فلا ينفع أن يكون القضاء خصماً، لكنه كان كذلك، ووجود الإخوان زاد من تخوفات الجهاز القضائي والإداري المصري.. أما قضاة الاستقلال، وهم مجموعة قضاة كانوا يتصدرون المشهد القضائي في مصر على اعتبار أنهم دعاة للاستقلال، فمعظمهم تورطوا مع الإخوان في أخطاء سياسية كبرى أضرت بسمعتهم، ليس فقط على المستوى السياسي في مصر، ولكن حتى داخل القضاء نفسه، ما حول المجموعة المطالبة باستقلال القضاء إلى مجموعة هامشية.
سقوط الإخوان
● لماذا سقط الإخوان من على سدة الحكم؟
ـ فكرياً قبل الحديث عن الممارسات كان هناك خطاب استقطابي منهم قائم على فكرة «نحن وأنتم»، هذا جعلهم يخسرون الكثير، كانوا يتصورون أن الشعب يؤيد الإسلاميين ويريد الإسلام، لكن في الحقيقه الأمر تحوَّل إلى مجموعة إسلاميين، مهما كثر عددهم، فهم أقلية في المجتمع، وهذا المقصود بـ«نحن»، أما «أنتم»، فقد دخل بها الإعلاميون والقضاء والجيش والشرطة والسياسيون والنخبة المثقفة، وكل من لا ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين من معارضي مرسي، فقد كان خطابا استقطابيا خسر بسببه الإخوان الكثير، بعد أن أصبح الداخلون في «أنتم» كثيرين جداً، ولم يبق في «نحن» التي يقولونها إلا الإخوان والسلفيون والمجموعات الدينية المتحالفة معهم، والتي كان خطابها أشد تطرفا حتى من الإخوان، ما جلب نتائج عكسية، وهذا باعتقادي السبب الأساسي لسقوط الإخوان فكريا، أما من ناحية الممارسات لسقوط الجماعة، فهما أكبر خطأين اقترفتهما الجماعة، فقد تصورت أنها بديلة عن الدولة، ونزلت للاشتباك مع المواطنين في الاتحادية، ما خلق ثأراً متبادلاً وحالة من الاضطرابات الواسعة، وطبعا الإعلان الدستوري كان خطأ عظيماً، لأنه خلق عداء لدى خصوم الإخوان لهذا الحكم، ثم أتى مؤتمر سوريا، الذي كان في غاية البشاعة والسوء، من حيث الحاضرين، والخطاب الذي تناول عبارات صريحة «كأعدائك الكافرين والمنافقين يا مرسي الذين سينزلون في 30 يونيو»، وهذا كانت له نتائج سلبيه، فضلا عن أن القوات الأمنية المصرية والقوات المسلحة لم تكن لتتساهل في فكرة إعلان حرب وإرسال مصريين إلى سوريا من دون موافقة الدولة الأمنية المصرية، فالدولة الأمنية دولة راسخة لا ينفع تجاوزها بالشكل المراهق والطفولي الذي قام به الإخوان.
● هل تعتقد بأن تنظيم الإخوان المسلمين وصل إلى نهايته اليوم؟
ـ لا إطلاقا، الحديث عن نهاية الإخوان وهم، الإخوان تنظيم كبير له شعبية واسعة في أكثر من دولة، والحديث عن نهايته غير منطقي إطلاقا، فضلاً عن أن بقاء النظام الحالي في مصر مرتبط بشكل كبير ببقاء جماعة الإخوان، وبقاؤهم له أسباب خاصة بهم، وأخرى خاصة بالنظام.. وبوضوح، فإن النظام يحتاجهم، فضلاً عن أن التيارات الموجوده تيارات قومية وليبرالية وإسلامية، ففكرة عدم وجود التيار الإسلامي كلام مبتذل جدا، وخاصة أن جماعة الإخوان موجودة في القلب منه، وتجارب قمع الإخوان لم تسفر عن نهايتهم، وقد سبق للقذافي وحافظ الأسد وبشار قمع الجماعة، وها هم موجودون في ليبيا وفي أجزاء من سوريا، ففكرة أن القمع ينهي التنظيم فهي غير منطقية، لأنه بالأصل تنظيم ديني عقائدي، والإخوان في الكويت مثلا ربما بنوا مسافة بينهم وبين التنظيم الأصلي بعد موقف الجماعة الأم من احتلال صدام للكويت، لكن في النهاية التنظيم واحد والبنية الفكرية واحدة، وهي غير مرتبطة بالدين، فإخوان الكويت رفضوا لفترة قريبة تصويت المرأة، فيما هذا لا يحصل في مصر، لذلك، فالأمر متعلق بالأقطار شديدة المحافظة، وبما تؤمن به مجموعة أفراد، ويتم استدعاء الدين على أن هذه الأفكار من الدين، وهي ليست كذلك، بدليل أن الجماعة في مناطق أخرى لا ترى أن عدم تصويت المرأة من الدين واخوان الكويت اعتبروها من الدين، والحقيقه أنه ليس هناك اختلاف بين إخوان مصر والكويت، فالبنية الفكرية واحدة، وهي أن تأتي بآراء أنت مقتنع بها، ثم تدعي أنها دين، وتبين أنك تحافظ على الدين، وهذا ما أسقط الإخوان في مصر، وأعتقد بأن هذا بذرة لسقوط أي تجربة، سواء لإخوان الكويت، أو في أي بلد آخر، وهو أن تأتي باجتهادات لا أساس شرعياً لها تعبر عن آرائه وآراء قياداته، وبعدها يقاتل عنها باعتبار أنها من الدين.
عودة الإخوان مستحيلة
● هل ترى على المدى المنظور إمكانية عودة الإخوان في مصر للسلطة أو البرلمان؟
ـ على المستوى القريب أو المتوسط مستحيل، لأن العودة قد تكون من خلال ثورة شعبية، وهذا مستحيل أمام موازين القوى، فنحن نتكلم عن جيش وشرطة ومؤسسات دولة وقضاء وإعلام وأغلبية شعبية ونخبة مثقفة، كلها ضدهم، حتى معارضو السيسي ضدهم، وبالتالي العودة مستحيلة، من خلال ثورة شعبية أو حتى انقلاب عسكري، لأنه لا وجود لهم في الجيش أساسا، أو قد تكون عودتهم من خلال الانتخابات، فهم ضعيفون الآن، ويحتاجون لفترة طويلة لاستعادة قوتهم، فضلاً عن أن الدولة الأمنية ستمنعهم من دخول أي انتخابات، وبالتالي فكرة أن يكونوا موجودين فكرة غير مطروحة حاليا على الإطلاق، لا الآن ولا حتى بعد 20 سنة.. أما على المستوى البعيد، فوصولهم للحكم طبيعي، فما داموا موجودين، فهناك احتمال كأي تيار يحتمل وصوله للحكم، لكن نجاحه أو فشله خلال وصوله للحكم (أي ربما بعد 40 سنة) سيكون بناء على مدى قدرته على تطوير خطابه حاليا، وفي الحقيقة لو ظلوا هكذا، فلن يستفيدوا إطلاقا من وصولهم للحكم، فالتجربة ستنهار سريعا على غرار التجربة الجزائرية عام 1992 أو المصرية في 2012، أي حتى لو وصلوا للحكم على المستوى البعيد، لن تنجح طالما أن الخطاب لن يتغيَّر بشكل أقرب للحالة التونسية التي صنعها راشد الغنوشي أو إلى حالة أردوغان في تركيا، وهنا تكون التجربة معرضة لأن تنجح.. أما في وضعهم الحالي، فحتى لو وصلوا للحكم في بلد آخر، سينهارون بنفس الشكل، فهو تيار شديد التخلف من غير أي تلميع للكلام.
● كيف ترى الإخوان كمعارضة في الشارع؟
ـ هم يؤدون أداء يفترض أنه ثوري، وهدفهم إسقاط النظام، من خلال الخروج من العملية السياسية بالكامل في انتظار أي هزة يتعرض لها النظام، ليشاركوا فيها، ويستفيدوا من إسقاطه بصفتهم في قلب المعارضة.. وفي الحقيقة هذا صعب الحدوث أو مستحيل الحدوث، لأن المعادين للنظام هم معادون للإخوان أكثر، حتى من يختلف مع نظام السيسي في النهاية لا يراه أسوأ من الإخوان إطلاقا، فخطة الإخوان في المعارضة ليست صالحة، لكنها الشيء الوحيد الذي يملكونه، وأعتقد بأنهم يعرفون كونها خطة غير صالحة، ولو جلستِ اليوم مع أي أحد من الإخوان سيخبرك بذلك، لكنه تيار يقاتل للحفاظ على كيانه، لأنه مدرك أنه في حال توقف التظاهرات ستبدأ الناس تتساءل عن أخطائهم وسبب ارتكابها، ولماذا تم ترشيح رئيس، ولماذا لم تتم الاستفادة من التجربة الجزائرية، ومن تجربة الإخوان في غزة؟ وبالتالي قيادات التنظيم تريد أن توفر على نفسها الدخول في هذا الطريق، للمحافظة على التنظيم لا للنجاح، فهم يعرفون جيدا أنهم لن ينجحوا.
● ما رأيك بما طالب به البرادعي بمد اليد للإخوان للمشاركة في الحياة السياسية، من أجل الاستقرار واستمرار الديمقراطية؟
ـ هذا متفق جدا مع أفكار البرادعي، والنهاية لن تكون هناك ديمقراطية في مصر أو في أي بلد في العالم، مادام هناك قتل منظم للمعارضين السياسيين، فإن تحب الإخوان أو لا تحبهم هذا شيء، وأن ترضى بقتلهم، فهذا شيء آخر، فهم يتعرضون لقتل منظم الآن من جانب السلطة، وبالتأكيد الوصول لحل سياسي لوقف القمع والقتل والاعتقال العشوائي شيء ضروري لحقن الدماء، حقن دماء المصريين عموما والإخوان خصوصا، أو حتى بقية التيارات، والنهاية الإخواني لا يسير وقد كتب على وجهه أنه منتمٍ لجماعة الإخوان، لذلك، فما يحدث هو قتل عشوائي وتعاني منه جميع التيارات، والاعتقال العشوائي أيضاً تخسر فيه جميع التيارات، وتخسر فيه الحرية والديمقراطية والمواطن المصري نفسه، وفي حالة الإخوان هناك أخطاء ارتكبت يجب مراجعتها في حال رغبتهم في المصالح، ولا أقصد هنا مصالحة مع النظام، بل مع الشعب، فالناس صارت تكرههم بشكل حقيقي، لذلك أعتقد بأن الجماعة تحتاج إلى تغيير خطابها.
الإعلام والاجهزة الأمنية
● كيف ترى الإعلام المصري اليوم، في ظل هذه الأوضاع السياسية؟
ـ الإعلام المصري مسيطر عليه بشكل كامل من قبل الأجهزة الأمنية، وفي 3 يوليو أغلقت جميع قنوات المعارضة للنظام الحالي، من دون حكم قضائي، وبالتالي لم يبق في البلد إلا الإعلام المؤيد للسلطة، لأن الإعلامي تصل له رساله أن الأجهزة الأمنية هي التي لها الحق في أن تغلق القنوات وأن تفتحها، ومعظم القائمين على الفضائيات أدركوا ذلك، ولم يعادوا السلطة إلا في حالات استثنائية، مثل باسم يوسف ويسري فودة والأشخاص الذين يملكون قوة ذاتية لأنفسهم، أي غير مرتبطين بسياسات المحطات، كونهم أكبر من ذلك بأسمائهم، وهناك مجموعات من الصحافيين أيضاً يحاولون خلق حالة داخل الإعلام، عن طريق تمرير أخبار حقيقية أو مقالات، لكن بشكل عام الإعلام خاضع للدولة الأمنية.
الحزب الوطني لن يعود
● هل يوجد أي نوع من أنواع الضغوط عليك في كتاباتك كصحافي؟
لا إطلاقا، هناك مجموعة من الصحافيين والإعلاميين خلقوا لهم اسما يتحركون به، ومقال الرأي ليس من الأشياء التي يحصل فيها ضغط، المقال من الممكن أن يمنع وينتهي الموضوع، لكن ما قبل المنع لا أحد يؤثر فيك.. أما الذين يتعرضون للضغط الحقيقي، فهم الصحافيون الذين يكتبون الأخبار والتحقيقات، ويمر عملهم بدورة عمل كاملة من رئيس ومدير تحرير، ويحصل تدخل بالعناوين وبحذف أجزاء معينة من الخبر، حتى لا يبدو ضد أحد معيَّن، أما مقال الرأي، فإما أن ينشر المقال أو يمنع بأدب، فتنشره في مكان آخر.
● هل ترى أن الحزب الوطني يعود للحكم، وخاصة بعد تكليف «محلب» بتشكيل الحكومة الجديدة؟
ـ لا أعتقد ذلك، فمنذ 28 يناير بعد نزول الجيش، هو الذي يحكم، وهو اختار الحزب الوطني بالنهاية، وإبراهيم محلب لا يحكم، كما أن الببلاوي لم يحكم، الذي عين الببلاوي هو عدلي منصور، والذي عين عدلي منصور هو السيسي، والآن الأمر ذاته حدث في تعيين محلب، ولا يعني ذلك أن أياً من الببلاوي أو محلب يحكم، فمن عينهم هو الذي يحكم بكل بساطة، وهي المؤسسة العسكرية.
الحريات والعدالة الاجتماعية
● ثلاث سنوات منذ ثورة يناير لم تتغير أشياء كثيرة.. كشباب، ما الذي يدفعكم للاستمرار؟
ـ المطالبات بالحريات والعدالة الاجتماعية، ويجب أن تتحقق، لكن الدولة فاشلة في تحقيق هذه المطالبات، وسنظل نطالب بها، وحقنا في حرية الرأي وتوزيع الثروة لم تتحقق، وسنطالب بها ولو بعد 100 سنة، وستأتي أجيال تطالب بها، لأنها مطالب بديهية، فكل دول العالم الأول فيها قدر من العدالة الاجتماعية وحريات الإعلام والصحافة والتعبير والتعددية الحزبية، ولا توجد دولة نجحت من دون هذا النموذج، حتى الدول التي حققت نجاحا اقتصاديا، كالصين مثلا هناك مجموعات داخلها تطالب بالحريات ويتم اعتقالها، بالطبع هناك أشخاص يموتون دفاعاً عن آرائهم، لكن كلما كان العنف أكبر من الدولة كان الإصرار أكبر عند المواطنين وأهلهم وزملائهم وأصدقائهم، وهذا سبب نهاية القذافي، وهذا سبب سقوط النظام بعد 28 يناير، ولهذا النظام السوري أيضاً لا يستطيع السيطرة، لأنك كلما تقتل أكثر تخلق أعداء أكثر لك، لذلك فالقتل لا يحقق الاستقرار للأنظمة.